الخميس 25 إبريل 2024 م -
  • :
  • :
  • م

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

    وقف على قبر والديه وأخذ ينادي أبي.. أمي، لقد عدت من السجن

    آخر تحديث: الإثنين، 00 00 0000 ، 00:00 ص

     

    بقلم: عيسى قراقع

    وصل الساعة الثالثة فجرا إلى مخيم الفوار، حيث تم الإفراج عن الدفعة الثانية من صفقة التبادل في وقت متأخر من الليل عمدا، لم يذهب إلى البيت بل إلى المقبرة، وقف فوق ضريح والديه وأخذ ينادي باكيا: أبي، أمي، لقد عدت من السجن، تدلى القمر في تلك  لليلة وبكى نورا، واجتمعت السحابات وقررت أن  يكون هذا الصباح مطرا أحمر الماء. صوت ينادي ببحة قفزت من ستة أعوام قضاها في السجن، أطلق الظلمة من صدره وسخونة الحنين إلى البيت والهواء وحضن الأم الدافئ وطلة الأب وهو يستقبل المهنئين، صوته المدوي في ساحة المقبرة دق أجواء الفراغ الذي احتل المنزل وفناء الدار ولا أحد سواه في هذا الصمت الجنائزي الثقيل. الأسير نعمان أبو ربيع يبحث عن والديه اللذين توفيا في أقل من عام من الإفراج عنه، لم ينتظر الموت قليلا، لم يبق على احد منهما، رحلا حسرة وقهرا ومرضا وانتظارا وانفجرا في الغياب، صراخه المشحون أيقظ الأموات، تحركت الشواهد، فتحت القبور، فالموت يسمع، والموت يئن تحت التراب. الأسير نعمان لم يجد أحدا يزغرد في حوش البيت، لا نسوة يهنئن أمه المريضة والكفيفة الصابرة، وهي التي قالت: سأرى الدنيا عندما أرى أولادي، سأحضنهم في حضني حتى تسيل السماء حليبا، وأحميهم بضلوعي حتى ينسحب الخوف والبرد والظلمة من عيني. أفرج عن نعمان وبقي شقيقه صلاح الدين في السجن، يدٌ واحدة أطلقت وأخرى ظلت مقيدة، برش فارغ وآخر ممتلئ، سجون تطفح بالبشر المحاطين بآلاف الجنود المتربصين ببنادقهم فوق أبراج سجن النقب، أسرى يعالجون حاجياتهم الإنسانية بالغناء وليس بالبكاء، لهم أسئلتهم المركبة وغرائزهم التي لقحت الليل والصحراء بما يفوق المعجزات. كان لأمه في قلبه متسع، أمدته بالصبر والمعنويات في الظلمات، وكانت تقول لكل الناس: انتظر رجالا لن يتأخروا عن مواعيدهم، سيرافقونني إلى البئر وآخر الحلم، فالحياة مع الأمل ممكنة، والحياة ليست أكثر من لقاء وردي تقع في المسافة بين الدنيا والآخرة. الكل يعرف أم خالد والدة الأسيرين نعمان وصلاح، المرأة المعتكفة ودائما أمام مقر الصليب الأحمر كالمسيح، تسابق القيامة كي يقوم الأسرى من عذاباتهم، وتقوم هي كزهرة عباد الشمس، توقظ الليل على إيقاع العائدين من الفجر ليلا على تقلب الفصول وصحة وجع التراب في القلب. عندما زرت بيتهم في مخيم الفوار وجدت أم خالد قد هدّها التعب، فقدت النظر وأصيبت بالشلل، لم تستطع زيارة ولديها، تعيش بحاستها العاشرة تحدق في السماء، وبعد وفاتها زرت زوجها أبو خالد، فوجدته صامتا يتصرف كفاقد لكل شيء، وبعد شهر توفي هو الآخر فعدت إلى البيت، فلم أجد سوى شبحا يدمر مفاصل الكون. السجن والموت لا يفصلهما سوى حلم يصعد وآخر يتعثر وما بينهما رواية شعب لازال على الصليب مؤمنا أن  الموت تليه الحياة، يتجدد هذا الشعب ويقشر لحمه بين الجنازات والأعراس، يرسل أرواحه لتضيء شجرة الميلاد تارة، ويعلن صلاة الجماعة فوق جبل الطور تارة أخرى، ويستمر النداء. ينادي على والديه ثم ينادي، فجر يفوح برائحة الخبز، يستيقظ الحالمون ويمشون في ماء أحلامهم صوب الصوت، ويقولون له: كفى، لن تجد والديك في انتظارك، فالزمن أخذهما قبل نشيد الختام، ولكنهما الآن يحلقان في سمائك، وكل ما تحت الأرض وما
    فوقها يجري في ند دائك. الأمهات الأمهات، الآباء الآباء، المحمولون في الباصات إلى السجون والمعسكرات، العائدون من السجون إلى الموت والحسرات، المحشورون بين الوضوح والغموض، المقتولون على سيف الأمنيات، عند السياج يخبئون أقدارهم في الكلمات، وبعد الجدار يرحلون في شبق الذكريات.

    (المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 8/1/2012)

     


    أضف تعليق



    تعليقات الفيسبوك

حسب التوقيت المحلي لمدينة القدس

حالة الطقس حسب مدينة القدس

استطلاع رأي

ما رأيك في تضامن الشارع الفلسطيني مع الاسرى في معركتهم الأخيرة في داخل سجن عوفر؟

43.5%

16.7%

35.2%

4.6%

أرشيف الإستطلاعات
من الذاكرة الفلسطينية

استشهاد الأسير معزوز دلال في مستشفى آساف هروفيه الصهيوني نتيجة سياسة الإهمال الطبي المتعمد

25 إبريل 1995

استشهاد الأسير عبد الصمد سلمان حريزات بعد اعتقاله بثلاثة أيام نتيجة التعذيب والشهيد من سكان بلدة يطا قضاء الخليل

25 إبريل 1995

قوات الاحتلال ترتكب عدة مجازر في الغبية التحتا، الغبية الفوقا، قنير، ياجور قضاء حيفا، وساقية يافا

25 إبريل 1948

العصابات الصهيونية ترتكب المجزرة الثانية في قرية بلد الشيخ قضاء مدينة حيفا

25 إبريل 1948

الأرشيف
القائمة البريدية