عميد أسرى محافظة بيت لحم يدخل عامه ال28‏

دخل‎ ‎الأسير‎ ‎عيسى‎ ‎نمر‎ ‎جبريل عبد‎ ‎ربه "‎‏48‏‎ ‎سنة"‎ عامه‎ ‎ال‎ ‎‏28‏‎ ‎في‎ ‎الاعتقال لينضم‎ ‎إلى‎ ‎قافلة‎ ‎الأسرى‎ ‎الذين‎ ‎يقضون‎ ‎أكثر‎ ‎من ربع‎ ‎قرن‎ ‎خلف‎ ‎قضبان‎ ‎سجون‎ ‎الاحتلال‎ ‎والبالغ عددهم‎ ‎‏126‏‎ ‎أسيرا.‎ اعتقل‎ ‎عيسى‎ ‎عبد‎ ‎ربه‎ ‎سكان‎ ‎مخيم‎ ‎الدهيشة للاجئين‎ ‎يوم‎ ‎‏20‏ / ‎‏10‏ / ‎‏1984‏‎ ‎بتهمة‎ ‎الانتماء‎ ‎إلى حركة‎ ‎فتح‎ ‎ومقاومة‎ ‎الاحتلال،‎ ‎وحكم‎ ‎عليه بالسجن‎ ‎المؤبد،‎ ‎وهو‎ ‎أقدم‎ ‎أسير‎ ‎فلسطيني‎ ‎في محافظة‎ ‎بيت‎ ‎لحم.‎ وسلطت‎ ‎وزارة‎ ‎الأسرى‎ ‎والمحررين‎ ‎الضوء‎ ‎على الأسير‎ ‎عبد‎ ‎ربه‎ ‎بهذه‎ ‎المناسبة‎ ‎في‎ ‎تقرير‎ ‎أعدته بهذا‎ ‎الشأن‎ ‎قالت‎ ‎فيه: ”‎قصة‎ ‎عيسى‎ ‎عبد‎ ‎ربه هي‎ ‎قصة‎ ‎مخيم‎ ‎الدهيشة‎ ‎الذي‎ ‎ولد‎ ‎وكبر‎ ‎فيه وكلاجئ‎ ‎طرد‎ ‎من‎ ‎قريته‎ ‎الوالجة‎ ‎عام‎ ‎النكبة ‏1948‏‎‎ØŒ‎ ‎فنشأ‎ ‎في‎ ‎مكان‎ ‎يفتقد‎ ‎إلى‎ ‎الملامح‎ ‎والهوية، الفقر‎ ‎والجوع‎ ‎وغضب‎ ‎اللاجئين‎ ‎وبؤسهم‎ ‎وهم يرسمون‎ ‎يوما‎ ‎بعد‎ ‎يوم‎ ‎وسنة‎ ‎بعد‎ ‎سنة‎ ‎طريق العودة‎ ‎والحرية،‎ ‎يحتفظون‎ ‎بأوجاعهم‎ ‎ومفاتيح بيوتهم،‎ ‎ويتوارثون‎ ‎الحكاية‎ ‎جيلا‎ ‎بعد‎ ‎جيل".
وجاء‎ ‎في‎ ‎التقرير"كغيره‎ ‎من‎ ‎شبان‎ ‎المخيم الواقع‎ ‎على‎ ‎الشارع‎ ‎الرئيسي‎ ‎بين‎ ‎القدس‎ ‎والخليل، تصدى‎ ‎عيسى‎ ‎للجنود‎ ‎والمستوطنين‎ ‎وشارك‎ ‎في انتفاضة‎ ‎المخيم‎ ‎الذي‎ ‎سجل‎ ‎بطولات‎ ‎ومآثر‎ ‎لا حصر‎ ‎لها‎ ‎في‎ ‎مقامة‎ ‎الاحتلال،‎ ‎ولا‎ ‎أحد‎ ‎ينسى تمرد‎ ‎أهالي‎ ‎المخيم‎ ‎على‎ ‎حظر‎ ‎التجول‎ ‎وقيامهم بخلع‎ ‎الشبك‎ ‎الذي‎ ‎أحاط‎ ‎المخيم‎ ‎وحوله‎ ‎إلى سجن،‎ ‎إذ‎ ‎سقط‎ ‎العشرات‎ ‎من‎ ‎الشهداء‎ ‎والمعتقلين والجرحى‎ ‎‎على‎ ‎أرض‎ ‎مخيم‎ ‎الدهيشة، ولا‎ ‎يكاد‎ ‎يخلو‎ ‎بيت‎ ‎من‎ ‎معتقل،‎ ‎فقد‎ ‎سقطت توقعات‎ ‎قادة‎ ‎الكيان‎ ‎أن‎ ‎الكبار‎ ‎يموتون‎ ‎والصغار ينسون،‎ ‎فقد‎ ‎تحول‎ ‎مخيم‎ ‎الدهيشة‎ ‎إلى‎ ‎قلعة صلبة‎ ‎ومدرسة‎ ‎لأجيال‎ ‎من‎ ‎اللاجئين‎ ‎والمعذبين الذين‎ ‎تحولوا‎ ‎إلى‎ ‎فدائيين‎ ‎وقادة‎ ‎وأرقاما‎ ‎صعبة في‎ ‎مواجهة‎ ‎المحتلين."
الأسير‎ ‎عيسى‎ ‎عبد‎ ‎ربه‎ ‎وهو‎ ‎يرى‎ ‎كيف طرد‎ ‎أهالي‎ ‎المخيم‎ ‎بحجارتهم‎ ‎وإرادتهم‎ ‎الحاخام العنصري”‎موشيه‎ ‎ليفنغر"‎ الذي‎ ‎نصب‎ ‎معسكرا أمام‎ ‎المخيم‎ ‎متحديا‎ ‎أكثر‎ ‎من‎ ‎‏15‏‎ ‎ألف‎ ‎مواطن يسكنون‎ ‎فيه،‎ ‎ليرحل‎ ‎هذا‎ ‎الحاخام‎ ‎أمام‎ ‎صمود وجبروت‎ ‎شبان‎ ‎المخيم‎ ‎وإصرارهم‎ ‎على‎ ‎التمسك بحقوق‎ ‎الشعب‎ ‎الفلسطيني‎ ‎العادلة.‎
وتطرق‎ ‎التقرير‎ ‎إلى‎ ‎والدة‎ ‎عيسى"أمونه"‎‏80‏ عاما،‎ ‎والتي‎ ‎واصلت‎ ‎الليل‎ ‎والنهار،‎ ‎وسنة‎ ‎وراء‎ ‎سنة وهي‎ ‎تلاحق‎ ‎ابنها‎ ‎من‎ ‎سجن‎ ‎إلى‎ ‎سجن،‎ ‎لم‎ ‎تنقطع عن‎ ‎زيارته،‎ ‎مشحونة‎ ‎دائما‎ ‎بالأمل‎ ‎وهي‎ ‎تقول:‎ لن‎ ‎يغلق‎ ‎السجن‎ ‎على‎ ‎أحد،‎ ‎هذه‎ ‎الأم‎ ‎العظيمة التي‎ ‎لم‎ ‎تترك‎ ‎اعتصاما‎ ‎ولا‎ ‎إضرابا‎ ‎عن‎ ‎الطعام ولا‎ ‎مسيرة‎ ‎تضامنية‎ ‎مع‎ ‎الأسرى‎ ‎إلا‎ ‎وشاركت‎ ‎فيها ورفعت‎ ‎صوتها‎ ‎مع‎ ‎سائر‎ ‎الأمهات‎ ‎تطالب‎ ‎بإطلاق سراح‎ ‎الأسرى‎ ‎وإنهاء‎ ‎معاناتهم.‎ لقد‎ ‎كبرت‎ ‎في‎ ‎السن،‎ ‎وأصابها‎ ‎المرض،‎ ‎ولم‎ ‎تعد قادرة‎ ‎الآن‎ ‎على‎ ‎الحركة‎ ‎إلا‎ ‎على‎ ‎كرسي‎ ‎متحرك، ومع‎ ‎ذلك‎ ‎تصر‎ ‎أن‎ ‎تذهب‎ ‎إليه‎ ‎في‎ ‎كل‎ ‎زيارة قائلة:‎ "سأراه‎ ‎حتى‎ ‎الرمق‎ ‎الأخير،‎ ‎لن‎ ‎أغيب‎ ‎عنه ولن‎ ‎يغيب‎ ‎عني.‎ لقد‎ ‎تأملت‎ ‎والدته‎ ‎كثيرا‎ ‎أن‎ ‎يطلق‎ ‎سراح الأسرى‎ ‎في‎ ‎صفقة‎ ‎شاليط‎ ‎الأخيرة‎ ‎وفي المفاوضات‎ ‎السياسية،‎ ‎وقفزت‎ ‎قضية‎ ‎الأسير عبد‎ ‎ربة‎ ‎في‎ ‎الأيام‎ ‎الأخيرة إلى السطح‎ ‎ حينما‎ ‎أصرت‎ ‎الوالدة "‎أم‎ ‎نصري‎ ‎ورغم‎ ‎مرضها على‎ ‎الذهاب‎ ‎إلى‎ ‎خيام‎ ‎الاعتصام‎ ‎التي‎ ‎أقيمت تضامنا‎ ‎مع‎ ‎الأسرى‎ ‎في‎ ‎سجون‎ ‎الاحتلال‎ ‎الذين اضربوا‎ ‎عن‎ ‎الطعام‎ ‎على‎ ‎مدى‎ ‎‏22‏‎ ‎يوما‎ ‎فلم يكفيها‎ ‎الاعتصام‎ ‎وإنما‎ ‎أضربت‎ ‎عن‎ ‎الطعام أيضا،‎ ‎وفي‎ ‎خضم‎ ‎هذه‎ ‎الأحداث‎ ‎أبرمت‎ ‎صفقة التبادل‎ ‎وكانت‎ ‎الفاجعة‎ ‎كبيرة‎ ‎عليها‎ ‎عندما علمت‎ ‎أن‎ ‎نجلها‎ ‎لم‎ ‎يشمل‎ ‎في‎ ‎هذه‎ ‎الصفقة حيث‎ ‎كانت‎ ‎تأمل‎ ‎كثيرا‎ ‎بذلك.‎ لقد‎ ‎تعرض‎ ‎عيسى‎ ‎خلال‎ ‎‏27‏‎ ‎عاما‎ ‎إلى‎ ‎العزل والقمع‎ ‎والتنقل‎ ‎من‎ ‎سجن‎ ‎إلى‎ ‎سجن،‎ ‎وكان‎ ‎دائما يخاف‎ ‎على‎ ‎كل‎ ‎ما‎ ‎يكتبه‎ ‎ويرسمه‎ ‎في‎ ‎السجن من‎ ‎المصادرة‎ ‎على‎ ‎يد‎ ‎السجانين،‎ ‎فقام‎ ‎بإخراج يومياته‎ ‎وخربشاته‎ ‎وصور‎ ‎زملائه‎ ‎بالسجن‎ ‎إلى والدته‎ ‎التي‎ ‎تحتفظ‎ ‎بها‎ ‎في‎ ‎صندوق‎ ‎مع‎ ‎مفتاح البيت‎ ‎القديم‎ ‎في‎ ‎قرية‎ ‎الولجة.‎
وزير الأسرى‎ ‎عيسى‎ ‎قراقع‎ ‎الذي يزور أم عيسى‎ ‎دائما‎ ‎يقول:‎ "الغرفة‎ ‎التي‎ ‎تعيش‎ ‎فيها أم‎ ‎عيسى‎ ‎عبارة‎ ‎عن‎ ‎سجن،‎ ‎صور‎ ‎عيسى‎ ‎وأسرى كثيرون‎ ‎معلقة‎ ‎على‎ ‎الحيطان،‎ ‎وهدايا‎ ‎رمزية عديدة‎ ‎منتشرة‎ ‎في‎ ‎أنحاء‎ ‎البيت،‎ ‎كراسات‎ ‎Ùˆ كتب‎ ‎ورسائل‎ ‎عديدة‎ ‎تحاول‎ ‎أم‎ ‎عيسى‎ ‎أن‎ ‎تقرأ منها‎ ‎على‎ ‎جميع‎ ‎من‎ ‎يزورها.‎ ‏
27‏‎ ‎عاما‎ ‎في‎ ‎الظلام‎‎ØŒ‎ ‎وعيسى‎ ‎لازال‎ ‎يروي حكايته‎ ‎مع‎ ‎المخيم‎ ‎ØŒ‎ ‎حتى‎ ‎صار‎ ‎المخيم‎ ‎أكبر من‎ ‎مساحة‎ ‎لإيواء‎ ‎الناس‎ ‎المطرودينبفعل القوة‎ ‎والاحتلال،صار‎ ‎كائنا‎ ‎يتحرك‎ ‎في‎ ‎الزمان والمكان،‎ ‎يستمد‎ ‎من‎ ‎الماضي‎ ‎قوة‎ ‎الحاضر‎ ‎واشراقة المستقبل،‎ ‎وفي‎ ‎كل‎ ‎زقة‎ ‎فيه‎ ‎ترى‎ ‎شعارا‎ ‎وصورة وتسمع‎ ‎أغاني‎ ‎الأولاد‎ ‎وهم‎ ‎ينشدون‎ ‎للسلام‎ ‎القائم على‎ ‎العودة‎ ‎والحرية‎ ‎وحق‎ ‎تقرير‎ ‎المصير.

 (المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 21/10/2011)