قدامى الأسرى ... منسيون في عتمة السجن

لم تشفع لهم سنوات الأسر الطويلة بعيدًا عن العالم، مقبورين في عتمة السجن، بالخلاص من قيد السجان الصهيوني البغيض، فهل يتخيل العقل البشري أنّ مواطنًا مدنيًا يعتقل فوق أرضه المحتلة لأزيد من 18 عامًا؟!.
وتمرُّ كل هذه السنوات الطوال، دون أن يتمكن الأسرى القدامى من الاتصال بالعالم الخارجي إلا بما يستطيعون تهريبه من رسائل ورقية، يخطون فيها حكايات وقصصًا تجمع الأمل بالألم، والعتمة بالنور.
ويعيش الأسرى القدامى بلا اعتبار لكبر سنهم، وفي ظروف تفتقر لأدنى الحقوق الإنسانية، منسيون بعد أن استُثنوا من أغلب الصفقات والدفعات التي أفرج عنها خلال السنوات العشر الأخيرة، عدا "صفقة وفاء الأحرار" الأخيرة.

تدفع للجنون
ولم يكن الأسير المحرر محمد أبو خوصة 72 عامًا عن معاناة الأسرى القدامى ببعيد، فخمس وثلاثون سنة قضاها كانت كفيلة بإثراء خبرته حول ممارسات السجان الصهيوني على مدار عُقود اعتقاله. ÙˆÙŠÙ‚ول أبو خوصة: "إن أوضاع السجون وزنازينها لا تلوم ساكنيها إذا ما أصيبوا بالجنون أو العته، خاصةً إذا كان هنالك أسرى قدامى معزولون لأشهر أو سنوات، فغدوا بذلك جزءًا من عتمة السجون".
ويؤكد أنه ما زال يتذكر رائحة زنزانته التي تزكم الأنوف والغبار الذي تراكم على كل شيء هناك، مضيفاً: ناهيك عن "أصناف العذاب النفسي والضغط ومحاولة ابتزاز المعلومات، فمرة يتظاهر أحد المحققين بأنه لطيف ويتصرف بلين، وآخر شديد القسوة، فالسجن يبقى قبرًا للأحياء، والسجان يبقى سجانًا، ومهما كان فهو جلادك".
وحول ذلك، يقول الباحث المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر فروانة إنّ الأسرى القدامى بالذات قضوا معظم شبابهم بين الجدران المظلمة، دون أن يروا العالم من حولهم، وإن منهم من قضى وراء القضبان أكثر مما قضى خارجها.
ويُضيف: إن لهؤلاء الأسرى حياتهم كما بقية البشر، لهم زوجاتهم وأولادهم وبناتهم ومنهم من تزوج أبناؤهم، ممثلةً بذلك جريمة إنسانية وأخلاقية وتاريخية يمارسها الاحتلال.
ويُنوه إلى أنّ أوضاع الأسرى القدامى المعيشية والصحية هي أوضاع مزرية لأبعد حدود، حيث إنهم يعيشون أوضاعًا لا تتناسب مع أبسط المبادئ التي كفلتها الأعراف والمواثيق والمعاهدات الدولية.

ويُبين الباحث أنَّ إدارات المعتقلات الصهيونية تتجاهل عن عمد الظروف الصحية لهؤلاء الأسرى إمعانا في إذلالهم وكسر إرادتهم، مكتفين دائمًا بالمسكنات المؤقتة علاجًا لكافة الأمراض التي يعاني منها الأسرى.

تحديث الخطاب
ويدعو حقوقيون لإعادة صياغة خطاب جديد من شأنه حشد الدعم للأسرى القدامى المنسيين بعيدًا عن الأسلوب القديم الذي ثبت أنه لم يحرك ساكنا بموازين القوى العالمية وأصحاب القرار السياسي الدولي.
وفي ذلك، يقول مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان عصام يونس إن قضية الأسرى من أهم الملفات في القضية الفلسطينية وتحتاج لإعادة صياغة الخطابات الموجهة لصناع القرار وإتقان إبراز معاناة الأسرى وعدم الاكتفاء بإعادة ما قيل وأرسل سابقًا لتلك المؤسسات.
ويضيف يونس "لدينا اهتماماتنا ولدى الآخر "جهات الضغط وصُناع القرار السياسي الدولي" ما يُهمه كذلك، وما يصلح للخطاب الداخلي قد لا يصلح هو الآخر للخطاب الخارجي المليء بعبارات الدعم والتعبئة الجماهيرية"، داعيًا للتعرف إلى أدوات خطاب تلك الجهات لكسب نقاط لمصلحة قضية أولئك الأسرى القدامى تجنبًا لمزيدٍ من تضييع الوقت.
ويُشير إلى أهمية البحث عن منافذ قانونية لتدويل قضية الأسرى في كل العالم كما نجح الغرب في توجيه الأنظار لقضاياه الداخلية عبر إعلامه الفذ، مؤكدًا أن قضية الأسرى تحتاج لتكريس معاناتهم بشكل يحقق نقاطًا إيجابية لهم.
ويوضح أن النتائج الإيجابية يمكن إنجازها عبر التعاون بين المؤسسات الحقوقية والقانونية المحلية والإقليمية والدولية، والتعريف بمعاناة الأسرى من خلال قصص تتناول معاناتهم وقانونية اعتقالهم.

(المصدر: صحيفة فلسطين، 20/4/2012)