الخميس 25 إبريل 2024 م -
  • :
  • :
  • م

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

    سحور رمضان يبكي ضحكات مهند الحلبي

    آخر تحديث: الثلاثاء، 07 يونيه 2016 ، 2:21 م

    جالسة في أمان الله، ومنشغلة بعمل ما، ولكنها على حين غرة لا تجد نفسها إلا وهي تقفز فزعًا، فقط لأن مهند "هفّ" على باله أن "ينقزها" ويرعبها قليلًا، وبعدها يضحك كثيرًا بعد أن تكتشف مقلبه، هكذا كانت علاقة الشهيد مهند الحلبي بوالدته، لم تكن جدية وصارمة وقاسية، بل كانت بحبوحة حلوة ومرحة يسود فيها الضحك.

    مكبر صوت الهاتف جمعني بوالدي الشهيد مهند الحلبي، تارة يحكي والده موقفًا، وتسابقه والدته لتأخذ زمام الحديث، ساعة من الزمن، غرقت فيها معهما في الحديث عن مهند، وكيف عرفا أنه استشهد، وكيف كانت علاقته بإخوته وحياته، مهند المعروف بمفجر انتفاضة القدس الحالية هو ضيف الذكريات في حلقة اليوم.
    ونفذ مهند الحلبي (19 عامًا، طالب بكلية الحقوق في جامعة القدس) عملية طعن في الثالث من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أدت إلى مقتل إسرائيليين وإصابة آخرين في حي باب الواد القريب من المسجد الأقصى.

    مهند رجل البيت والحارة
    يقول أبو محمد: "في رمضان العام الماضي طلبت منه ألا يسجل فصلًا صيفيًّا في الجامعة، لأنه سيتعب كثيرًا، ففي رمضان نبقى مستيقظين طوال الليل وننام بعد صلاة الفجر، ولم أكن أريد له أن يرهق نفسه، لكنه فاجأني بأنه سجّل الفصل الصيفي، فكان يتسحر ويصلي الفجر حاضرًا ويحمل نفسه ليخرج إلى جامعته".
    فهل تأثر وتعب؟، لا، لم تتأثر دراسة مهند في كلية الحقوق بجامعة أبو ديس بهذا التعب، وكان ينوي أن ينهي دراسته بسرعة ويختصر معها التدريب العملي، لينطلق في ميدان العمل مباشرة دون تعويق، لكنه _يا ابنتي_ اختار الشهادة الأفضل (والحديث لوالده) اختار أن يرفع رأسي عاليًا.
    هنا قالت والدته: "في مهند كل الصفات الحسنة، ولكنه كان مشاكسًا جدًّا أيضًا، لم يكن يتركنا دون أن يعمل على إضحاكنا طوال الوقت، في أحد أيام رمضان الماضي اجتمعنا على مائدة السحور، كان يضحكنا، فطلب منه والده أن يحترم السحور، لكنه تمادى قليلًا، فطلب منه أن يترك الطعام هو وأخته، فامتثل لأمر والده، ولكن ما إن أنهينا الطعام حتى انسلا معًا وتناولا السحور".
    ومهند لم يكن ضخم الجثة، لكنه كان يعشق تناول الطعام كثيرًا: (المعجنات والنواشف والمعكرونة بالبشاميل)، أيضًا مهند لم يكن يترك فردًا من أفراد العائلة في قلبه شيء عليه، هو صاحب القلب الأبيض والحنون أكثر مما يمكن أن يتخيل أي إنسان.

    يوم ميلاد وكرامة شهيد
    "أتعرفين؟ (تحدثني أم مهند) قبل استشهاده بأقل من شهر فاجأ والده بحفل ميلاد له في مقر عمله"، هنا طلبت منها أن تسلم دفة الحديث إلى والده لمعرفة تفاصيل أكثر عن حفل الميلاد هذا، فقال العم أبو محمد: "كانت ذكرى ميلادي الأولى بعد الخمسين، وقد عودني أبنائي أن يكرموني في هذا اليوم من كل عام، لكن هذه المرة كانت تختلف".
    الأب الذي يعمل مختصًّا في التدفئة المركزية كان منغمسًا في عمله، وإذا هم يطلبونه في قسم آخر عدة مرات، وفي كل مرة يخبرهم أنه مشغول، ولكن تحت إصرارهم اضطر إلى ترك ما في يده، والذهاب لمعرفة ما الأمر الذي يستحق كل هذا الإصرار.
    وقال: "أولادي بطبيعة الحال كانوا يحتفلون بي كل عام، غير أن هذه المرة وجدت مهند وإخوته مع "الشغيلة" يحتفلون بي في مفاجأة غريبة وفريدة من نوعها، ولا أنكر أني سعدت كثيرًا بهذا الموقف، شعرت أن لي مكانة كبيرة جدًّا، وأن أولادي يهتمون بي".

    "مهند راح ينسجن"
    "ليس استشهاد مهند هو الذي جعلني أكبر في عدد السنوات أكثر فأكثر، بل ما تبع ذلك من معاناة، أن أرى بيتي وعرق جبيني وتعب سنواتي كله ومستقبل أولادي مهدومة في ثوان، هنا كنت أعاني وأموت من داخلي ألف مرة، لكن هذا لا يثني من عزمي شيئًا، ولن أتوقف يومًا عن فخري بمهند، ولن نوقف مقاومتنا للاحتلال" قال والد مهند.
    مجددًا والدته أرادت أن تتسلم دفة الحديث لتقول لي: "نسيت أن أخبرك أن مهند كان يعشق الدجاج المحشو، ويحرص _إذا ما زاره أحد من أصدقائه_ أن أجهز لهم أطايب الطعام"، بعدها توقفت قليلًا عن الكلام، لتتابع: "أتعرفين عندما قالوا في يوم استشهاده: "إن هناك شهيدًا"؟، عرفت مباشرة أنه مهند"، إنه قلب الأم.
    في تلك الأيام كان مهند ينشر العديد من المنشورات على صفحة (فيس بوك) الخاصة به، وكلما قرأتها والدته قالت له: "إللي بنزل أشياء زي هيك بده يكون قدها"، فكان يرد: "لا تخافي ما راح يروح ع الفاضي"، صحيح أنها كانت تتوقع سجنه ذات يوم لا استشهاده، لكنها كانت تشعر أن أمرًا ما سيحدث.
    هذا الحديث دفعني إلى أن أطلب منهما طلبًا ظننت أني أقسو عليهما به، أن يخبراني كيف عرفا باستشهاده، وكيف مرّ الوقت عليهما حتى عانقا جثمانه بعد ثمانية أيام من استشهاده، فردّ والده: "ما تقلقي يا بنتي، صح فارقنا مهند وانوجعنا عليه، لكن ما في شي يمنع إنو نحكي"، فسكت أنا مستمعة إلى حكاية الوداع الأخير بين المهند ووالديه.

    بماذا أوصى أمه؟
    قالت والدته: "كان مهند يوصيني دون أن أشعر بأن ثمة وصية خاصة به، وقد سألته عن والدي الشهيد ضياء التلاحمة وشعورهما إثر استشهاد ابنهما، فرد بكل بساطة: "أهالي الشهداء بصبروا"، لمّا رأيت جثمان مهند بعد احتجازه مدة 8 أيام لم أبك، لأنني شعرت أنه مستيقظ ينظر إليّ ويضحك".
    أما والده فعندما أعدت عليه السؤال: "كيف عرفت باستشهاد مهند؟" قال: "إييه لو أحكيلك بجوز ما تصدقي"، متابعًا: "كنت أتصفح (فيس بوك)، فإذا منشور على صفحة الصحفي ناصر اللحام يفيد أن هناك عملية في القدس بعد المغرب تقريبًا بربع ساعة، فار دمي وشعرت بالغليان؛ فمهند ليس في المنزل، تأخر كثيرًا بحجة الجامعة".
    وأضاف: "طلبت من إخوته فتح التلفاز لمعرفة التفاصيل، لكن لم يكن هناك أي خبر يشير إلى أي طرف خيط، ومهند لا يجيب على الهاتف، بعد تكرار الاتصال آلاف المرات، وأمه كانت في زيارة إلى الجيران، فلما عادت قلت لها: "في عملية في القدس ولهلأ ابنك ما إجا، لهلأ في جامعة؟!"، فزادت عصبيتي وقلت: (ما بدي يروح جامعة بعد هيك)".
    وتابع أبو مهند: "بدأ القلق يساورنا، وكانت أمه وأمي تطلبان مني الهدوء، وكلتاهما تقولان: "عده بيجي"، بعد وقت هداني الله إلى الاتصال بخاله الذي يعمل في جامعة أبو ديس، وسألته: "هل رأيت اليوم مهند؟"، فقال لي: "لا، لم أره"، وكان يعرف بوجود عملية في القدس وكنا نتابع قناتي "فلسطين اليوم" و"الأقصى"، ولم يكن هناك أخبار عن العملية، فقال لي خال مهند: "بس إنت شوف فضائية "معًا"، ولم يحكِ لي أي شيء".

    "ابنك راح"
    في هذه اللحظات شعر والد مهند أن نجله هو منفذ العملية، قال لأمه: "ابنك راح"، وبعد نصف ساعة ذكروا أن مهند الحلبي هو المنفذ، قال: "كان أهون علي أن أفقد روحي من أن أفقد شعرة واحدة منه، شعرت أن روحي انتزعت من داخلي، ولكن هذا قدر الله ونصيبنا، ويلزمنا مقارعة الاحتلال".
    ثمانية أيام هي التي فصلت بين استشهاد مهند وتسليم جثمانه إلى عائلته، كان فيها الأب يتوعد الاحتلال ويطالبه بتسليم الجثمان، ويقول لهم: "إللي سواه ابني راح أسوي قده عشر مرات، بدي ابني غصبًا عنكم مش بخاطركم، شو بدكم فيه؟!، خلاص هو الآن جثة، هل بدكم تعاقبونا فيه؟"، وكان العديد يحاولون تهدئته، لكنه كان يقول للجميع: "مش راح أسكت عن هذا الحكي إلا لما يسلموني إياه، أو بروح بعمل زيه".
    إذًا كيف كان اللقاء مع المهند؟، قال والده هنا: "يا ابنتي، كان اللقاء بعروس يزف، وهمست في أذنه وجثمانه راقد أمامي وقلت: "هيك سبقتني؟!، كان لازم أكون أنا أقبلك، رحت هيك ودشرتنا؟!، أنا إللي لازم أكون في القبر مش إنت)، وكان هو يضحك، كنت أشعر أنه يصبرني بابتسامته".
    وتابع: "سأخبرك بسر، ما زلت حتى الآن أنسى نفسي، وأنادي عليه أطلب منه أن يقوم ببعض الأعمال لي، لا أنساه ولن أنساه".
    أخيرًا ماذا حلّ بقطط مهند، تلك القطط التي شاهدها كثيرون ترافق مهند في كثير من الصور التي انتشرت بعد استشهاده؟، عنها قال العم أبو محمد: "مهند كان يحب القطط كثيرًا ويربيها، ولكني لم أكن أقبل إدخالها إلى المنزل، فصنع لهن منزلًا في الحديقة وكان يطعمهن ويعتني بهن، لكن بعد استشهاد مهند وهدم البيت تشتتن وذهبن إلى الجيران، غير أني أزورهن كل يوم، وأضع لهن بعض الطعام وفاءً لمهند".

    المصدر/ صحيفة فلسطين


    أضف تعليق



    تعليقات الفيسبوك

حسب التوقيت المحلي لمدينة القدس

حالة الطقس حسب مدينة القدس

استطلاع رأي

ما رأيك في تضامن الشارع الفلسطيني مع الاسرى في معركتهم الأخيرة في داخل سجن عوفر؟

43.5%

16.7%

35.2%

4.6%

أرشيف الإستطلاعات
من الذاكرة الفلسطينية

استشهاد الأسير معزوز دلال في مستشفى آساف هروفيه الصهيوني نتيجة سياسة الإهمال الطبي المتعمد

25 إبريل 1995

استشهاد الأسير عبد الصمد سلمان حريزات بعد اعتقاله بثلاثة أيام نتيجة التعذيب والشهيد من سكان بلدة يطا قضاء الخليل

25 إبريل 1995

قوات الاحتلال ترتكب عدة مجازر في الغبية التحتا، الغبية الفوقا، قنير، ياجور قضاء حيفا، وساقية يافا

25 إبريل 1948

العصابات الصهيونية ترتكب المجزرة الثانية في قرية بلد الشيخ قضاء مدينة حيفا

25 إبريل 1948

الأرشيف
القائمة البريدية