الخميس 28 مارس 2024 م -
  • :
  • :
  • م

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

    صاروخٌ غادرٌ.. شرَّد عائلة حجازي وقتل الأب وطفله!

    آخر تحديث: الأحد، 02 ديسمبر 2012 ، 00:00 ص

    في ليلة يومٍ مظلمٍ على غير عادة كانت الطائرات الصهيونية قد غطت إشراقة شمس النهار، وجعلت الليل حالك الظلام لا يحتمل.. بين أربعة جدران متماسكة بصعوبة، في بيت كان أمنا مع أنه لا يتجاوز 120 متراً ويعلوه سقف من (الإسبست).. كان أربعةُ أبناءٍ يتبادلون أطراف الحديث مع والدتهم، ويمارسون حقهم في العيش.
    الأب كان يمتثل لأمر الله بالصلاة والدعاء ألا تصب تلك الطائرات حقدها على أطفاله، لاسيما طفليه التوأم مصعب وصهيب، إذ لم يبلغوا من العمر ما يجعلهم هدفاً لصواريخ الاحتلال.. لا يملكون من العمر سوى عامين، كانت العائلة مكونة من تسعةِ أفرادٍ.. قبل أن تصبح سبعة فيما بعد، بفاجعةٍ لم تكن من اختيارهم.
    انشغل أفراد العائلة في ليلة ذلك اليوم بممارسة الحياة، كباقي البشر.. مصطفى الابن الأكبر عمره 19 عاماً.. هو لم يكن كذلك قبل أن يرث لقب الابن الأكبر من أخيه محمد الذي استشهد قبل أربعة أعوام، يبدو عليه شغفه في العمل بمجال تصليح السيارات، لكنه يريد إكمال تعليمه الثانوي جنباً إلى جنب مع تحقيق تطلعاته المهنية.
    إلى جانبه كانت تجلس زهرة العائلة "سندس" ذات التسعة أعوام، هي ترغب في إكمال دراستها حتى تصبح معلمةً في المستقبل الذي تريده أن يكون مشرقاً، وليس بعيداً عنهم كانت أختهم الكبرى نور ذات العشرين عاماً تراقب عن كثب عبر التلفاز ما ستؤول إليه الأوضاع في ظل عملية "عامود الغيمة" التي كان الاحتلال قد أطلقها منذ أيامٍ، ليقطف رؤوس الأبرياء.
    أما أشرف فهو لا يملك من الحياة سوى 17 عاماً ينتظر أن يضيف إليها من الأعوام ما يؤهله للعمل في تصليح السيارات إلى جانب أخيه، وأسامة هو الابن الأصغر بعد التوأم مصعب وصهيب لأن أمه أنجبته قبلهما وعمره 11 عاماً ليس إلا..
    تلك الجلسةُ العائلية كانت قبل أن تدق الساعة السابعة وخمس وعشرون دقيقة بالتمام والكمال.. كان جميعهم مقتنعا بأنه قد يكون هدفاً ضمن بنك الاحتلال، كونه من البشر، والاحتلال يستهدف كل شيء، البشر والحجر والشجر.. لكنهم لم يتوقعوا أن يكون قدرهم أن يُيتموا أو أن تطير أمهم بعيداً إلى مدينة العريش المصرية غير مدركة لما يدور حولها، أو أن يصبحوا في غربة داخل وطنهم !
    صاروخٌ واحد من طائرة كانت تتنزه في السماء، فجر بيتهم، لا لشيء.. فقط لأنهم يعيشون شمال بيت لاهيا في قطاع غزة الذي يبغضه الاحتلال ويتمنى زواله.. الجميع أصابته الصدمة، لكنه لم يستطع التعبير عنها، إما لأنه أصبح في حفرةٍ عميقة داخل الأرض، أو لأنه أغمي عليه.
    تحول البيت الذي كان آمنا إلى بركة دماء.. انهار المنزل.. لم يعد له سقف، الحائط من جهاته الأربعة قد أصبح ركاماً.. ما عادت الدراجة الصغيرة التي كان مصعب ذو العامين يتجول بها بين غرف منزله الضيق صالحة للركوب.. انقطع الحديث.. لم يعد بديل عنه سوى الصراخ.
    هرع الجيرانُ يبحثون عن المكان الذي غدر به الاحتلال.. إنه منزل عائلة فؤاد حجازي.. جاره هشام سالم لم يكن يتوقع أن يستهدفه الاحتلال.. إنه يعمل آذناً في مدرسة.. - لماذا تم قصفه؟ تساءل في نفسه.. استدرك ما يحدث مهرولاً يبحث عن أحد أفراد العائلة علّه يكون حياً !
    وصلت سيارات الإسعاف والهلال الأحمر وأمة لا إله إلا الله.. لكنهم لم يستطيعوا إعادة الأب الذي كان ساجداً إلى الحياة من حفرة عمقها متر ونصف تحت الأرض.. أو أن يعيدوا طفولة صهيب التي سلبها الموت المحقق، كما أن "تهجير" نور إلى مستشفى كمال عدوان وأمهم إلى مستشفى آخر في مدينة العريش المصرية قسراً، كان حتمياً وخارجاً عن إرادة الجميع.. كيف لا وقد أصيبت نور بكسور في الظهر، والوالدة في حالة حرجة؟.
    ذلك اليوم الذي صادف الاثنين 19 نوفمبر كان خامس أيام عملية "عامود الغيمة" ضد قطاع غزة.. قد ذهب إلى حاله بالنسبة لنا جمعياً.. لكنه باقٍ بآثاره وهمومه.. مصطفى وأشرف لديهما الآن مثل باقي البشر عينان اثنتان لكل منهما، لكن ما يختلف أن الصاروخ الغادر شوّه جمالهما.. أصبح وجهاهما تماماً كحمرة الطماطم..
    أسامة الآن يضع على رأسه "اسفنجة" تشير إلى فجوة أحدثها الصاروخ في دماغه.. هو لم يكن يطلق الصواريخ على الاحتلال.. لكن الصاروخ هو الذي لم يفرق بين المدنيين والأبرياء.. سلب طفولته وحرمه أمه وأباه..
    صهيب لحق بأبيه إلى العلا.. كلاهما كان بريئاً.. الأب يصلي وصهيب يلعب، ربما كان ينتظر أن تعد له أمه وجبته الخاصة أو أن تجلب له الحليب الخاص به.. حتى وإن كان كذلك.. لم يعد الآن قادراً على تناول وجبته أو شرب حليبه..
    مصعب الذي نجا من القصف لا يفهم ماذا حدث لعائلته.. ربما ذات الحال بالنسبة لسندس وأسامة اللذين نجيا أيضاً.. لكن أشرف ومصطفى قد أصبح الآن لديهما خيارٌ جديد.. يتمنيان الالتحاق بكتائب الشهيد عز الدين القسام.. ليثأرا لأبيهما.. هم يدعوان المقاومة الفلسطينية أن تفعل ما بوسعها لضرب الاحتلال في العمق.
    هشام سالم لا يغادر أطلال منزل عائلة حجازي.. يستقبل الصحفيين.. لديه استعداد كامل للإجابة على أي سؤال أو استفسار.. يريد أن يفعل ما بوسعه كي يحفظ عهدا بينه وبين جاره فؤاد أن يظل له وفياً حتى النهاية.
    يقول سالم تعليقاً على ما حدث: "كنت أصلي العشاء في المسجد وقتها، لأني لم أتمكن من أداء الصلاة في وقتها بسبب القصف العنيف من قبل طائرات الاحتلال.. وبعد أن تمكنت من العودة سمعتُ صوتاً عنيفاً، كان صاروخاً أزال بيت جاري فؤاد بالكامل".

    عماد أبو الجديان هو الأخر جار فؤاد ويريد أن يدلي بشهادته.. يؤكد أن الاحتلال لم ينذر أحداً في الحي الذي يقع فيه منزل عائلة حجازي قبل عملية القصف، لكنهم أزالوا المنزل من جذوره، يقول: "هرعنا إلى المكان نبحث عن الأطفال بين الركام.. جيراننا بسطاء ليس لهم علاقة بأي عمل عسكري".
    يعيش مصطفى وأشرف الآن برفقة أسامة ومصعب وأختهم سندس في منزل خالهم محمود غراب الذي يقول إنهم ينامون في غرفة الضيافة.. هو ينتظر لعل أختهم وأمهم التي يؤكد الأطباء أنها في حالة حرجة أن تعود.. أمله معقود أن تتحسن، علها تلم شمل العائلة.
    الخال محمود يطالب السلطة الفلسطينية برام الله أن توظف مصطفى بدلاً من أبيه كآذن لمدرسة، كي يتمكن من الإنفاق على إخوته وأمه.. هو يخشى أن تقوم الجهات المختصة بقطع الراتب..

    سيعمل الإخوة جميعا على الانتقال إلى معسكر جبالياً، واستئجار منزل صغير يلم شملهم مؤقتاً ريثما يحدد القدر مصير والدتهم وأختهم.. لكن هدفهم الأكبر- رغم إدراكهم أن والدهم فؤاد لن يعود وأن صهيب ذا العامين لن يتمكن من اللعب والتجول على دراجته في المنزل مجددا - هو بناء منزلهم شمال بيت لاهيا.. يريد كل منهم أن يعود لممارسة العيش.. هم ينادون بحقهم.. أن يتمكنوا من إعادة الحياة إلى بيتهم الذي كان آمنا.. إلى بيتهم السليب!

    (المصدر: صحيفة فلسطين، 27/11/2012)


    أضف تعليق



    تعليقات الفيسبوك

حسب التوقيت المحلي لمدينة القدس

حالة الطقس حسب مدينة القدس

استطلاع رأي

ما رأيك في تضامن الشارع الفلسطيني مع الاسرى في معركتهم الأخيرة في داخل سجن عوفر؟

43.5%

16.7%

35.2%

4.6%

أرشيف الإستطلاعات
من الذاكرة الفلسطينية

استشهاد سامر صبحي فريحات من سرايا القدس خلال كمين نصبته قوات صهيونية خاصة ببلدة اليامون شمال جنين

28 مارس 2006

اغتيال ستة أسرى محررين في مخيم جباليا بكمين صهيوني والشهداء هم: أحمد سالم أبو إبطيحان، عبد الحكيم شمالي، جمال عبد النبي، أنور المقوسي، مجدي عبيد، ناهض عودة

28 مارس 1994

اغتيال المناضل وديع حداد  وأشيع أنه توفي بمرض سرطان الدم ولكن دولة الاحتلال اعترفت بمسئوليتها عن اغتياله بالسم بعد 28 عاماً

28 مارس 1978

قوات الاحتلال بقيادة شارون ترتكب مجزرة في قرية نحالين قضاء بيت لحم، سقط ضحيتها 13 شهيداً

28 مارس 1948

الأرشيف
القائمة البريدية