الثابت الذي لا يهتز بقلم/ هبة أبو ستة

موضوعات ذات صلةً

• الهيئة القيادية لأسرى الجهاد تعزي بوفاة المفكر د.سميح حمودة
• "الأسرى في رمضان" معاناة مستمرة ولوعة الاشتياق لذويهم

الثابت الذي لا يهتز بقلم/ هبة أبو ستة

(نموت في الوطن ولن نغادر) عنوان رواية خطّ حروفها الأسير ثابت مرداوي ابن بلدة عرابة، بُعَيْدَ اعتقاله في أعقاب معركة مخيّم جنين البطوليّة.

حمل البندقيّة في يده، وحارب المحتلّ برصاصاتها الشّريفة التي لم تنحرف يوما، وكسر هيبة الجنديّ المنخرط في الجيش الذي لا يقهر.. لكنّه قُهر كثيرا على أبواب جنين وغزّة.

وظلّ المخيّم نقطة الارتكاز والإعداد والتّجهيز والانطلاق وتوالي خروج الاستشهاديّين منه رغم المجزرة التي هزّت العالم لبشاعة ما حدث.

ثابــت مــرداوي قائــد ســرايا القــدس في شــمال الضفــة المطلوب الأول للتصفيــة ضمــن قائمــة ضمت عشرة مطلوبين لدولة الارهاب, وضعهـا جيـش شـارون آنذاك.

آنذاك.

شــارون الــذي جهــز جيشــه المدجــج بالطائــرات والدبابــات وأوامــر القتــل المباشــر لاقتحــام مخيم جنين في إطار عملية عسكرية أراد بها كسر شوكة المقاومة في الضّفّة الغرّاء، أطلق عليها اسم "السّور الواقي" كان الهدف من العمليّة الخلاص من "عشّ الدّبابير".

تصدّى للصّهاينة ثابت ورفاقه الشّهداء، محمود طوالبة، وأبو جندل، وطه الزبيدي، وخالد زكارنة، ورياض بدير، وغيرهم الكثير من الرّجال الذين لم يهابوا جبروت المحتل، وكان القرار يومها "أن لا يدخل المخيم غازٍ إلاّ ونحن أموات."

وصدقت هذه الفئة المؤمنة، فأثخنوا الجراح في الأعداء، وحاربوهم بالصّمود والإرادة وطول النّفس.. فصاحب الحقّ لا يملّ الصّمود، وسجّل ثابت ورفاقه أبهى سطور التّاريخ، عندما جعلوا من مخيّم فقير وجائع، ببيوته المتصدّعة وشوارعه الضيّقة، خصما عنيدًا، وندّا قويّا في وجه أعتى قوّة عسكريّة في العالم.

ورغم الجوع ونزف الجراح والانفجارات التي لم تهدأ ليلاً أو نهارًا, وزخّات الرصاص التي اخترقت كلّ الأماكن, وتوالي سقوط الشهداء، فقد صمد المقاومون وقتلوا من جنود الاحتلال العشرات، لكن الحصار كان يطبق فكّيه عليهم, فتمرّ الدقائق كأنّها دهر، فيتلاشى أمل النجاة رويدا رويدا، ولا توجد أيّة قطرة ماء أو كسرة خبز تسدّ جوع المقاومين الذين نفذت ذخيرتهم الذين مكثوا يحاربون أياما طوالًا بلا طعام أو ماء أو دواء.

حينها كان لا بدّ من اتخاذ القرار الصّعب، بخروج ثابت من المخيّم وتسليم نفسه مع رفاقه، يقول ثابت مرداوي في روايته التي كتب سطورها في الأسر عن هذه اللّحظات الأليمة: "طُلب منا أن ننزع ثيابنا كاملة، ونرفع أيدينا إلى الأعلى، فرفضنا.. وتوصّلنا إلى حلّ وسط خلعنا بموجبه الجزء العلويّ من الثّياب فقط، ولم نرفع أيدينا، ولقد اعتبرنا ذلك إنجازا في لحظتها, وانتصارا في التّحدي الأوّل الذي يواجهنا بعد الاعتقال.

لم يبق نوع من أنواع القهر والمرارة والحسرة إلاّ وحوته نفوسنا، ونحن نسير محاطين بعشرات من الجنود الصّهاينة، وعيوننا ضاربة في كلّ اتّجاه مودّعة المخيّم الجميل ملقية عليه نظرات الوداع، وفي المقابل كان هو يرسل هواءه النّدي العليل ليلامس وجوهنا، علّه يزيل عنّا هذا الحزن والألم، ويواعدها على اللّقاء من جديد.

عصّبوا عيوننا، وكبّلوا أيدينا إلى الخلف ووضعونا في عرباتهم التي سارت بنا إلى المجهول.. إلى معارك

جديدة غير مرئيّة لأنّها تدور هناك تحت الأرض.. وفي أقبية التّحقيق الصّهيوني وزنازينه".

ظلّ ثابت ثابتا في الأسر، وحكم عليه واحدا وعشرين مؤبّدا وأربعين عامًا، بعد ثلاث سنوات من الاعتقال، ومات شارون, وما زال جيشه يتلقّى الهزائم في كلّ معاركه، فغزّة ثأرت لمخيّم جنين، ونابلس ثأرت لخان يونس، والخليل ثأرت لرفح، والمقاومون يجهّزون العدّة تحت الأرض وفوقها, لإخراج ثابت ورفاقه من الأسر.

سيتنسّم ثابت عبير الحرية عمّا قريب.. رياح المخيّم التي تزوره كلّ يوم ستداعب عينيه وتكتب له رسائل الاشتياق والحنين وبشائر التّحرير.

المصدر/ مجلة سراج الأحرار ع6

تعليقات الفيسبوك