والدة الاسير عيسى عبد ربه تصر على الاعتصام والاضراب عن الطعام

ما‎ ‎أن‎ ‎سمعت الوالدة‎ ‎أمونة‎ ‎عبد‎ ‎ربة‎ ‎والدة‎ ‎الأسير‎ ‎عيسى عبد‎ ‎ربه‎ ‎من‎ ‎سكان‎ ‎مخيم‎ ‎الدهيشة‎ ‎للاجئين عن‎ ‎نصب‎ ‎خيمة‎ ‎اعتصام‎ ‎بجانب‎ ‎صرح‎ ‎الشهيد تضامنا‎ ‎مع‎ ‎الاسرى‎ ‎في‎ ‎السجون‎ ‎الصهيونية، إلا‎ ‎وسارعت‎ ‎الى‎ ‎الالتحاق‎ ‎بالمعتصمين‎ ‎كعادتها عند‎ ‎المنعطفات‎ ‎الخطيرة‎ ‎في‎ ‎قضية‎ ‎الأسرى المستمرة‎ ‎على‎ ‎مدى‎ ‎عقود‎ ‎ماضية،‎ ‎فرغم‎ ‎مرضها وتقدم‎ ‎سنها‎ ‎حيث‎ ‎جاوزت‎ ‎الثمانين‎ ‎عاما‎ ‎آثرت النزول‎ ‎الى‎ ‎الخيمة‎ ‎وهي‎ ‎على‎ ‎عربة‎ ‎المقعدين يجرها‎ ‎حفيدها‎ ‎لتجلس‎ ‎في‎ ‎اول‎ ‎الصفوف‏.
ولكن‎ ‎الحاجة "أم‎ ‎نصري"آثرت‎ ‎من‎ ‎تفجير مفاجأة‎ ‎حينما‎ ‎أعلنت‎ ‎عن‎ ‎إضرابها‎ ‎المفتوح عن‎ ‎الطعام‎ ‎تضامنا‎ ‎مع‎ ‎الأسرى‎ ‎فوقع‎ ‎الخبر كالصاعقة‎ ‎على‎ ‎الحضور‎ ‎وخاصة‎ ‎النشطاء منهم‎ ‎لأن‎ ‎من‎ ‎شأن‎ ‎هذا‎ ‎الاضراب‎ ‎ان‎ ‎يؤثر‎ ‎عليها سلبيا‎ ‎كونها‎ ‎مريضة‎ ‎وطاعنة‎ ‎بالسن‎ ‎وليس مطلوبا‎ ‎منها‎ ‎أن‎ ‎تقدم‎ ‎على‎ ‎هذه‎ ‎الخطوة‎ ‎بحسب ما‎ ‎حاول‎ ‎النشطاء‎ ‎من‎ ‎اقناعها‎ ‎ولكنها‎ ‎رفضت وأصرت‎ ‎على‎ ‎اعلان‎ ‎الاضراب،‎ ‎وقالت:"انني‎ ‎أريد أن‎ ‎أقف‎ ‎الى‎ ‎جانب‎ ‎أبنائي‎ ‎الأسرى،‎ ‎ليس‎ ‎عيسى وحده‎ ‎إنهم‎ ‎جميعا‎ ‎أبنائي،‎ ‎وهاهم‎ ‎اليوم‎ ‎يقومون ‏بإضراب‎ ‎عن‎ ‎الطعام‎ ‎من‎ ‎أجل‎ ‎أن‎ ‎يدافعوا‎ ‎عن كرامتهم‎ ‎وشرفهم،‎ ‎كما‎ ‎عودونا‎ ‎دائما،‎ ‎فلماذا‎ ‎لا نقف‎ ‎معهم،‎ ‎وهذا‎ ‎ليس‎ ‎بالغريب‎ ‎على‎ ‎شعبنا الذي‎ ‎دائما‎ ‎كان‎ ‎يقف‎ ‎إلى‎ ‎جانب‎ ‎الأسرى‎ ‎في معاركهم‎ ‎المستمرة".

وأعربت‎ ‎"أم‎ ‎نصري" عن‎ ‎أملها‎ ‎ان‎ ‎تكحل عينيها‎ ‎بنجلها‎ ‎عيسى‎ ‎قبل‎ ‎أن‎ ‎يأخذ‎ ‎الله‎ ‎أمانته كما‎ ‎تقول،‎ ‎إذ‎ ‎"يكفي‎ ‎‏27‏‎ ‎سنة‎ ‎من‎ ‎الأسر‎ ‎داخل السجن،‎ ‎وقد‎ ‎لاقى‎ ‎المزيد‎ ‎من‎ ‎المعانيات‎ ‎والعذابات ولكنه‎ ‎ظل‎ ‎صامدا‎ ‎قويا‎ ‎مؤمنا‎ ‎بعدالتنا‎ ‎وعدالة كفاحنا،‎ ‎ودائما‎ ‎أنا‎ ‎استمد‎ ‎منه‎ ‎القوة‎ ‎والعزيمة والمعنوية‎ ‎العالية".
وأوضحت‎ ‎"أم‎ ‎نصري"‎ ‎إنه‎ ‎في‎ ‎العشرين‎ ‎من الشهر‎ ‎الجاري‎ ‎سيدخل‎ ‎عيسى‎ ‎عامه‎ ‎الثامن والعشرين‎ ‎داخل‎ ‎السجن،‎ ‎وهو‎ ‎محروم‎ ‎من‎ ‎زيارة أشقائه‎ ‎وأبنائهم‎ ‎بدعوى‎ ‎المنع‎ ‎الأمني‎ ‎فقد‎ ‎ظلت منتظمة‎ ‎في‎ ‎زيارة‎ ‎رغم‎ ‎مرضها‎ ‎حيث‎ ‎صممت على‎ ‎المواظبة‎ ‎مهما‎ ‎كلف‎ ‎الثمن. وواصلت‎ ‎الليل والنهار،‎ ‎وسنة‎ ‎وراء‎ ‎سنة‎ ‎وهي‎ ‎تلاحق‎ ‎إبنها‎ ‎من سجن‎ ‎إلى‎ ‎سجن،‎ ‎لم‎ ‎تنقطع‎ ‎عن‎ ‎زيارته،‎ ‎مشحونة دائما‎ ‎بالأمل‎ ‎وهي‎ ‎تقول: "لن‎ ‎يغلق‎ ‎السجن‎ ‎على أحد،‎ ‎هذه‎ ‎الأم‎ ‎العظيمة‎ ‎التي‎ ‎لم‎ ‎تترك‎ ‎اعتصاما ولا‎ ‎إضرابا‎ ‎عن‎ ‎الطعام‎ ‎ولا‎ ‎مسيرة‎ ‎تضامنية‎ ‎مع الأسرى‎ ‎إلا‎ ‎وشاركت‎ ‎فيها‎ ‎ورفعت‎ ‎صوتها‎ ‎مع سائر‎ ‎الأمهات‎ ‎تطالب‎ ‎بإطالق‎ ‎سراحالأسرى وإنهاء‎ ‎معاناتهم.
لقد‎ ‎كبرت‎ ‎في‎ ‎السن،‎ ‎وأصابها‎ ‎المرض،‎ ‎ولم تعد‎ ‎‎قادرة‎ ‎الآن‎ ‎على‎ ‎الحركة‎ ‎إلا‎ ‎على‎ ‎كرسي متحرك،‎ ‎ومع‎ ‎ذلك‎ ‎تصر‎ ‎أن‎ ‎تذهب‎ ‎إليه‎ ‎في‎ ‎كل زيارة‎ ‎قائلة: "سأراه‎ ‎حتى‎ ‎الرمق‎ ‎الأخير،‎ ‎لن‎ ‎أغيب عنه‎ ‎ولن‎ ‎يغيب‎ ‎عني".
لقد‎ ‎تأملت‎ ‎والدته‎ ‎كثيراً‎ ‎أن‎ ‎يطلق‎ ‎سراح الأسرى فيصفقة‎ ‎شاليط‎ ‎وفيالمفاوضات السياسية،‎ ‎وعندما‎ ‎التقت‎ ‎مع‎ ‎الرئيس‎ ‎أبو مازن‎ ‎في‎ ‎الإفطار‎ ‎الجماعي‎ ‎في‎ ‎شهر‎ ‎رمضان‎ ‎قبل الماضي‎ ‎مع‎ ‎سائر‎ ‎أهالي‎ ‎الأسرى‎ ‎القدامى‎ ‎قالت ‏له: "هم‎ ‎أبناؤك‎ ‎وأولادك‎ ‎وينتظرون‎ ‎منك‎ ‎أن تضغط‎ ‎وتعمل‎ ‎على‎ ‎إنهاء‎ ‎معاناتهم‎ ‎الطويلة"ØŒ وأطلقت‎ ‎في‎ ‎وسط‎ ‎المقاطعة‎ ‎زغاريداً‎ ‎تمتزج فيها‎ ‎الدموع‎ ‎مع‎ ‎الأمل‎ ‎والحنين‎ ‎الى‎ ‎غد‎ ‎أجمل بلا‎ ‎معاناة‎ ‎وعذاب .‎
لقد‎ ‎تعرض‎ ‎عيسى‎ ‎خلال‎ ‎‏27‏‎ ‎عاما‎ ‎إلى‎ ‎العزل والقمع‎ ‎والتنقل‎ ‎من‎ ‎سجن‎ ‎إلى‎ ‎سجن،‎ ‎وكان‎ ‎دائما يخاف‎ ‎على‎ ‎كل‎ ‎ما‎ ‎يكتبه‎ ‎ويرسمه‎ ‎في‎ ‎السجن من‎ ‎المصادرة‎ ‎على‎ ‎يد‎ ‎السجانين،‎ ‎فقام‎ ‎بإخراج يومياته‎ ‎وخربشاته‎ ‎وصور‎ ‎زملائه‎ ‎بالسجن‎ ‎إلى والدته‎ ‎التي‎ ‎تحتفظ‎ ‎بها‎ ‎في‎ ‎صندوق‎ ‎مع‎ ‎مفتاح البيت‎ ‎القديم‎ ‎في‎ ‎قرية‎ ‎الولجة.‎
وزير الأسرىعيسى‎ ‎قراقع‎ ‎الذي يزور"أم نصري"‎ ‎دائما‎ ‎يقول: "الغرفة‎ ‎التي‎ ‎تعيش‎ ‎فيها أم‎ ‎نصري‎ ‎عبارة‎ ‎عن‎ ‎سجن،‎ ‎صور‎ ‎عيسى‎ ‎وأسرى كثيرون‎ ‎معلقة‎ ‎على‎ ‎الحيطان،‎ ‎وهدايا‎ ‎رمزية عديدة‎ ‎منتشرة‎ ‎في‎ ‎أنحاء‎ ‎البيت،‎ ‎كراسات‎ ‎Ùˆ كتب‎ ‎ورسائل‎ ‎عديدة‎ ‎تحاول" ‎أم‎ ‎عيسى"‎ ‎أن‎ ‎تقرأ منها‎ ‎على‎ ‎جميع‎ ‎من‎ ‎يزورها".‎
27‏‎ ‎عاما‎ ‎في‎ ‎الظلام، وعيسى‎ ‎لازال‎ ‎يروي حكايته‎ ‎مع‎ ‎المخيم،حتى‎ ‎صار‎ ‎المخيم‎ ‎أكبر من‎ ‎مساحة‎ ‎لإيواء‎ ‎الناس‎ ‎المطرودين‎ ‎بفعل القوة والاحتلال، صار كائناً يتحركفي الزمان‎ ‎والمكان،‎ ‎يستمد‎ ‎من‎ ‎الماضي‎ ‎قوة‎ ‎الحاضر واشراقة‎ ‎المستقبل،‎ ‎وفي‎ ‎كل‎ ‎زقة‎ ‎فيه‎ ‎ترى‎ ‎شعارا ‏وصورة‎ ‎وتسمع‎ ‎أغاني‎ ‎الأولاد‎ ‎وهمينشدون للسلام‎ ‎القائم‎ ‎على‎ ‎العودة والحريةوحق تقرير‎ ‎المصير.‎‏ ‏

 

(المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 14/10/2011)