السبت 20 إبريل 2024 م -
  • :
  • :
  • ص

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

    قراءة في دلالات صفقة التبادل

    آخر تحديث: الإثنين، 00 00 0000 ، 00:00 ص

    بقلم: وحيد عبد المجيد

    خففت صفقة إطلاق الجندي الصهيوني الأسير )شاليت( Ù…قابل 1024 أسيراً فلسطينياً، التوتر في العلاقة بين تل أبيب وحركة "حماس" أكثر مما خلقت حقائق أو وقائع جديدة على الأرض. فقد أصبحت الأجواء في المثلث الفلسطيني الصهيوني المصري أفضل حالاً بدرجة أو بدرجات. ورغم أن أي تحسن في الأجواء لا يستمر طويلاً دون وقائع تتعلق بالتفاعلات الواقعية، تظل لتلك الصفقة أهميتها التي تتجاوز طابعها كعملية تبادل أتاحت تحرير بشر عانوا طويلاً مرارة الأسر وآلامه. فهي تثبت أن التوصل إلى تسويات أو حلول وسط لا يزال ممكنا رغم التشدد الصهيوني الذي أغلق كل باب فتح أو كاد خلال السنوات الثلاث الأخيرة بصفة خاصة.
    وقد بذلت مصر جهداً كبيراً في الشهرين الأخيرين من أجل هذه الصفقة، وساهم تحسن علاقاتها مع "حماس" مؤخراً في زيادة فرصة نجاح هذا الجهد. غير أن المتغير الأساسي الذي أتاح إنجاز الصفقة هذه المرة هو التحول الذي حدث في موقف الكيان الصهيوني عقب تولي يورام كوهين إدارة "جهاز الأمن الداخلي" )الشاباك( ÙˆØªØ®Ù„يه عن الشرط التعجيزي الذي أصر عليه سابقه يوفال ديسكن، وهو عدم الإفراج عن أي من الأسرى الذين يقول عنهم الصهاينة إن "أيديهم ملطخة بالدماء". كما شمل التغير في موقف "الشاباك" قبول إطلاق بعض من تعتبرهم الدولة العبرية "إسرائيليين" لأنهم يحملون جنسيتها بحكم إقامتهم داخل الخط الأخضر حيث مناطق 1948 أو في القدس الشرقية. وأبدت "حماس" مرونة في المقابل عندما وافقت على استثناء بعض أبرز القادة القابعين في الأسر، سواء من "كتائب عز الدين القسام" التابعة لها، مثل عبد الله البرغوثي، أو من حركة "فتح" مثل مروان البرغوثي، فضلاً عن الأمين العام Ù„"الجبهة الشعبية" أحمد سعدات.
    وهكذا أمكن تحريك المفاوضات التي كانت مجمدة حول الصفقة على نحو أتاح فرصة نجحت مصر في استثمارها عبر حوار بات ممكنا مع حركة "حماس". وتنطوي هذه الصفقة على دلالات عدة ذات صلة وثيقة بمغزاها الجوهري المتعلق بإمكان فتح باب الأمل في التسويات السياسية مجدداً بعد أن كان قد أغلق على مدى نحو ثلاث سنوات.
    والدلالة الأولى، هنا، هي إعادة تأكيد إحدى النتائج المهمة التي أسفرت عنها الحروب العربية الصهيونية الشاملة منذ 1948 وحتى 1973، وهي أنه ليس هناك حل عسكري نهائي لصراع شديد التعقيد، وأن العمل المسلح ليس سوى أداة واحدة من أدوات عدة، لكن الحل في النهاية يكون سلمياً. ولذلك، فليس هناك تعارض بين الإيمان بضرورة المقاومة وتثمين عملية اختطاف الجندي شاليت ومبادلته في النهاية بأكثر من ألف أسير فلسطيني، والاعتقاد بأنه ما كان لهذه العملية أن تثمر شيئاً دون التفاوض الذي حدث عبر الوسطاء المصريين وغيرهم.
    فقد حققت المقاومة نجاحاً مقدَّراً، وأثبت الكيان الصهيوني فشلاً واضحاً في الوصول إلى مكان احتجاز شاليت على مدى نحو 64 شهراً. والأرجح أنه ما كان لها أن تقدم تنازلاً مهماً في قضية كانت محورية لديها إلا بعد أن فقدت الأمل في إمكان كشف مكان جنديها وتوفير المعلومات الاستخباراتية الدقيقة اللازمة لاستعادته عبر عملية عسكرية.
    غير أنه يصعب، في الوقت نفسه، إغفال أهمية التحولات التي تحدث نتيجة تغير مدركات القادة ومواقفهم. فدون الموقف الذي تبناه مدير "الشاباك" الجديد والمساندة التي لقيها من بعض قادة أجهزة الأمن الصهيونية الأخرى، لما تمكن نتنياهو من اتخاذ القرار بإنجاز الصفقة رغم حاجته الشديدة إلى مثل هذا الإنجاز داخلياً وإقليمياً.
    ويقودنا ذلك إلى دلالة ثانية للصفقة لا يمكن تقليل أهميتها، وهي أن السياسة متغيرة دائما وأنه لا توجد مواقف مطلقة أو حتى نهائية. فنتنياهو، الذي تواجهه الآن ضغوط اجتماعية داخلية لا يستطيع تلبية المطالب المتعلقة بها كاملة، بات مضطراً لتحقيق ما يمكن أن يعتبر نجاحاً له في مجال آخر لتعويض عدم قدرته على الإنجاز الداخلي. وقد وجد في صفقة التبادل ما يتيح له الظهور أمام قطاع واسع من الرأي العام كزعيم ناجح. لذلك حرص على أن يظهر مع شاليت في أول صورة تُلتقط له لدى وصوله، رغم أن اللباقة تفرض أن تكون هذه الصورة مع والد الجندي العائد من الأسر. ولا يمكن في الوقت نفسه إغفال أهمية العزلة التي يشعر بها الكيان الصهيوني وحكومته بعد التغيير الذي بدأ في مصر وتداعيات "الربيع العربي" الأخرى، فضلا عن التدهور الشديد في علاقاتها مع تركيا.
    لذلك كان على الكيان الصهيوني أن يتخذ من صفقة التبادل معبراً جديداً إلى مصر ووسيلة لترميم العلاقات التي بدت مهددة في الشهرين الأخيرين بعد قتل جنود مصريين على الحدود معها، وتصاعد رد الفعل الغاضب على ذلك الحادث وصولا إلى اقتحام مدخل سفارتها في القاهرة. وإذا كان لهاتين الدلالتين جوانب إيجابية قد تساهم في إبقاء باب التسوية السلمية لقضية فلسطين موارباً، أو على الأقل عدم غلقه بشكل نهائي، فقد لا تكون الدلالة الثالثة كذلك من حيث أنها تدل على مدى سلبية السياسة الأميركية تجاه هذه القضية.
    فثمة شواهد تدل على أن إمكانات إنجاز الصفقة ازدادت عندما تحولت واشنطن من الحذر تجاهها إلى تشجيعها. فقد وقفت موقف الحذر تجاه هذه الصفقة من قبل تماهياً مع الموقف الغالب في الكيان الصهيوني لسبب أساسي هو القلق من أن تؤدي إلى تشجيع "حماس" وفصائل أخرى على السعي إلى أسر جنود آخرين لمبادلتهم. لكن حذر واشنطن كان مرتبطاً - وفق بعض الروايات - بحرصها أيضاً على عدم منح "حماس" أية ورقة تدعم مركزها على نحو قد يضعف موقف عباس والتيار الذي يسعى إلى حل تفاوضي.
    وقد تغير موقف واشنطن بعد أن يئس عباس من انتظار مفاوضات لا تأتي وقرر التوجه إلى الأمم المتحدة وقاوم الضغوط الأميركية لثنيه عن الذهاب إلى مجلس الأمن طلبا للاعتراف بالدولة. وإذ حدث ذلك لم يعد لدى واشنطن ما تخشاه من إتمام الصفقة بعد أن غضبت على عباس الذي لم بفعل أكثر من إعفاء إدارة أوباما من وعودها التي أخفقت في الوفاء بها. وعندما قبل الكيان الصهيوني الصفقة، لم يبق لدى واشنطن ما يدفعها للتحفظ على إتمامها. وهذه دلالة سلبية تفيد أن الدور الأميركي لا يزال بعيداً عن الحد الأدنى من متطلبات فتح الطريق أمام تسوية سلمية لقضية فلسطين. لكن الدلالتين الأخريين تفيدان بأن هذا الطريق قد لا يكون مغلقاً تماماً، حتى إذا ظلت إمكانات فتحه بعيدة المنال في المدى القصير.

    (المصدر: جريدة الأيام الفلسطينية، 28/10/2011، نقلا عن "الاتحاد" الظبيانية)

     


    أضف تعليق



    تعليقات الفيسبوك

حسب التوقيت المحلي لمدينة القدس

حالة الطقس حسب مدينة القدس

استطلاع رأي

ما رأيك في تضامن الشارع الفلسطيني مع الاسرى في معركتهم الأخيرة في داخل سجن عوفر؟

43.5%

16.7%

35.2%

4.6%

أرشيف الإستطلاعات
من الذاكرة الفلسطينية

استشهاد المجاهد زكريا الشوربجي من الجهاد الإسلامي بعد اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال، يذكر أن الشهيد أمضى ما يزيد عن 10 سنوات في سجون الاحتلال

20 إبريل 1993

الهيئة التنفيذية للحركة الصهيونية تنتخب الإرهابي ديفيد بن غوريون رئيساً لها ومديراً للدفاع، وتعتبر نفسها وريثة لحكومة الانتداب الصهيوني

20 إبريل 1948

الأرشيف
القائمة البريدية