29 مارس 2024 م -
  • :
  • :
  • م

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

    ما بعد الصفقة

    آخر تحديث: الإثنين، 00 00 0000 ، 00:00 ص

     

    بقلم: هاني عوكل

    كطفل غارق في ارتباكه، تماماً هكذا كان حال الجندي الصهيوني جلعاد شاليت، الذي أفرجت عنه المقاومة الفلسطينية، بعد أكثر من خمسة أعوام، على العملية المهمة التي وقعت في جنوب قطاع غزة، وأسفرت عن أسر هذا الجندي وقتل اثنين من رفاقه.
    من لاحظ شاليت أثناء مرحلة التسليم، انطلاقاً من غزة ومروراً بمصر ثم قاعدة سلاح الجو الصهيوني في تل نوف، لا يمكن أن يقول إن هذا فعلاً جندي متمرس في الفنون العسكرية، لقد بدا مضطرباً ويائساً، ضعيف البنية، غير قادر على فهم ما يجري، وبالكاد يستوعب أنه رجل ناضج.
    والحقيقة أن شاليت بضعفه جسّد حالة الكيان الصهيوني الحالية، الكيان الصهيوني المهزوم الذي يتلقّى الضربات المتتالية، وهو نفسه الكيان الصهيوني الذي جمع كل قوته في عمليات عسكرية قاسية ومتنوعة، من أجل تحريره، فضلاً عن استنجاده بدول كثيرة، دون أن تعرف مكان هذا الشاليت.
    نتنياهو فتح ذراعيه لشاليت، لكنه حتماً كان يندب حظه على صفقة اعتبر فيها الكيان الصهيوني خاسر، إلا أنه احتكم ليس إلى صوت عقله الشخصي، وإنما إلى صوت الجمهور الصهيوني، الذي أبدى حماسة لقبول صفقة التبادل.
    وعلى الرغم من موقف الجمهور الصهيوني الذي وافق على إتمام الصفقة، وانتظار عودة شاليت إلى منزله، فإن هذا الجمهور حتماً سوف يجلد شاليت، ويحمّله مسؤولية الوقوع في الأسر والمساومة على تحريره في صفقة تبادل غير متكافئة.
    في كل الأحوال، نتنياهو أراد من الصفقة تحرير نفسه من الضغط الشعبي الداخلي الذي بدا متحاملاً عليه نتيجة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية وغلاء الأسعار، ففي العقلية السياسية الصهيونية، هناك قناعة بأن المشكلة الداخلية التي يستعصي حلها، تستلزم محاولة إلهاء الجمهور الصهيوني، إما بصفقة يرضى بها، مهما كان شكلها، أو عن طريق افتعال حرب ضد الفلسطينيين.
    نتنياهو سلك الخيار الأول، أي أنه داخلياً استمزج رأي جمهوره ووافق على صفقة التبادل، وخارجياً، هو أعاد حبل التواصل مع مصر، خصوصاً بعد أحداث مقتل الجنود المصريين، ذلك أن نتنياهو قلق من الربيع العربي، ولا يرغب في تعميق الخلاف مع مصر بعد الثورة.
    الجوار العربي كله يشكّل قلقاً بالنسبة إلى الكيان الصهيوني، فوضع مصر الحالي غير مستقر، وهناك حالات غضب متزايدة من قبل الجمهور المصري الناقم على معاهدة كامب ديفيد، وهذا يشكل هاجساً للكيان الصهيوني وتخوفاً من تردي العلاقة مع جار مهم جداً بالنسبة إليها، خصوصاً أنه يجاورها في الحدود الجنوبية من جهة الكيان الصهيوني.
    الوضع في سورية مقلق للغاية، وانعكاسات القلق واضحة على الكيان الصهيوني، وكم من مرة وجهت التعزيزات العسكرية الصهيونية، وهي باقية حتى هذه اللحظة، على الحدود الشمالية، هذا غير الوضع اللبناني وحزب الله، والوضع الأردني، وطبعاً الوضع الفلسطيني الذي يتحرّك دبلوماسياً من أجل الحصول على دولة مستقلة.
    نعم، الكيان الصهيوني يقرأ المعطيات جيداً، ويدرك أن هناك أزمة اقتصادية عالمية تعيق الولايات المتحدة الأميركية، وتعيق أوروبا بأكملها، وأيضاً يدرك الكيان الصهيوني أن الربيع العربي يتجه أكثر ناحية الاستجابة للمطالب الشعبية، هذه التي تربطها بالكيان الصهيوني علاقة العدو غير المهذب.
    هذا عدا تركيا التي تنظر إلى الكيان الصهيوني باعتباره دولة عنصرية وفوق القانون، ناهيك عن تآكل وضع الكيان الصهيوني أمام العالم، بسبب التراكمات العنصرية والحروب القاسية التي كانت تشنها على الفلسطينيين، لكل ذلك، يرى نتنياهو أن على الكيان الصهيوني أن يقرأ المتغيّرات في المنطقة وتستجيب لها ولو بالحد الأدنى.
    هذا ربما يشكل مؤشراً على رغبة الكيان الصهيوني حالياً في "تهدئة اللعب"، كما يقول المثل، لكن ربما كانت هناك مخططات تقوم بها الدولة العبرية للعودة من جديد إلى فتح مواجهة مع الفلسطينيين، تخرب أولاً على كل المحاولات لإعادة ترميم وحدتهم الداخلية، وثانياً تخرب على حقوقهم بدولة مستقلة.
    ثمة من يربط صفقة شاليت بالاستعدادات لدق طبول الحرب الصهيونية ضد إيران، بمعنى أن هناك تخوفاً صهيونياً كبيراً من الملف النووي الإيراني، خصوصاً في ظل الاستبعاد اللحظي لمواجهة عسكرية دولية ضد إيران، وهذا الرأي يعتقد بأن الكيان الصهيوني سيتقدم خطوة إلى الأمام في استهداف إيران عسكرياً.
    ربما هذا الرأي غير صائب، لماذا؟ أولاً لأن الكيان الصهيوني يواجه العزلة المتزايدة في المحافل الدولية، وثانياً لأن حدوده غير آمنة بسبب الثورات العربية المجاورة له والمهددة لوجوده في أية لحظة، ولذلك لا يستطيع 
    الكيان الصهيوني أن يورط نفسه في ظل الأوضاع الحرجة والمقلقة، في فتح جبهة مواجهة مع إيران.
    ثم إن الكيان الصهيوني يدرك أن الولايات المتحدة غير مستعدة لتحمل خسائر إضافية من جراء إطلاق حملة عسكرية ضد إيران، ولذلك فإن كل التفكير الصهيوني الحالي منصب على منع حصول الفلسطينيين على دولة مستقلة، وتأبيد الخلاف بين الحركتين "فتح" و"حماس".
    الكيان الصهيوني الذي وافق على صفقة التبادل، قد يستفيد منها لاحقاً في أكثر من جانب، الأول أن الصفقة نفسها أعطت زخماً لحركة حماس، باعتبارها راعية المقاومة والقادرة على التأثير بقوة، في موازين القوى الداخلية، وهذا يقودنا إلى الجانب الثاني الذي قد يستفيد منه الكيان الصهيوني في العودة إلى مسلسل الإجتياحات والعدوانات.
    قد يلجأ الكيان الصهيوني إلى تسويق الفرضية الآتية: أن حماس لها امتداد حاضر في الضفة الغربية، وأن السلطة غير قادرة على احتواء "حماس" هناك، وبالتالي هي لا تستحق أن تتحول إلى دولة، ثم يسعى الكيان الصهيوني إلى شن عدوان على الضفة وغزة بحجة القضاء على المقاومة ووقف التهديدات الأمنية التي تواجهه.
    الملخص أن الكيان الصهيوني مأزوم ومهزوم ويعاني من متغيّرات داخلية وخارجية، وبالتالي هو وافق على عملية التبادل، استجابة لموقف جمهوره الذي يرحّب بإتمام صفقة مقابل شاليت، ومن أجل إراحة نفسه ولو بشكل مؤقت من الضغوط الداخلية، وحالياً قد يستفيد الكيان الصهيوني من كل فرصة يؤهله للتخريب في الشأن الداخلي الفلسطيني.
    وهذه المرة سيتعامل الكيان الصهيوني في ظل هذه الأوضاع، نقول إنه سيتعامل مع كل المعطيات بحذر، حتى في الشأن الفلسطيني، ستكون حريص على تقديم الذرائع التي تؤهله لارتكاب عدوانات لا تكلفه ندماً كبيراً أو مزيداً من الانتقادات.

    (المصدر: جريدة الأيام الفلسطينية، 22/10/2011)

     


    أضف تعليق



    تعليقات الفيسبوك

حسب التوقيت المحلي لمدينة القدس

حالة الطقس حسب مدينة القدس

استطلاع رأي

ما رأيك في تضامن الشارع الفلسطيني مع الاسرى في معركتهم الأخيرة في داخل سجن عوفر؟

43.5%

16.7%

35.2%

4.6%

أرشيف الإستطلاعات
من الذاكرة الفلسطينية

استشهاد الأسير المحرر محمد محمود حسين جودة من مخيم جباليا بغزة بسبب نوبة قلبية وكان الأسير قد أمضى 10 سنوات في السجون الصهيونية

29 مارس 2001

الاستشهادي أحمد نايف اخزيق من سرايا القدس يقتحم مستوطنة نيتساريم المحررة وسط القطاع فيقتل ويصيب عدداً من الجنود

29 مارس 2002

الاستشهاديان محمود النجار ومحمود المشهراوي يقتحمان كيبوتس "يد مردخاي" شمال القطاع فيقتلا ويصيبا عددا من الجنود الصهاينة

29 مارس 2003

قوات الاحتلال الصهيوني بقيادة شارون تبدأ باجتياح الضفة الغربية بما سمي عملية السور الواقي

29 مارس 2002

الاستشهادية آيات الأخرس تنفذ عملية استشهادية في محل تجاري في القدس الغربية وتقتل 6 صهاينة وتجرح 25 آخرين

29 مارس 2002

قوات الاحتلال الصهيوني تغتال محي الدين الشريف مهندس العمليات الاستشهادية في حركة حماس

29 مارس 1998

الأرشيف
القائمة البريدية