الخميس 25 إبريل 2024 م -
  • :
  • :
  • م

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

    خضر عدنان.. ومعارك ذخيرتها الجسد

    آخر تحديث: الإثنين، 00 00 0000 ، 00:00 ص

    بقلم: أهداف سويف
    أكتب هذا ونحن في انتظار انتصار الجوع على الظلم، وفي انتظار رؤية أثر التضامن الشعبي بالرغم من صمت الحكومات  في انتظار الإفراج عن خضر عدنان، الفلسطيني الأسير في مستشفى الرملة، والذي أضرب عن الطعام سبعة وستين يوما. خضر عدنان يعمل خبّازا في بلدته، عرابة، بالقرب من جنين فى الأراضي الفلسطينية المحتلة. عمره ٣٤ سنة. له بنتان وزوجة حامل. خبّاز في عرابة، ويبيع الزعتر في سوق قباطية، ويعمل على الماجستير في الاقتصاد من جامعة بيرزيت. وضعته السلطات العسكرية الصهيونية في الاعتقال الإداري تسع مرات منذ كان طالبا في التاسعة عشرة من عمره، وهذا على خلفية انتمائه Ù„"الجهاد الإسلامي "  بالرغم من أن عمله في التنظيم كان مقتصرا على تمثيل التنظيم، وتنسيق لجنة التواصل والإصلاح. لم يستطع الصهاينة على مدى ١٥ سنة Ùˆ Ù© قبضات أن يثبتوا أي تهمة عليه، فلجأوا إلى "الاعتقال الإداري "ØŒ وهو إجراء عسكري تستعمله السلطات لتوقيف وحبس الفلسطينيين بدون محاكمة، فبين الأربعة آلاف وأربعمائة وسبعة عشر سجينا المحبوسين حاليا في السجون الصهيونية هناك ثلاثمائة وعشرة معتقلين إداريا.
    آلية الاعتقال الإداري ورثتها بلادنا عن المستعمر  وفي فلسطين ومصر عن المستعمر البريطاني على وجه التحديد.
    كان في قلب المشروع الاستعماري الغربي، وفي صميم إصرار المستعمِر على أنه يُفيد وينَمّي الشعوب التي يستعمرها، قناعته بأن هذه الشعوب وكانت في معظمها شعوب الجنوب القديمة  تعيش بالعواطف والروحانيات، وتفتقر إلى العقلانية. وكانت قناعته هذه تستند  في جانب كبير منها  إلى ملاحظته )ملاحظة مستكشفيه ورحالته وتجاره ومبشريه (أن هذه الشعوب، لديها إحساس عالٍ بالطبيعة، إلا أنها لا تنظر إلى هذه الطبيعة بوصفها  في المقام الأول  مجموعة موارد يمكن استغلالها؛ أي أنها لا تنظر إليها بنظرة عقلانية. وجاء الأوروبي يعلم شعوب الجنوب كيف تستغل الطبيعة. وللحديث في هذا، وما أوصلنا إليه، مقام آخر. ما أذهب إليه هنا هو أن الإنسان نفسه، كان بالطبع جزءا من الطبيعة المطلوب استغلالها.
    وفي نظم الاستعمار التقليدية، يحتاج المستعمِر إلى أهل البلاد ليستغلهم كمنتجين للثروة والخدمات، وأيضا كسوق استهلاكية.
    في فلسطين، بعد الانتفاضة الثانية )عام ٢٠٠٠ (عمد الكيان الصهيوني إلى الاستغناء عن الفلسطينيين كعمالة مستغَلة، فاستوردت العمالة من الخارج، وأصبحت تستعمل الفلسطينيين فقط كسوق، محاصَرة لمنتجاتها، ونشطت وابتكرت في سياسات لا توصَف إلا بالتهجيرية  وأظهرت نواياها الأصيلة الثابتة؛ فالصهيونية، منذ أن وضعت عينها على هذه البقعة من الأرض في نهايات القرن التاسع عشر، تريد الأرض ولا تريد أهلها.
    وقد بدا للمصريين في العقد الأخير أن النظام في مصر أيضا وصل إلى أنه لم يعد بحاجة كبيرة للمصريين إلا من باب وضع يده في جيوبهم ونشلهم من حين لآخر، فهو لا يهدف إلى بناء صناعة ينافس بها خارج البلاد، ولا إلى تطوير سياحة تخلق أرضية مشتركة مع من يزورونا، ولا إلى كشوفات علمية في أي من المجالات التي ينصب عليها اهتمام العالم اليوم  والتي يفترض أن جغرافية مصر تؤهلها لدور مهم في البحث فيها  كالمياه والطاقة البديلة، ولا إلى ريادة إقليمية أو عربية؛ هو بالأساس يهدف إلى تفكيك البلد وبيعها قطعة قطعة من أرضها لنيلها لمصانعها لآثارها. ومن هنا كان الشعب في الحقيقة عائقا أمام مشروعات الدولة، ورأينا فعلا البدء في استجلاب العمالة الأجنبية من عمالة زراعية آسيوية في منطقة القنال إلى موظفي سياحة وخدمات من أوروبا إلى مستشارين وحراسات من الولايات المتحدة. وأكثر من نكتة شاعت في سنوات مبارك الأخيرة كانت ترمى إلى رغبة النظام في تطفيش أو تغيير الشعب. ومن أعجب ما ذكره الأستاذ هيكل في حلقاته الأخيرة في هذه الجريدة استنكار مبارك لفكرة التوريث على أساس أنه لا يحب أن يورِّث ابنه خرابة.
    استفاق الشعب المصري، وأضاءت له تونس أملا، فنزل إلى الشوارع بثورة يثبت حقه في بلاده في الحياة فيها، وفى إدارتها لمصلحته، وبما يحقق له العيش والحرية والعدالة الاجتماعية وعن طريقها: الكرامة الإنسانية. وقابل النظام هذه الثورة بالقتل ، فقتل ألف وأربعمائة مواطن مصري؛ أي نحو نفس عدد الفلسطينيين الذين قتلهم الاحتلال في عدوانها على غزة في كانون الأول ٢٠٠٨ .
    ما الذي يملكه الإنسان، الذي يصر على السعي نحو حياة كريمة، في ظل نظام لا يرى فيه أي قيمة سوى ربما استغلالية أو استهلاكية؟ النظام لا يرى غير هذا لأن بقاءه يعتمد على هذه الرؤية. والإنسان الرافض، الثائر، لا يستطيع بالمثل أن يتخلى عن رؤيته لنفسه كإنسان ويقنع بحياة غير كريمة. ما الذي يملكه الرافض، الثائر، الراغب في حياة أفضل وأكرم والذي لا يرغب في ممارسة العنف؟ يلجأ إلى القانون. ويلجأ إلى الكلمة، إلى النقاش والمحاججة، والنشر والحث والحشد. وإن وجد كل هذا بلا طائل؟ صارت أداته الوحيدة هي جسده. فينزل الثوار إلى الأماكن العامة ويضعون أجسادهم في مواجهة النظام. وهذا ما فعلناه ونفعله تكرارا في مصر. وهذا ما نفعله  بثمن أفدح  في سورية. وهذا ما نفعله في فلسطين والبحرين وغيرهما.
    وهناك أشكال أخرى  أشكال أكثر حدة  في توظيف الإنسان لجسده كأداة في معركته من أجل الحرية والكرامة؛ وفي هذه الأشكال يعرض الثائر جسده للأذى بإيجابية أكثر. وفى الأشهر الماضية تنقلت راية هذا الشكل من الاحتجاج بين بلدان منطقتنا، فمن محمد بوعزيزي وفعل إضرام النار في الجسد، إلى مايكل نبيل  الذى أجدني أختلف مع كل شيء في آرائه تقريبا سوى إصراره على حقه في التعبير عنها  إلى ليلى سويف والإضراب عن الطعام حتى تحويل اتهام ابنها علاء عبد الفتاح في قضية ماسبيرو إلى القضاء المدني، إلى خضر عدنان في سجنه، يهتف بعد أكثر من شهرين دون طعام "الإضراب مستمر!  حتى الحرية والعزة والكرامة! "  ويضرب الآن عن الطعام :مهدى غزالي  (إيران، ٤٦ يوما(ØŒ وعبد الهادى الخواجة  )البحرين،13 يوما(ØŒ وتاج السر جعفر )السودان، ١٠ أيام(ØŒ وعبد الإله حيدر )اليمن، Ù© أيام(.  كما بدأ عدد من الأسرى الفلسطينيين في سجون عوفر ومجيدو ونفحة وريمون إضرابا في أول شباط، وأعلنت أعداد أخرى دخولها في الإضراب في نهاية الأسبوع الحالي إن لم يتم الإفراج عن خضر عدنان.
    هذه الأفعال، أفعال المقاومة الجسدية، المعبرة عن الإصرار على ممارسة الحرية، هي في الأساس، محاولة خيرة للتواصل؛ فهي تحمل رسالة لقوى القهر، ورسالة رفاق الطريق، ورسالة للواقف في وضع المشاهدة. منذ ستة أيام كتب الدكتور هدى غزالي، إلى زوجته، من عنبر ٣٥٠ بسجن إيفين فى إيران: من الصعب أن  تشهد دموع زوجتك وأبنائك، وذلك الألم الذي فرضته أنت عليهم بقرارك  لكن هذا الحب وهذه الدموع لا يجب أن تتحول إلى قيود وأثقال. حبيبتي، لنبك معا إذن، فهذه الدموع التي نبكيها اليوم هي الطوفان الذي يقتلع الظلم والاستبداد. وفي الرسالة الأخيرة التي أرسلها خضر عدنان مع محاميه إلى كل من يساندونه قال: أجوع لكي تبقوا … أموت لكي تحيوا … فابقوا مع الثورة ..

    أي ثورة؟
    ثوراتنا كلها، فهي في الجوهر ثورة واحدة: القضية واحدة في مصر وفي سورية وفي البحرين وفي فلسطين: إصرار الإنسان على أن يعيش حياة حرة كريمة  حياة يسود فيها القانون، فيتساوى الكل أمامه، ويكون لكلمة الحق فيها قيمة؛ ثورة تنشد الحرية والعدالة والكرامة لنا جميعا  لنا كمصر، كعرب، كشعوب الجنوب، كشعوب الأرض.
     ÙˆÙƒØ§Ù† من المفترض أن مصر الثورة ستكون سندا لكل من يقوم طالبا هذه القيم، ففرحنا لتصالح الفلسطينيين على يد خارجية الدكتور نبيل العربي، ولبدء إجراءات فك الحصار عن شقيقاتنا وأشقائنا في غزة  ثم خبا هذا الضوء حين استشعرنا حقيقة وضعنا في ظل حكم المجلس العسكري وحكوماته المتعاقبة. فماذا قدمت مصر في موضوع خضر عدنان؟ مصر التي تفاوضت ففكت أسر جلعاد شاليت، وكان جنديا جاء لقتل الغير فأسروه  ماذا قدمنا؟ فتوى من شيخ بالأزهر بأن إضراب خضر عدنان عن الطعام حرام شرعا، صدتها السيدة رندة، زوجة المناضل، صدا باهرا حين ردت" لا يفتى قاعد لمجاهد ."
    مسؤولية مصر أردنا أم لم نرد هي نحو المنطقة كلها )وأكاد أقول نحو العالم كله(. كما الحال في مصر سيكون الحال في المنطقة. والكل له مصلحة في منطقتنا. هذا هو السر في ضخ الأموال، وتوافد اللجان، وتكاثر المشروعات المؤتمرات والمؤامرات. مسؤولية مصر مسؤولية تاريخية، أخلاقية، كونية.
    أما من يريد التخلي عن هذه المسؤولية فعليه أن يخلع عن مصر تاريخها وجغرافيتها وشعبها  يخلع عنها مصريتها. ولن أشتبك مع أصحاب «Ù…صر أولا، فإن كانت مصر حقيقة لشعبها؛ تدار برؤيته ولمصلحته، فهي ستكون لأصدقائها ولجيرانها ولخير العالم.
    واليوم عن خضر عدنان: توصيلا لرسالته للثوار كلهم، ولسلطات القمع كافة، أقول للسيدة رندة: لن نقعد. نتابع الأخبار وننتظر أن يطلق سراح أبو أولادك في ساعات، فإن لم يكن، فنحن متضامنون. وسواء كان أم لم يكن فسنظل على طريق ثورتنا.

    (المصدر: صحيفة الأيام الفلسطينية، 23/2/2012)


    أضف تعليق



    تعليقات الفيسبوك

حسب التوقيت المحلي لمدينة القدس

حالة الطقس حسب مدينة القدس

استطلاع رأي

ما رأيك في تضامن الشارع الفلسطيني مع الاسرى في معركتهم الأخيرة في داخل سجن عوفر؟

43.5%

16.7%

35.2%

4.6%

أرشيف الإستطلاعات
من الذاكرة الفلسطينية

استشهاد الأسير معزوز دلال في مستشفى آساف هروفيه الصهيوني نتيجة سياسة الإهمال الطبي المتعمد

25 إبريل 1995

استشهاد الأسير عبد الصمد سلمان حريزات بعد اعتقاله بثلاثة أيام نتيجة التعذيب والشهيد من سكان بلدة يطا قضاء الخليل

25 إبريل 1995

قوات الاحتلال ترتكب عدة مجازر في الغبية التحتا، الغبية الفوقا، قنير، ياجور قضاء حيفا، وساقية يافا

25 إبريل 1948

العصابات الصهيونية ترتكب المجزرة الثانية في قرية بلد الشيخ قضاء مدينة حيفا

25 إبريل 1948

الأرشيف
القائمة البريدية