26 إبريل 2024 م -
  • :
  • :
  • ص

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

    محكومون بالأمل.. أسرى قدامى ولكن!

    آخر تحديث: الأحد، 26 مايو 2013 ، 00:00 ص

    هل تخيلت يوماً كيف يمكن أن يقضى أسير فلسطيني عشرات السنين خلف القضبان؟! كيف يمضي أيامه المستنسخة عن بعضها؟! هل يضحك؟! وهل يعدّ أيامه وسنينه في انتظار أن تنتهي مؤبداته المتراكمة؟ كم جرعة من اليأس يتعاطاها يوميا؟ هل تريد إجابة؟ دعنا نرحل الى سجن جلبوع لنلتقي بعض الأسرى القدامى ونمر سريعا في بضع فقرات على تفاصيل حياتهم!
    الأسرى القدامى، يطلق هذا المصطلح على الأسرى الفلسطينيين الذين يقبعون في السجون الإسرائيلية منذ ما قبل اتفاق أوسلو 1994 وعددهم 105 أسير. والبعض يطلقونه على أسرى ما قبل انتفاضة الأقصى عام 2000 -العدد غير متوفر –ØŒ مما يعني 13 عاما فأكثر داخل القضبان على أقل تقدير، بعضهم يرسم الأمل على جدران الثلاثين عاماً مثل الأسير كريم يونس، وبعضهم الآخر قضى أكثر من ربع قرن داخل القضبان وعددهم 25 حسب آخر الإحصائيات ويسمون ”جنرالات الصبر”ØŒ وبعضهم قضى ما يزيد عن 20 عاما وعددهم 77 ويسمون ”عمداء الأسرى”.
    تبدأ الحكاية من أواخر العام 2006ØŒ حيث خضت التجربة الإعتقالية، بعد انتهاء التحقيق في معتقل الجلمة ” جيشون ” على سفوح الكرمل قرب حيفا، تم نقلي الى بيسان وتحديداً الى سجن جلبوع، سجن في وسط سهول بيسان بحراسة مشددة وأغلب سجنائه من ذوي المحكوميات العالية، دخلتُ برفقة مجموعة من الأسرى ” الجدد ” بعد صلاة المغرب مباشرة الى قسم 5 وتحديدا الى الغرفة 3 وكانت غرفة ”الوطنية” نظرا لأن قاطنيها من مختلف الفصائل. رحب بنا الأخوة هناك، وتم ما هو معتاد في استقبال أي أسير جديد من تعارف وتلبية لاحتياجاته وتهيئته لحياته الجديدة، سنتجاوز الكثير من هذه التفاصيل التي قد نحكي عنها لاحقا في مقالات أخرى، وننتقل الى عالم القدامى.

    الوجه الأول، الدهشة الأولى، والابتسامة المحيرة: عثمان بني حسن
    أطلّ علي اليوم التالي في جلبوع وكان يوم جمعة، وأشرقت شمسه وخرجت الى الساحة لأبدأ فصلا جديدا من حياتي ببداية لم تكن عادية أبداً، لقد كانت البداية بمثابة الدرس الأول. أحد الأخوة في الغرفة – سامر – شدّني من يدي نحو غرفة 4 ونادى شخصاً من الداخل ليعرّفني عليه، وسط دهشتي من إصرار سامر على هذا التعارف.
    أطل عبر الباب المغلق رجل في منتصف الثلاثين، وتبادلنا السّلام مع ابتسامته التي تحمل وراءها الكثير، وتكلمنا عبر شبك الباب، سألني سامر هل تعرف هذا الشخص؟! وبعد النفي عرفني عليه، عثمان بني حسن من بلدة عربونة في جنين، وباشر بطرح السؤال الثاني، كم تتوقع أن يكون قد قضى؟!
    ابتسمت من السؤال الغريب، لكنني تشجعت على طرح بعض الأرقام، وأخذت بالحسبان توقعي للعمر وشكل الرجل الذي يبدو قوامه رياضياً وحتى ابتسامته وهدوؤه وبدأت بالتوقع وطرحت أرقاماً لم تتجاوز عشر سنوات، وسط ضحك سامر، وسرور عثمان، وسؤاله ”هل يبدو علي هذا؟! ”ØŒ لم أفهم شيئاً حينها وتوقعت أن يكون هذا الموقف أحد المقالب التي يقوم بها الأسرى عادة بالقادمين الجدد.
    حين تغوص في المجهول، يبدو كل شيء حولك غريبا، ولن تفهم ما يدور حولك سريعا. عند عجزي عن الإجابة داهمني سامر بالجواب الذي لم أصدقه للوهلة الأولى، 22 عاما، أبو أسامة قضى اثنين وعشرين عاما من عمره خلف القضبان! هل تظنون أن الرقم هو ما أذهلني؟ أنتم مخطئون فالأرقام سمعتها وأنا في الخارج، ما أذهلني وأقض مضجعي عدة ليالي هي الابتسامة! كيف يبتسم من قضى ما يزيد عن نصف عمره خلف القضبان؟ كان هذا تساؤلي المشروع في عالم ما زلت أجهله، ومع أناس كنت ولا زلت أجهل تركيبتهم رغم أني كنت جزءا عابرا منها ذات يوم.
    تحمل الأيام الكثير من التوضيحات، لا أنسى كيف كنت أقف بباب غرفتي استرق النظر لأبي أسامة! وهو يمارس الرياضة ويتمشى في الساحة ويمارس حياته التي كسر صعوبتها بعزيمته، هادئ، متزن، وابتسامته لا تفارقه أبداً، كان هذا أول دروسي في جامعة ”الأسرى القدامى” وكان بعنوان ”الصبر، الأمل، الابتسامة – اعادة تعريف“.
    أبو أسامة، عثمان بني حسن، من بلدة عربونة قضاء جنين، من قدامى حركة فتح في السجون، تم اعتقاله عام 1985 برفقة زميله هزاع السعدي وحكم بالمؤبد عدة مرات ولا زال يقبع خلف القضبان بعد أن تم استثناؤه من أي تبادل شأنه شأن من بقي من الاسرى القدامى.

    أبو البصير، العزيمة، النشاط وتحدي العمر والظروف
    السجن احد انعكاسات المجتمع، ليس جزءا من الجحيم، لكنه ليس جنة أبدا. في أيامنا المتأرجحة بين اليأس والأمل، يحدث أن نمر بأناس لا نعرف منهم الا الدرس الذي علمونا اياه، أبو البصير لم يكن شخصا، بل كان درساً، رجل في أواخر الأربعين، بلحية طويلة بيضاء تعودت الريح أن تداعبها، مر مرورا سريعا على قسم 5 ولم يتعد وجوده الاسبوعين، كل ما أعرفه أنه من غزة وكان قد أتم 19 عاما خلف القضبان وينتظر الافراج بعد عام. كان في غرفة مقابلة لغرفتنا وكنت ألحظه في قيام ليله، عباد قوام لا يفتر.
    بعد مجيئه بيوم واحد خرجت برفقة صديقي معتصم رداد وهو في أوج صحته – الآن يعاني من أمراض كثيرة ووضعه في غاية الخطورة – خرجنا الى ساعة الرياضة، وهي ساعة يومية يخرج اليها من يريد من الاسرى دون ان تحتسب ضمن ساعاته الأربع المسموح له بالخروج فيها الى الساحة، يمارس الأسرى فيها عدة رياضات مثل الجري حول الساحة، والتمارين الرياضية، وحتى كمال الاجسام بأدوات بسيطة قاموا بتصنيعها وبعضهم بنى أجساما وعضلات مذهلة يعجب المرء من طريقة بنائها!
    خرج أبو البصير صباح اليوم التالي، تبادلنا التحية وتعارفنا سريعا واقترح علينا أن نجري قبل أن نبدأ التمارين الرياضية تحت قيادته، كل الترحيب لهذا الاقتراح ولكن هل سيبقى لهذا الشيخ الذي نخرت عظامه السنوات خلف القضبان ما يقوله بعد أن يركض 20 – 30 دقيقة ØŸ! لن أخبركم أنني توقفت بعد 10 دقائق من الجري وعمري كان 18 عاما، وجلست أتابع معتصم والشيخ وعدة أسرى يجرون حول الساحة حتى أنهوا مهمتهم بنجاح. لكن ما اثار انتباهي هو الطريقة التي يجري فيها وكيف يشجع الشباب بعباراته ويسبح ويهلل أثناء جريه دون أن أحس أنه يجتهد ليركض، مثلما كان حالي وحال الكثيرين.
    أنهوا جريهم وتحولقنا بحقلة على رأسها رجل بلحية بيضاء في أواخر الأربعين 19 عاما منها في السجن، وبدأنا بالتمارين الرياضية ”سويدي” نقلد حركاته ونلتزم بعدده يتخلل ذلك تسبيحه وتهليله وتشجيعه، مرت أول دقائق بسلام وبدأت التمارين تصعب شيئا فشيئا! وبدأنا بالتهرب بحجة الشرب أو الراحة، نذهب ونعود والشيخ وقلة حوله لم يفتروا، وما أن انتهينا حتى انتهينا! كنت أشعر مع انني تهربت من نصف التمارين أنني بحاجة لحمالة لتأخذني الى الغرفة، فمنذ مدة طويلة لم أبذل جهدا كهذا، والشيخ بسنواته البضع والأربعين درس في العزيمة، خرج من ساحة المعركة بخطوات ملكية لا توحي بأي جهد بذله.
    بعد عدة ساعات، بدأت التشنجات العضلية، وبدأت أنا ومعتصم نضحك على أنفسنا، كيف تفوق علينا هذا الشيخ! معتصم قرر أن يخرج في اليوم التالي ورفضت بشدة أن أرافقه، كانت عزيمته أكبر من عزيمتي لكن بعد عدة أيام استسلم وهو البطل الذي لم يستسلم حتى لحظة اصابته ونفاذ ذخيرته، اتخذ من بندقيته عصا يقاتل بها الجنود المدججين قبل أن يتمكنوا منه ويعتقلوه! لم أخرج للرياضة أسبوعا، واذكر انني خرجت بعدها لكنني تجنبت أبا البصير، فلم يكن يجاريه أحد، ولم يمض اسبوع آخر حتى تم نقله من سجن جلبوع الى أحد سجون الجنوب.
    كان درسا فك ارتباط العزيمة والنشاط بالعمر، والسنوات خلف القضبان، وربطه بالشخص والممارسة والتعود، وأزاح من خيالي فكرة القديم المتهالك.

    هنا جلبوع
    هنا جلبوع، اسرى بمؤبدات، وآخرون محملون بعشرات السنوات التي قضوها خلف القضبان، دروس وعبر في الصلابة والعزيمة وقهر السجان، مرت الأيام في جلبوع وقابلت الكثير من الأسرى القدامى، أذكر منهم – وكثير منهم افرج عنهم – نبيل عليوة، جهاد بني جامع، عايد هرشة، نصر شقيرات، عثمان بني حسن، هزاع السعدي، عبد الرحمن كميل، طاهر زيود، ظاهر قبها وغيرهم، لم يكونوا كبعضهم، تفاوتت قواهم وآمالهم واهتماماتهم، لكن مجمل ما ترى منهم يجبرك على اعادة تعريف الحياة، السجن، الزمن، وحتى الانسان.
    لم أكن أتخيل يوما أن أرى هذه الصورة عن الأسرى بشكل عام والقدامى بشكل خاص، لأن اعلامنا لم يعودنا الا التباكي على أطلالهم، لا ينكر أحد أن السجن معاناة وقهر، لكن أحدا لا يستطيع أن ينكر أيضا أن هناك رجالا كالصخر، يقهرون القهر، يهزأون بالظلمة، عندما تنظر اليهم كيف يمارسون حياتهم، ينظمونها، يتفننون في دحر الملل وملئ اوقاتهم بالمفيد، تشعر بأنك ”لا شيء”. انهم ببساطة، أصدق معاني الأمل.
    نسأل الله الفرج القريب لأسرانا جميعا.

    (المصدر: شبكة قدس، 25/05/2013)


    أضف تعليق



    تعليقات الفيسبوك

حسب التوقيت المحلي لمدينة القدس

حالة الطقس حسب مدينة القدس

استطلاع رأي

ما رأيك في تضامن الشارع الفلسطيني مع الاسرى في معركتهم الأخيرة في داخل سجن عوفر؟

43.5%

16.7%

35.2%

4.6%

أرشيف الإستطلاعات
من الذاكرة الفلسطينية

استشهاد الأسير معزوز دلال في مستشفى آساف هروفيه الصهيوني نتيجة سياسة الإهمال الطبي المتعمد

25 إبريل 1995

استشهاد الأسير عبد الصمد سلمان حريزات بعد اعتقاله بثلاثة أيام نتيجة التعذيب والشهيد من سكان بلدة يطا قضاء الخليل

25 إبريل 1995

قوات الاحتلال ترتكب عدة مجازر في الغبية التحتا، الغبية الفوقا، قنير، ياجور قضاء حيفا، وساقية يافا

25 إبريل 1948

العصابات الصهيونية ترتكب المجزرة الثانية في قرية بلد الشيخ قضاء مدينة حيفا

25 إبريل 1948

الأرشيف
القائمة البريدية