الثلاثاء 23 إبريل 2024 م -
  • :
  • :
  • ص

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

    طعم مختلف للشهادة

    آخر تحديث: الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012 ، 00:00 ص

    بقلم/ أمجد عرار

    "ذكرى الأربعين" مناسبة احتفالية، أو فلنقل مناسبة إحيائية عندما يكون للاحتفال معنى الفرح، وللإحياء معنى الاستذكار للفرح أو الحزن في تداخل وتزامن عجيبين لا يعرفهما إلا من ابتلي باحتلال عنصري لا مكان للرحمة لديه.
    هكذا هي عند العرب الذين يسميها بعضهم"أربعينية"، وهكذا هي لدى كثيرين غيرهم، لكن بعض العرب يشهدون حالات إحياء أكثر كثيرًا مما يشهدون مظاهر احتفال، بالنظر إلى علاقتهم من قريب أو بعيد بالصراع العربي الصهيوني ومآسيه التي بدأت بالنكبة، ولن تنتهي عند نكبة لكل عائلة أو لكل فرد فيها.
    تكاد المآسي تقترب من أن تكون بعدد أبناء الشعب الفلسطيني ومعه كثير من أبناء الشعب العربي. إذا كان في أسرة شاب مطلوب للاحتلال؛ فأمه وأبوه وكل إخوته وأخواته عرضة للتنكيل على سبيل الانتقام الجماعي. وفي كل عملية دهم للمنزل يتركونه مثل الوضع العربي تمامًا، مخلوطًا حابله بنابله، الزيت على الماء، والعدس على "الكاز"، والطحين على السكر، والملح على الجرح.
    كان المفترض أن تكون أربعينية إيهاب الزعانين احتفالًا بمرور أربعين يومًا على زفافه، لكن الزفاف عند أبناء غزة له طعم مختلف، أو معنى مركّب لأشكال الفرح المشوب بالحذر والترقّب؛ فهو لا يقتصر على كون الابن والبنت قد أصبحا شابًّا وصبية، وبالتالي سيتأهلان ويفتحان بيتًا، هذا عند الآخرين الذين يحتفلون أيضًا بزواج الكلاب والقطط والسعادين، لكن في غزة يحتفلون بالابن لأنه نجا من أكثر الظواهر انتشارًا واحتمالًا لدى الفلسطينيين، ألا وهو الموت.
    إيهاب الزعانين الذي حمله أقرباؤه وأصدقاؤه على أكتافهم عروسًا قبل أربعين يومًا، وكانوا يستعدون إلى الاحتفال بذكرى مرور أربعين يومًا على زواجه، وجدوا أنفسهم يحملونه على الأكتاف من جديد في أربعينية زفافه، لكن شهيدًا.
    معظم الفلسطينيين  -وخاصة في غزة-  Ù„ا وقت للشاب المتزوج للتو أن يجلس في البيت طويلًا مثل عرائس بقية خلق الله، لا يفكّر في شهر عسل ما دام منزله - إن كان له منزل - خاليًا من الخبز والبصل. ليس غريبًا إذًا أن يخرج إيهاب في ذكرى أربعينيته برفقة شقيقه وصديقهما، كعادتهم يوميًّا، للبحث عن لقمة العيش. لكن اللقمة وحدها ليست ضمانة لعيش الفلسطيني والعربي، فالاحتلال يتربّص بهما وبحقهما في الحياة حتى تحت نيره البغيض، وهو الاحتلال الأشد استسهالًا للقتل والتدمير، والأكثر"إبداعًا" في فنون الجريمة، ومثلما وظّف الطائرة
    المخصصة لقصف الدبابات والتحصينات والقواعد العسكرية في قصف كرسي متحرّك لإنسان مقعد، وظّف المدفعية المصنوعة لدك الحصون والقلاع في دك الأجساد المجرّدة من أي حديد، حتى حديد السبانخ.
    قضى الأخوان الزعانين شهيدين على الفور، وسقط قريبهما طارق جريحًا، لكن الاحتلال الذي لا يروق له أن يرى جريحًا لأنه قد يعود إلى الحياة منع طواقم الإسعاف من الوصول إليه، فالتحق بقريبيه شهيدًا بعدما تمكن من الاتصال بأسرته. والدة الشهيدين لم تستطع إخفاء حزنها الإنساني الذي جرّبته بفقدان شهيد قبلهما، وباتت والدة ثلاثة شهداء وتتساءل بمرارة: "هل نحن نربي أبناءنا للموت؟!"، ولا تتورّع عن التأكيد أنها جاهزة للقتال ضد الاحتلال، إذ لا تعرف أم طعمًا للحياة بعد استشهاد ثلاثة من أبنائها، لكنها رغم الحزن والألم تقول إنها مستعدة لتقديم أبنائها الأربعة الباقين شهداء.

    ربما ليس من قبيل المصادفة أن ردد الفلسطينيون للعروس والشهيد الأغنية نفسها: "سبّل عيونه ومد إيده يحنّونه .. غزال صغيّر وكل أهله يحبونه"، ولهذا كذلك أنشد محمود درويش: ."..وأنا والموت وجهان.. تعالي ننتمي للمجزرة". وها هي غزة تنشد من الآن: "أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها.. وعاد مستشهدًا.. فبكت دمعتين ووردة.. ولم تنزوِ في ثياب الحداد".

    (المصدر: صحيفة فلسطين، 9/9/2012)


    أضف تعليق



    تعليقات الفيسبوك

حسب التوقيت المحلي لمدينة القدس

حالة الطقس حسب مدينة القدس

استطلاع رأي

ما رأيك في تضامن الشارع الفلسطيني مع الاسرى في معركتهم الأخيرة في داخل سجن عوفر؟

43.5%

16.7%

35.2%

4.6%

أرشيف الإستطلاعات
من الذاكرة الفلسطينية

استشهاد الأسير المحرر محمود فايز الريخاوي من رفح خلال إعداده لعبوة ناسفة

23 إبريل 2000

استشهاد الأسير المحرر محمد سلمان أبو إعتيق بسبب مرض القلب ويذكر أن الشهيد أمضى أكثر من 15 عاماً في سجون الاحتلال وأطلق سراحه ضمن صفقة التبادل عام85 والشهيد من مخيم النصيرات

23 إبريل 2000

الوفود العربية في اجتماع عمان تقرر دخول الجيوش العربية النظامية لفلسطين حال انتهاء الانتداب البريطاني

23 إبريل 1948

القوات الصهيونية تسيطر على العديد من القرى المحيطة بمدينة القدس

23 إبريل 1948

الأرشيف
القائمة البريدية