المسن "عرام" .. المرض يلاحقه منذ اعتقال نجله

جلس المُسن عبد المنعم عرام (50 عامًا) من سكان مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة كعادته بين أولاده في منزله الضيق لينتظر عودة نجله الأكبر إبراهيم من مدينة غزة عبر حاجز المطاحن "محفوظة"، الذي يفصل وسط القطاع عن جنوبه قبيل الانسحاب الصهيوني من غزة 2005.
فهاجس الخوف لا يفارق المُسن عرام طيلة فترة غياب نجله، رغم علمه أنه مواطن كغيره ممن يجتازون الحاجز لقضاء مصالحهم من وإلى مدينة غزة أو لوسط القطاع ويعودون، لكنه صدم باتصال هاتفي يخبره بأن نجله استشهد على الحاجز المذكور.
كان هذا الحدث بتاريخ 1/ 3/ 2003 ، وحينها سارع الوالد للتأكد من الخبر بالاتصال بأصدقائه والمشافي، إلى أن تبين أنّ ولده اعتقل بعد تفتيش السيارة التي كان يستقلها والتدقيق في هويات ركابها ونقل لأحد السجون الصهيونية.
ولم يقف المسن عرام مكتوف الأيدي أمام ما حدث لنجله، فحاول زيارته عدة مرات، وتوقيف أحد المحامين لمحاولة الإفراج عنه، إلا أن محاولاته لم تفلح في إنقاذ نجله من بين براثن المحتلين.
التهمة التي وُجهت للأسير عرام هي محاولة تنفيذ عملية على الحاجز المذكور والانتماء للجبهة الديمقراطية، وحُكم عليه بناءً على ذلك ب 37 سنة، قلصت بعد عدة جلسات بالمحكمة الصهيونية وضغوطات المحامين ل 24 عامًا، قضى منها نحو 10سنوات، دون أن تتمكن عائلته من رؤيته إلا مرات معدودة.

جلطة وأمراض مزمنة
ولم يكن وقع خبر مدة الحكم بالنسبة للمسن عبد المنعم على نجله بالسهل، حيث أصيب بجلطة حادة في قدمه، تسببت بشلل جزئي بحركته، تلتها بعد أشهر جلطة بالقدم الأخرى، ناتجة عن ضيق وحزن شديد تسبب به منع الاحتلال له من رؤيته وزيارته، ولم يقف الحزن والأسى المتسببان بالمرض إلى هنا، بل طاله مرض السكري والضغط المزمن! وعلى ما يبدو، فإن الاحتلال لم يكتف باعتقال عرام ومنع ذويه من زيارته، بل ذهب بجرافته لهدم منزله الكائن بمخيم خان يونس، وتشتيت عائلته وزوجته وطفلته دنيا (4 سنوات) وبلال (عامان)، لتضطر العائلة إلى استئجار شقة بمنطقة الكتيبة، بينما لجأت زوجته وطفلاها لضيق المنزل إلى العيش بين أحضان عائلتها بمحافظة رفح جنوب القطاع. ورغم كل ما حدث لها، لم تنهر معنويات عائلة عرام. يقول والده المُقعد بابتسامه عريضة: "لم يكن يوماً السجن عاراً بل شرف لنا أن نسجن عند عدونا، فلو أتمكن من قتل صهيوني وأفرج عن ابني وباقي الأسرى ليناولوا الحرية ويتحقق حلمهم وحلم ذويهم لأفعل ذلك".
ويشعر والده بحزن وهمّ كبيرين لأنه لم يعد قادرًا على الذهاب والمشاركة باعتصامات ذوي الأسرى، مكتفيا بإرسال زوجته المسنة وأولاده للمشاركة.
ويشد عرام - الذي يتمتع بمعنوياتٍ عالية رغم الحزن والهم والمرض- على يد الأسرى، متمنيًا عليهم البقاء موحدين ومرفوعي الهامة حتى تتحقق مطالبهم، مطالبًا العالم بالنظر للأسرى والاهتمام أكثر بقضيتهم، والعمل على إنهاء معاناة ذويهم والسماح لهم بالزيارة على الأقل.

في الذاكرة
أما والدة الأسير فايزة عرام ( 45 عامًا) - والتي لم ترَ ابنها وتعانقه منذ ما يزيد على 5 سنوات - فلا يكاد يمر يوم دون تنهمر عيناها بالبكاء، عندما تتذكر الأيام الجميلة التي قضتها برفقته قبل الاعتقال، أثناء النظر لصوره التي أخذت حيزًا من جدران المنزل.
ولا تستطيع والدة الأسير كغيرها من أمهات الأسرى التواصل مع ابنها لعدم سماح الاحتلال لهم بالزيارة، مكتفية بمراسلته بين الفترة والأخرى عبر رسائل مكتوبة من خلال الصليب الأحمر، وتقول: "والله الفراق صعب، لكن ليس بيدي شيء أفعله، سوى الطلب من الله عز وجل الفرج لهم".
ولم تخف خشيتها على ابنها في ظل إضراب الأسرى عن الطعام، وتزايد الاعتداءات بحقهم، الأمر الذي جعلها تعيش في توتر وقلق دائمين، وتضرب عن الطعام ليومٍ واحد تضامنًا معهم، وتساءلت: "كيف يأتي لي نفس لتناول الطعام وابني محروم منه!".

وتتمنى عرام على الجهات المسئولة بما فيها الهيئات الحقوقية والمعنية بشئون الأسرى والدول العربية أن تعمل على إطلاق سراح الأسرى، أو على الأقل السماح لهم بالزيارة وتوصيل الملابس وما يلزم من حاجيات لهم، والاطمئنان عليهم عن قُرب.

(المصدر: صحيفة فلسطين، 23/4/2012)