في الذكرى الثالثة والأربعين لاستشهاد عبد القادر أبو الفحم

إن قٌلنا أنَ الأسرى في ضيافة الموت فلن يكون الكلام جديداً ولن يتغير الوضع إلا بحل عملي ينهي هذه المعاناة كُليا، فاعتقال الفلسطيني هي أول خطوة نحو احتمالات الموت سواء كان سببه التعذيب أو الإهمال الطبي والجسدي أو خوض الأسير إضرابا عن الطعام.
لم نبالغ عندما نقول إن "الحبل على الجرار" ونحن نرى بأم أعيننا كيف يستشهد الأسرى يوماً بعد يوم ويعانون من الإهمال وتتم معاقبتهم عندما يفكرون بنيل حقوقهم عن طريق إضرابهم عن الطعام.
في مثل هذا اليوم 11 تموز 1970 وقبل ثلاثة وأربعين عاما استُشهِدَ الأسير عبد القادر جبر أبو الفحم ليكون أول شهداء الحركة الأسيرة الذين ضحوا بحياتهم طلبا لحريتهم، حيث خاض معركة الأمعاء الخاوية في إضراب سجن عسقلان في أوائل تموز عام 1970.
عبد القادر كان فاتحة لشهداء الحركة الأسيرة نتيجة خوضه للإضراب تماماً كما كان ميسرة أبو حمدية آخر شهداءها –لغاية الآن- نتيجة الإهمال الطبي، سبقه عرفات جرادات وزهير لبادة وزكريا عيسى ليرتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى 207 شهيداً منهم 52 شهيداً قضوا نتيجة الإهمال الطبي المتعمد لهم.
وفي هذا التقرير يسلط مركز أسرى فلسطين للدراسات الضوء على أول شهيد للحركة الأسيرة داخل سجون الاحتلال الشهيد عبد القادر أبو الفحم.

تاريخ نضالي وشخصية قيادية
الشهيد عبد القادر أبو الفحم ولد عام 1929م في قرية برير في فلسطين وهاجر مع أسرته سنة 1948م، أقام في مخيم جباليا بقطاع غزة وواصل تعليمه إلى الصف السابع، ومن ثم تزوج وأنجب ولد وبنت (فتحية وحاتم).
التحق الشهيد بالقوات المصرية عام 1953 م وحصل على عدة دورات عسكرية ورفّع بعدها إلى رتبة عريف ثم إلى رتبة رقيب ثم رتبة رقيب أول بعدما نال احترام وثقة الجميع.
تميز الشهيد بروحه المرحة حيث كان صاحب نكتة، لطيف، أمين وصادق، ولما بدأ تكوين الجيش الفلسطيني كان عبد القادر هو المسئول عن مركز تدريب خان يونس وخاض حرب 1956م وحرب 1967 وكان ضمن كتيبة الصاعقة التي قاتلت العدو بقوة.
أسس الشهيد فصيل قوات التحرير الشعبية وشارك في التدريب العسكري للمناضلين وعدة عمليات عسكرية، فجّند العديد من الشبان في صفوف قوات التحرير الشعبية ودربهم على السلاح، وكان قائداً للتشكيلات العسكرية لقوات التحرير في قطاع غزة.
عام 1969م وخلال إحدى عملياته العسكرية أصيب عبد القادر بجسده إصابة بالغة بعدة رصاصات وبقّى يعاني من هذه الجراح حتى يوم استشهاده، فاعتقلته قوات الإحتلال وحكمت عليه بالسجن المؤبد عدة مرات.
داخل السجن كان عبد القادر شخصية محورية ومؤثرة في تنظيم الأسرى وقيادتهم ضد إدارة السجون، وكانت صفاته الشخصية سببا في شخصيته القيادية تلك حيث تمتع بالعطاء والصمود والأخلاق الرائعة، وامتلك علاقات واسعة أهلته لأن يكون شخصية محورية مؤثرة في تنظيم صفوف الأسرى وقيادة نضالاتهم ضد إدارة السجون.

بداية الإضراب
في الخامس من تموز عام 1970م بدأ الأسرى بما يشبه انتفاضة لهم وخاضوا أول إضراب للحركة الأسيرة في سجن عسقلان، ورغم سوء وضعه الصحي رفض الشهيد إعفاءه من المشاركة في الإضراب عن الطعام وأصر على المشاركة رغم مرضه، وكان دائماً في مقدمة الحركة الأسيرة يحمل إرادة كالحديد، وكردة فعل لهذه الخطوة قامت إدارة السجون بقمع الأسرى المضربين عن الطعام بهدف إنهاء الإضراب والتأثير على إرادة الأسرى وصمودهم وهذا ما لم يقدروا عليه.
قبل استشهاده بيوم وبتاريخ 10 تموز 1970 ساء وضعه الصحي وتم نقله إلى عيادة السجن من أجل العلاج، ولكن إدارة السجن لم تقدم له العلاج اللازم والكافي في إطار سياستهم المتعمدة في إهمال صحة الأسرى، وفي اليوم التالي انتقلت روحه الطاهرة إلى خالقها وبقيت عزيمته الصلبة جسرا يقطعه بقية الأسرى نحو الحرية.
الأفق يبدو فارغاً من أي ومضة للأمل، فلا المقاومة متحركة لخطف الجنود وتحرير الأسرى ولا المفاوضات جارية  ولا سيادة لنا على الدولة، ولهذا السبب فإن الأسرى لا يجدون وسيلة سلمية للدفاع عن أنفسهم وحريتهم سوى الإضراب عن الطعام متخذين شعارات تبدأ وتنتهي بتفضيل الجوع على الذل والركوع، وبالتالي نحن من ندفعهم للموت بصمتنا المُطبق وانشغالنا عنهم لا بِهم.
الأيدي التي تُرفَع للدُعاء علناً من أجل فوز مُطرب وتكتب الرسائل القصيرة وتشغل هواتفها النقالة بصوتِهِ وتملأ الأماكن بصورته وتدافع عنه بشراسة أكثر بكثير من تلك التي تتذكر أن ترفع نَفسها خِفية من أجل الدعاء لأسير يحتضر، لكن القلوب التي ترقص على وقع أغنية لا تُشبه أبدا القلوب التي تخفق غياباً.
يقال أن أكبر الخيانات الخذلان، ونحن فعلاً خذلنا الأسرى.

(المصدر: أسرى فلسطين، 11/07/2013)