أم بهاء تتلمس أخبار ابنها في وجوه المتضامنين

اقتربنا منها فتساءلت مباشرة "هل هناك أخبار جديدة عن بهاء"؟، وأردفت قبل سماع إجابتنا "إن كان خبرا سيئا بالله لا تنقلوه، فأنا لا أرغب في سماع أخبار سيئة عن ابني المضرب عن الطعام منذ ثمانية وعشرين يوما. والدة الأسير بهاء القصاص، أم نبيل"، التي تجاوزت السبعين عاما، بحثت عن مكان مظلل لتقضى نهارها في خيمة التضامن مع الأسرى وسط مدينة غزة، وحال لسانها يقول: "ولو حرقتنى الشمس بلهيبها يا بهاء لن أتنازل عن التضامن معك".

بهاء القصاص (29 عاما) اعتقل إثر انتقاله من غزة إلى الضفة الغربية للدراسة، والتحاقه بأجهزة الأمن قبلَ عشر سنوات إلا شهر فقط، وفق والدته التي أكدت أن صغيرها كان في سن التاسعة عشرة فقط لحظة ألقي القبض عليه.
"دخلَ بهاء سجن يعج بالعصافير (عملاء الاحتلال) ولجهله بقواعد السلامة للأسرى اعترفَ أمامهم بكافة أعماله، التي تضمنت في أغلبها إطلاق النار على دوريات لجيش الاحتلال الصهيوني، وحُكم عليه إثر اعترافاته بالسجن23" عاماً" قضى منها عشر سنوات إلا شهراً فقط".
"تخافين عليه"؟ سألناها فأجابت بحرقة دفعتها لنفض الغبار عن يدها وتركيز النظر في صورة أسير كانت أمامها مباشرة: "أكاد أموت عليه حرقاً وخوفا".
وتابعت: "كان بهاء يوصي كافة زملائه الذين ينهون أحكامهم بالاتصال بي والاطمئنان على حالي وإبلاغي بسلاماته الحارة، وفي بعض الأوقات كان يرسل إليّ رسائل تفيض شوقاً وحباً، فأنا بالنسبة له الأب والأم معًا، خاصة بعدَ وفاة والده قبل ثلاث سنوات".

تنتظر زيارة
والد بهاء منذ اعتقال نجله الصغير أُصيب بضغط الدم وتبعه داء السكر وانتهى الأمر به ميتاً بالجلطة حزناً وقهراً، قبلَ أن يرى ابنه ويطمئن على حاله.
الكثيرة من الذكريات تجمع بينَ أم نبيل وبهاء، فهي تذكر أن ابنها منذ كان رضيعاً يرتبط بها بصورة غير طبيعية، ويتوقف عن البكاء فجأة إن هو سمعَ صوتها، ولا تزال حتى الآن تذكر يوم دخلَ المدرسة للمرة الأولى كأنه البارحة.

وأضافت الوالدة وعيناها تبرقان بدموع حارة "أرسلته للمدرسة وانتظرت عودته وفي بالي أن ابني أصبحَ كبيرا وبإمكانه الاعتماد على نفسه، وبمجرد وصوله إلى المنزل أجهش بالبكاء، وأخبرني أنه ما كفَ لحظة عن إهدار الدموع في الفصل، وأنه يرغب بأن أرافقه في اليوم التالي، فأدركت وقتها أنه مهما كبر فسيبقى صغيرا صدري الحنون أقرب إليه من الدنيا وما فيها".
الوالدة التي أعياها النظر في الوجوه الحزينة حولها لم تجد كلاماً لتقوله، فتوقعت أن يكون الزلزال الذي أصاب السواحل الفلسطينية نتيجة حتمية لتكبيرات الأسرى العالية في السجون، وضربات أيديهم الهزيلة على أبواب الزنازين.
ولم تنقطع الوالدة التي كانت تتلمس أخباراً عن بهاء في وجوه الحاضرين عن زيارة الصليب الأحمر للتضامن مع ابنها، وهي أول المتضامنين معه في إضرابه عن الطعام، إذ قالت:" منذ اعتقاله وأنا أزور الصليب الأحمر عسى أن أتمكن من نقل صوتي وصورتي له في أسره، وها أنا الآن أقسمت ألا أتخاذل يوما عن التضامن مع ابني حتى تتحقق مطالبه ومطالب زملائه".
أكثر ما ترغب الوالدة الحزينة على ابنها هو أن تتمكن من زيارته مرة أخرى بعدَ انقطاعها عنه سبع سنوات متواصلات، إذ قالت: أشتاق جدا لشكله وصوته وعينيه العسليتين، وأدعو الله أن أراه بصحة جيدة قبلَ أن يتوفاني الله، حتى لو كان لقاؤنا من خلف الشبك".
لم يؤد المسئولين واجبهم تجاه الأسرى بصورة جيدة، ذلك ما تراه أم بلال، متسائلة:" أين القلوب الرحيمة التي تعطف على أبنائنا الذين يواجهون الموت بأمعاء خاوية، وتنصرهم على الاحتلال"؟.

صمتت لحظة ، وعاودت تساؤلاتها وعيناها اللتان تغطيهما التجاعيد توسعت مقلتاهما:" لماذا يصر الجميع على خذلان أبنائنا في سجونهم، ولماذا لا يتحرك الجميع مرة واحدة لتحريرهم"؟!.

(المصدر: صحيفة فلسطين، 15/5/2012)