الأربعاء 24 إبريل 2024 م -
  • :
  • :
  • ص

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

    الشهيد رياض خليفة: أمضى حياته مقاوماً مطارداً وفضل الاستشهاد على الأسر

    آخر تحديث: السبت، 15 ديسمبر 2018 ، 11:29 ص

    حمل روحه على كفّه منذ نعومة أظافره، رسم لنفسه الطريق ولم يحد عنها أبداً - فهذا الوطن المسلوب يستحق منه أن يبذل في سبيله الغالي والنفيس- كره السراب، وآمن أن ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلّا بالقوة، لذلك لم يتردد أن ينخرط في أعمال المقاومة ضد مَنْ اغتصبوا أرضه وشردوا شعبه.

    باع نفسه والشاري كان أعظم.. القيود دمغت مِعصميه سنوات وسنوات بآثار لم ولن يمحوها الزمن، لكنه آثر هذه المرة أن يكون أسداً تطارده الكلابُ الضالة في الجبال.. روحاً تُحلق في السماء على أن يكون جسداً يقتله ظلام دامس في زنزانة هنا، في إحدى هضاب غرب رام الله، في قرية تُدعى كُفر نعمة وُلد رياض خليفة (33 عاماً)، عاش وترعرع بين أشجارها وأزقتها وفارق الحياة شهيداً مضرجاً بدمائه فوق ترابها.

    طفولة مُعذبة
    لم يعش رياض وفي فمه ملعقة من عسل، فها هو ابن السنوات الثلاث يفتقد لحنان الأب والأم معاً، سلطات الاحتلال تعتقل أبويه، يحكم على الأب بالسجن لمدة عشر سنوات وعلى أمه لمدة ست سنوات.

    قام عمُه عبد اللطيف عارف خليفة (أبو وسام) ويبلغ (52 عاماً) بلعب دور الأب والأم في آن، لم يكن يعتبره إلا واحداً من أولاده. ويقول الرجل الذي ارتسم على محياه صبر السنين، وتعب الأيام، ولوعة الفراق: "لقد كان رياض بالنسبة لي مدللاً وواحداً من أعز أبنائي، لم أكن مقصّراً معه على الإطلاق، كنت أوفر كل احتياجاته، حاولت أن أعوّضه عن حرمانه من حنان الأم والأب، لكن رغم كل ذلك يبقى مفتقداً لحنان أبويه".

    الطفل الصغير بدأ يكبر ومعه الكثير من الأحلام والأماني، أحبّ الأرض والشجر والإنسان والحياة، كان مرِحاً، لم يكره أحد، أحبّ الجميع وأحبه الجميع.

    رياض له ثلاثة أخوة Ùˆ5 أخوات غير أشقاء، هو أكبرهم من الذكور، لقد كانت علاقته مميزة بهم ويُحبهم حباً جماً، أخوته تعلّقوا به. ويقول العم (أبو وسام) "لم أر في حياتي أخوة يحبون أخاهم من أم غير أمهم مثل حُب أخوة رياض له، لقد امتلك القلوب فامتلكته القلوب، تلقى تعليمه في مدرسة القرية، وشهد له الجميع بالخُلق الحسن، تعلق قلبه بالمسجد، فأبان عن تدينه والتزامه. ويقول العم (أبو وسام) «Ø¥Ø°Ø§ اقتنع بشيء صمم على تنفيذه ولم ينهه أحد عن القيام به».

    أنهى مرحلة الثانوية العامة مع بداية الانتفاضة الكبرى، وحصل في امتحان "التوجيهي" على معدل 86% (الفرع الأدبي).

    اعتقل لمدة 5 أشهر خلال الانتفاضة الكبرى، وبعد خروجه من السجن طالبه الأهل بإكمال دراسته الجامعية.. أجاب بالموافقة.. لكنه كان قد اختار طريقاً لا يسلكه إلا الأحرار الذين أبدوا استعدادهم لتقديم حياتهم رخيصة لما هو أغلى.

    عُمر من النضال
    في كانون الأول عام 1987 كان الحدث الذي غيّر كل الموازين، صُور الأطفال الذين يقفون بحجارتهم أمام بنادق ومجنزرات زرعت الكثير في نفسية رياض. أبى أن يبقى ذلك الشاب الثائر متفرجاً، فشارك في فعاليات الانتفاضة الكبرى ونشاطاتها.

    اعتقلته سلطات الاحتلال للمرة الأولى عام 1989، وأمضى في السجن مدة خمسة أشهر.. خرج بعدها وهو أكثر دراية بمعالم الطريق الذي اختاره. انضم إلى مجموعة عسكرية تابعة لحركة الجهاد الإسلامي حيث نفذ من خلالها العديد من العمليات الفدائية ضد قوات الاحتلال والمستوطنين.

    تدرب على صناعة العبوات الناسفة، اشترك في عملية تفجير خطوط أنابيب المياه الواصلة لمستوطنة "دولب" القريبة من القرية. سلطات الاحتلال تمكنت من اكتشاف تلك الخلية، اعتقلت أفرادها وحُكم على رياض لمدة ثمانية أعوام ذاق خلالها شتى أنواع القهر والعذاب، خرج بعدها من الأسر والهامة مرفوعة لم تنكسر.. ألم يحن وقت استراحة المُحارب؟ - سأل الأهل والأصدقاء-.. رياض يُجيب: «Ù„ا، اخترت الطريق ولا يمكن أن أحيد عنه أبداً». الأب والعم عرضا عليه الزواج ورغد العيش.. رياض يقول: لا، فالفارس كان قد امتطى صهوة جواد لا يمكن إيقافه.. أبوه حاول مراتٍ ومرات أن يُثنيه فما كان من رياض إلا أن قال:«ÙŠØ§ أبتي، إني لا أقف في طريقك عندما تختار فدعني أختار».

    لم تمض سوى فترة قصيرة على خروجه من الأسر حتى توفي أبوه عن عُمر يناهز 52 عاماً، فاشتدت عليه الأيام حُلكة.

    الأرض تشتعل مُجدداً تحت أقدام مُغتصبيها.. إنها انتفاضة الأقصى، المُجرمون يُمعنون أكثر وأكثر في الجريمة.. الأطفال يُقتلون والبيوت تُهدم والأشجار تُقطع.. فحقاً على الرجال الأشداء أن يلتحقوا بالركب.. قام رياض بتشكيل مجموعة تابعة لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، استطاع تأمين السلاح والتمويل اللازم للنجاح، نفذت تلك المجموعة العديد من الهجمات ونصبت الكمائن لقوات الاحتلال ومستوطنيه موقعة العديد من الخسائر في صفوفها.

    فصل آخر من المعاناة بدأ، أصبح رياض مطلوباً ومطارداً لقوات الاحتلال، لم يُنهه ذلك عن الاستمرار، فقام بتشكيل مجموعات عسكرية ودربها على السلاح، لاحق العُملاء الذين ما أن سمعوا اسمه حتى هربوا إلى جحورهم، كان رياض يُجهز العبوات الناسفة، وأثناء تخطيطه وإعداده لتنفيذ عملية كبيرة تفجرت العبوة التي كان يَصنعها، ولكنّ قدرة الله أنقذته من موت حقيقي حيث أصيب على أثرها بجروح طفيفة.

    مُطارد في الجبال
    أصبح رياض قائداً لسرايا القدس في منطقة رام الله، وقد تمكنت سلطات الاحتلال من اعتقاله في شهر شباط الماضي، لكن من كُوي بنار السجن لسنين، فضل هذه المرة أن يكون رهيناً للموت على أن يبقى مكبلاً بقيد سجّانيه، ما دفعه إلى الاجتهاد وهو في معتقل "عوفر" القريب من بيتونيا لتحرير نفسه حيث استطاع رياض مع زميلين آخرين أن يحفروا نفقاً تحت الأرض يخترق به جدران المعتقل، وفي صباح يوم 22/أيار تمكن رياض من تحرير نفسه من ظُلمة السجن ليستمر في رحلة النضال ومقاومة الاحتلال.

    ويقول عمه (أبو وسام) "لقد كره رياض ظُلمة السجن وزرد السلاسل، ولذلك فضّل أن يحرر نفسه رغم علمه أن الموت سيُحيط به من كل جانب، أدرك أن حياته ستكون مليئة بالصعاب والمعاناة، لكنه أبى أن يرمي سلاحه".

    ولأن السمك لا يخرج من البحر إلّا ميتاً، كان رياض يرفض مناشدة الأصدقاء والأهل بتوفير مكان له أكثر أماناً خارج القرية.. «Ø®Ø±ÙˆØ¬ÙŠ من هنا هروب» - كان يقول رياض- ..

    لم يكن يخشى أحداً غير الله، يحمل سلاحه ويتجول في أزقة وشوارع القرية دونما خوف.. كان يملك حساً أمنياً كبيراً، فتنكر بزي النساء أحياناً، لم يكن منعزلاً طيلة فترة المطاردة، كان يزور الأصدقاء ويمارس حياته كأي فرد آخر ولكن بأسلوبه الخاص. ويروي العم (أبو وسام) "لقد كان مؤمناً بقدره، ثقته بالله عالية ورغم ذلك كان حذراً، يحمل سلاحه أينما ذهب حتى عندما يتوجه إلى الوضوء وكان يقول: «Ø¥Ø°Ø§ جاءوا لا فرصة للاستسلام إمّا قاتلاً أو قتيلاً». بيوت الأهل والأصدقاء كانت تتعرض باستمرار خلال فترة المطاردة لمداهمات وتفتيش مستمر، وضباط الاحتلال يرعدون ويتوعدون مع كل عملية مداهمة: «Ø³Ù„ّموا رياض وإلاّ عاد إليكم جُثّة هامدة».

    مُطارد يقرر الزواج

    بعد خروجه من السجن في عام 1998، وعندما كانت الدنيا تفتح جناحيها لرياض رفض عرض أهله بالزواج، هو اليوم يفترش الأرض ويلتحف السماء، ومع ذلك يجيء الفارس إلى عمه طالباً أن يساعده لإتمام زواجه على فتاة كان خطبها خلال المطاردة الأولى قبل اعتقاله في سجن "عوفر".

    أي بشرٍ هؤلاء وكيف يفكرون؟!

    يقوله عمه (أبو وسام) "جاءني رياض طالباً أن يتم زواجه على فتاة كان قد خطبها قبل عدة أشهر، حاولت إقناعه بأن حياته مهددة وينقصها الاستقرار اللازم للزواج، لكنه كان مصمماً أكثر من أي وقت مضى، كان يخبرني بأنه يريد أن يمارس حياته كيفما يشاء.

    قبل ثلاثة أشهر عقد حفل الزفاف، حضرت العروس إلى إحدى صالات الأفراح في بلدة بيرزيت وحضر المدعوون كذلك، لكن بطل المشهد لم يأتِ، فالحس الأمني حتّم عليه أن يغيب عن عرسه، والصالة التي عقد فيها الحفل تعرضت لمداهمة من قبل قوات الاحتلال، سألنا زوجة رياض وتدعى فاطمة مصطفى خصيب (24 عاماً) من قرية عارورة قضاء رام الله، وهي تعمل معلمة للتربية الفنية في إحدى مدارس رام الله: كيف كان شعورك وزوجك لم يكن بجانبك خلال حفل الزفاف؟

    استجمعت الزوجة الصابرة قواها، وعيناها حبستا دموعاً كانت أقرب إلى السيلان، لملمت الكلمات من على شفتيها قائلة «ØºØ§Ø¨ رياض عني خلال حفل الزفاف جسداً، لكنه بكل تأكيد كان حاضراً روحاً وقلباً وهذا بالنسبة لي أهم».

    وتؤكد فاطمة بأن كون رياض مطارداً لم يؤثر على قرارها بالموافقة عليه زوجاً مضيفةً على العكس، كونه مطارداً قرّبني منه أكثر، فهو إنسان شجاع وبطل وعملة نادرة في هذا الزمان، وأقل ما يمكن أن أقدمه له هو موافقتي على إتمام زواجنا".

    وتتابع "لقد كان يبحث في زواجنا عن الحنان الذي حُرم منه، كان زوجاً مثالياً ويقوم بواجباته على أكمل وجه، كان متديناً يتمتع بأخلاق عالية، يكره الظلم والسجن والقيود، اختار أن يكون شهيداً على أن يصبح أسيراً مرة أخرى".

    موعد الرحيل

    قبل أيام قليلة من استشهاده، أخذ رياض يبحث في بيت عمّه عن لائحة الاتهام التي وجهتها له سلطات الاحتلال، قرأها ثم ضحك وقال "يا عم لو سلمت نفسي لهم لحكموا علي بالسجن المؤبد لكني أحمد الله أني حررت نفسي من الأسر".

    لقد أتت ساعة الرحيل، وآن الأوان لهذا الفارس أن يترجّل، قبل ساعة قليلة كان قد احتضن زوجته وقبّلها بحرارة لم تعتد عليها من قبل. ففي ليلة الثاني عشر من شهر كانون الأول اقتحمت قوة عسكرية احتلالية الجزء الجنوبي من قرية كُفر نعمة، إطلاق النار بدأ يدوي، ومكبرات الصوت تمنع التجوال مطالبة أهالي القرية بالمكوث في المنازل.. لقد أرادوا تغييب الشهود عن جريمتهم.

    كان الأسد في عرينه ينتظر خفافيش الليل، الكثرة تغلبُ الشجاعة حيث تمكن جنود الاحتلال من اعتقال زميليه المطاردين بعد جرحهما وهما: أمجد محمود (24 عاماً) ورائد عباس (27 عاماً).. رياض ما زال يحفظ عن ظهر قلب خارطة الطريق التي رسمها لنفسه.. لا للاستسلام.. لا للأسر.. نعم للشهادة.. حمل بندقيته التي لم تفارق كتفه وصوبها تجاه من زرعوا على أرضه البؤس والحرمان والحقد.. ما هي إلّا ثوانٍ، وقد تحول الشاب الوسيم إلى جسدٍ يمزقه الرصاص من كل جانب.. لم يتركوه إلاّ وقد لفظ أنفاسه الأخيرة.. استشهد رياض حيث وُلد، ودماؤه لم تذهب هدراً، فقد امتزجت بتراب أرضه التي أحب، تناهى الخبر إلى الأهالي، لكن أسرة رياض لم تكن بعد تعلم بما حدث، جاءها النبأ على شكل اتصال هاتفي من أحد أصدقاء رياض الأسرى في سجن "عوفر" عم أبو وسام.. لقد رحل الفارس..

    الحزنُ يخيم على المشهد، وجوه عابسة، وقلوب باكية وأعين دامعة.. كُفر نعمة بشيبها وشبابها، بأطفالها ونسائها، خرجت تُودع الفارس الذي أقلق مضاجع المحتلين، ولم يهب الموت على مقربة من القبر وقبل دفن الشهيد، تحدث أحدهم يُبشر الحاضرين، رياض لم يمت، رياض حيّ يرزق.. تسمرت العيون وخفقت القلوب.. نعم رياض لم يمت فزوجته فاطمة حامل في شهرها الثاني، والشهيد قبل وفاته بعدة أيام أوصى زوجته وعمه بأن يسمّيان المولود القادم "رياض" إن كان ذكراً و"سرايا" إن كانت أنثى.

    ويقول عمه (أبو وسام) في الأيام الأخيرة من حياته كان يطلب من الله أن يطيل عمره لا لشيء إلّا ليرى مولوده القادم.

    وتؤكد زوجته «Ù„Ù… يكن يتحدث رياض إلاّ عن ابنه، كان يوصيني أن أعلمه الأخلاق الحسنة وحب الجهاد، فهو يريده مقاوماً مثله وأن يلقى ربه شهيداً مثله، وأنا سألبي له تلك الرغبة».

    رحل رياض جسداً، وذكرياته ظلّت لتدغدغ عواطف كُل من عرفه، رحل الجسد وبقيت دماؤه تجري في عروق زوجته في انتظار المولود القادم.. أيكون "رياض".. أم "سرايا"!

    يعتبر الأخ الشهيد المجاهد رياض من أبرز كوادر سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين. وهو من سكان كفر نعمة غربي مدينة رام الله، اعتقل نتيجة مقاومته وجهاده سبعة أعوام من قبل الاحتلال الصهيوني، وقد استطاع بفضل الله أن يكسر القيد ويهرب من معتقل عوفر مع مجاهدين آخرين.

    وقد كان الشهيد البطل الذي حاول الاحتلال تصفيته أكثر من مرة عنواناً بارزاً للجهادي الصادق الذي يقدم نموذجاً فريداً لكل جيله من الشباب في شجاعته وبطولته وإصراره على التمسك بخيار الجهاد والاستشهاد. ولقد كان كثير الدعاء أن يرزقه الله الشهادة، وقد عمد إلى الاستعداد الروحي والنفسي، إضافة إلى البدني فحصل على الحزام الأسود في الكراتيه.

    اعتقل الشهيد البطل سابقاً من قبل سلطة الحكم الذاتي وتم سجنه من قبل الأمن الوقائي لأكثر من ستة أشهر تعرض خلالها لصنوف من التحقيق والتعذيب إلا أنه بقي صابراً محتسباً رافضاً الظلم والضيم، إلى أن خرج ليكمل مسيرته جهاداً في سبيل الله، وضد المحتلين الصهاينة الذين ظلوا يطاردونه ويسعون إلى قتله، إلى حين اقتحمت قوة عسكرية صهيونية قرية كفر نعمة وحاصرت المجاهد أبو أحمد الذي خرج من مغارته التي كان يبيت فيها ليشتبك مع قوات الاحتلال، الأمر الذي أدى إلى استشهاده وهو قابضاً على بندقيته من طراز «Ø£Ù… 16».


    أضف تعليق



    تعليقات الفيسبوك

حسب التوقيت المحلي لمدينة القدس

حالة الطقس حسب مدينة القدس

استطلاع رأي

ما رأيك في تضامن الشارع الفلسطيني مع الاسرى في معركتهم الأخيرة في داخل سجن عوفر؟

43.5%

16.7%

35.2%

4.6%

أرشيف الإستطلاعات
من الذاكرة الفلسطينية

العصابات الصهيونية ترتكب مجزرة في قرية الجلمة قضاء مدينة حيفا

24 إبريل 1948

صدور قرار مجلس الحلفاء بوضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني

24 إبريل 1920

الأرشيف
القائمة البريدية