المحرر عبد الصمد: الحرية حلم جماعي يتحقق عندما نحطم كل القيود ونقتلع كل الأسلاك الشائكة

ربع‎ ‎قرن‎ ‎أمضى الأسير‎ ‎مؤيد‎ ‎عبد‎ ‎الرحيم‎ ‎اسعد‎ ‎عبد‎ ‎الصمد خلف‎ ‎القضبان‎ ‎التي‎ ‎‎كتب‎ ‎اسمه‎ ‎على‎ ‎جدران غرفها‎ ‎وزنازينها‎ ‎يتمسك‎ ‎وينتظر‎ ‎تحقيق‎ ‎الحلم والأمل‎ ‎الذي‎ ‎حرمه‎ ‎الاحتلال‎ ‎منه‎ ‎بعدما‎ ‎‎أدرج اسمه‎ ‎ضمن‎ ‎قائمة‎ ‎الملطخة‎ ‎أيديهم‎ ‎بالدماء‎ ‎وشطب من‎ ‎كل‎ ‎الصفقات‎ ‎والافراجات، وفي‎ ‎خطواته‎ ‎الأولى ‏نحو‎ ‎طريق‎ ‎الحرية‎ ‎ما‎ ‎زال‎ ‎يشعر‎ ‎كما‎ ‎قال: "‎إن لوحة‎ ‎الأمل‎ ‎ما‎ ‎زالت‎ ‎منقوصة‎ ‎ولن‎ ‎تكتمل،‎ ‎لان مفهوم‎ ‎الحرية‎ ‎‎الذي‎ ‎آمنا‎ ‎فيه‎ ‎لا‎ ‎يرتبط‎ ‎بالفرد وذاته‎ ‎وحلمه‎ ‎الشخصي‎ ‎وإنما‎ ‎بحياة‎ ‎ترتبط‎ ‎بكل تفاصيلها‎ ‎باسم‎ ‎كل‎ ‎أسير‎ ‎وأسيرة‎ ‎من‎ ‎‎مناضلي فلسطين،‎ ‎فهو‎ ‎حلم‎ ‎جماعي‎ ‎يتحقق‎ ‎عندما‎ ‎نحطم كل‎ ‎القيود‎ ‎ونقتلع‎ ‎كل‎ ‎الأسلاك‎ ‎الشائكة‎ ‎ونمحي من‎ ‎سطور‎ ‎‎حياتنا‎ ‎أكثر‎ ‎الأسماء‎ ‎والصفات‎ ‎كراهية لقلب‎ ‎كل‎ ‎فلسطيني‎ ‎وأسير‎ ‎السجن‎ ‎والسجان ويصبح‎ ‎موعدنا‎ ‎مع‎ ‎الحرية‎ ‎‎قريب".

اللحظة‎ ‎المنتظرة
موعد‎ ‎انتظره‎ ‎مؤيد‎ ‎الذي‎ ‎يعتبر‎ ‎احد‎ ‎قادة الجبهة‎ ‎الشعبية‎ ‎لتحرير‎ ‎فلسطين‎ ‎وعمدائها‎ ‎وهو ‏يشارك‎ ‎رفاقه‎ ‎الأسر‎ ‎كل‎ ‎ملاحم‎ ‎الصمود‎ ‎ومعارك التحدي،‎ ‎وعندما‎ ‎بدأت‎ ‎أولى‎ ‎ملامحه‎ ‎تتجسد‎ ‎كان يقضي‎ ‎عقوبته‎ ‎‎في‎ ‎زنازين‎ ‎سجن‎ ‎شطة‎ ‎مع‎ ‎رفيق دربه‎ ‎سامر‎ ‎المحروم وكلالمضربين‎ ‎عن‎ ‎الطعام الذين‎ ‎التحقوا‎ ‎في‎ ‎معركة‎ ‎‎الأمعاء‎ ‎الخاوية‎ ‎دفاعا عن‎ ‎كرامتهم‎ ‎وإنسانيتهم‎ ‎وحقوقهم.‎
وأضاف: "وفي‎ ‎مقدمتها‎ ‎إنقاذ‎ ‎حياة‎ ‎مناضلينا وقادتنا‎ ‎‎الذين‎ ‎يتعرضون‎ ‎للموت‎ ‎البطيء‎ ‎في أقسام‎ ‎العزل‎ ‎ومقابر‎ ‎الأحياء،‎ ‎فمع‎ ‎تصاعد ممارسات‎ ‎إدارة‎ ‎‎السجون‎ ‎اللانسانية‎ ‎التي‎ ‎صادرت حقوقنا‎ ‎الأساسية‎ ‎وحاولت‎ ‎امتهان‎ ‎كرامتنا‎ ‎وإذلالنا لم‎ ‎يكن‎ ‎أمامنا‎ ‎خيار‎ ‎سوى‎ ‎‎الإضراب‎ ‎الذي‎ ‎واصلنا خوضه‎ ‎رغم‎ ‎العقوبات‎ ‎التي‎ ‎في‎ ‎إطارها‎ ‎جرى قمعنا‎ ‎من‎ ‎سجن‎ ‎جلبوع‎ ‎لشطة"‎ØŒ‎ ‎وقال‎ ‎‎كنا‎ ‎في اليوم‎ ‎السابع‎ ‎عشرة‎ ‎من‎ ‎إضرابنا‎ ‎عن‎ ‎الطعام‎ ‎عندما علمنا‎ ‎أن‎ ‎حماس‎ ‎وقعت‎ ‎الصفقة‎ ‎مع‎ ‎الكيان،‎ ‎وفي ‏البداية‎ ‎اعتقدنا‎ ‎انها‎ ‎مؤامرة‎ ‎ولعبة‎ ‎من‎ ‎الإدارة لكسر‎ ‎وإفشال‎ ‎الإضراب‎ ‎خاصة‎ ‎وأننا‎ ‎نعيش‎ ‎عزلة تامة‎ ‎عن‎ ‎العالم‎ ‎‎الخارجي". ورغم‎ ‎ضبابية‎ ‎الموقف،‎ ‎ارتسمت‎ ‎بعض‎ ‎معالم الأمل‎ ‎في‎ ‎القلوب‎ ‎التي‎ ‎كانت‎ ‎تخوض‎ ‎التحدي،‎ ‎وترددت‎ ‎الدعوات‎ ‎في‎ ‎أعماقهم‎ ‎ليكون‎ ‎الخبر صحيحا،‎ ‎ويقول‎ ‎مؤيد: "‎انتابتنا‎ ‎كل‎ ‎المشاعر‎ ‎خوفا وفرحا، حزنا‎ ‎وقلقا،‎ ‎‎وكنا‎ ‎نتأمل‎ ‎أن‎ ‎نعرف‎ ‎اليقين لذلك‎ ‎حافظنا‎ ‎على‎ ‎هدوئنا،‎ ‎لكن‎ ‎خلال‎ ‎نقلنا للعيادة‎ ‎لإجراء‎ ‎الفحوص‎ ‎سمعنا‎ ‎نشرة‎ ‎‎الأخبار التي‎ ‎أكدت‎ ‎توقيع‎ ‎الصفقة‎ ‎واستمرينا‎ ‎في‎ ‎المتابعة على‎ ‎أحر‎ ‎من‎ ‎الجمر‎ ‎حتى‎ ‎سمعت‎ ‎اسمي‎ ‎واسم‎ ‎سامر ‏وبعض‎ ‎المعتقلين‎ ‎معنا،‎ ‎لحظتها‎ ‎تقاذفتنا‎ ‎مشاعر مختلطة‎ ‎فرح‎ ‎ذاتي‎ ‎وشخصي‎ ‎ووطني‎ ‎انه‎ ‎تحقق نصر‎ ‎رائع‎ ‎‎بكسر‎ ‎المعايير‎ ‎التي‎ ‎ظلمتنا‎ ‎طوال السنوات‎ ‎الماضية، وشعور‎ ‎حزن‎ ‎وسخط‎ ‎وألم‎ ‎بأن كثير‎ ‎من‎ ‎الأسماء‎ ‎التي‎ ‎‎عاشت‎ ‎معنا‎ ‎ورافقتنا‎ ‎طوال مسيرة‎ ‎الأسر‎ ‎لم‎ ‎ترد‎ ‎أسماءهم‎ ‎في‎ ‎الصفقة"‎ØŒ وأضاف:‎ أما‎ ‎المنغص‎ ‎الأخطر‎ ‎‎والتي‎ ‎أثار‎ ‎القلق والرعب‎ ‎لدينا‎ ‎قلقنا‎ ‎على‎ ‎رفاقنا‎ ‎الأسرى‎ ‎الثمانين المعزولين‎ ‎المضربين‎ ‎عن‎ ‎الطعام‎ ‎في‎ ‎شطة‎ ‎‎وبعضهم ليس‎ ‎لديهم‎ ‎خبرة‎ ‎وتجربة‎ ‎في‎ ‎مسالة‎ ‎الإضرابات كونهم‎ ‎معتقلين‎ ‎جدد،‎ ‎فأصبح‎ ‎تفكيرنا‎ ‎الأوحد كيف‎ ‎‎سنتركهم‎ ‎يواصلون‎ ‎الإضراب‎ ‎ونحن‎ ‎نتحرر، لذلك‎ ‎لم‎ ‎تكتمل‎ ‎فرحتنا‎ ‎وبقي‎ ‎مزيج‎ ‎من‎ ‎المشاعر المختلطة‎ ‎ولم‎ ‎‎نتمكن‎ ‎من‎ ‎التعبير‎ ‎عن‎ ‎سعادتنا‎ ‎في أجمل‎ ‎لحظة‎ ‎انتظرناها‎ ‎أو‎ ‎حتى‎ ‎حزننا‎ ‎لان‎ ‎ذلك سيؤثر‎ ‎على‎ ‎الأسرى، فاستمرينا‎ ‎في‎ ‎الإضراب معهم‎ ‎وتحفيزهم‎ ‎ورفع‎ ‎معنوياتهم‎ ‎فالمعركة‎ ‎في ذروتها‎ ‎بعدما‎ ‎دخل‎ ‎الإضراب‎ ‎أسبوعه‎ ‎‎الثالث". خرجنا‎ ‎مضربين‎ ‎عن‎ ‎الطعام لم‎ ‎يغمض‎ ‎جفن‎ ‎لمؤيد‎ ‎ورفاقه‎ ‎في‎ ‎انتظار الإعلان‎ ‎الرسمي‎ ‎عن‎ ‎الأسماء‎ ‎‎لأن‎ ‎الإدارة‎ ‎تكتمت على‎ ‎كل‎ ‎شيء،‎ ‎وواصل‎ ‎إضرابه‎ ‎ودوره‎ ‎القيادي‎ ‎في تحفيز‎ ‎الأسرى،‎ ‎حيث‎ ‎قال: "كانت‎ ‎‎لحظات‎ ‎صعبة لم‎ ‎اعش‎ ‎مثلها‎ ‎طوال‎ ‎اعتقالي‎ ‎رغم‎ ‎أن‎ ‎معنوياتي دوما‎ ‎كانت‎ ‎عالية‎‎ØŒ فوضع‎ ‎الرفاق‎ ‎في‎ ‎الإضراب‎ ‎‎كان مؤثر‎ ‎وواجبنا‎ ‎أن‎ ‎نمنع‎ ‎أي‎ ‎انتكاسة‎ ‎تهدر‎ ‎تضحياتنا وصمودنا‎ ‎في‎ ‎المعركة، بينما‎ ‎اللحظات‎ ‎تمضي ونحن‎ ‎‎ننتظر‎ ‎التفاصيل‎ ‎والحقائق‎ ‎أبلغتنا‎ ‎الإدارة أن‎ ‎أسماءنا‎ ‎مدرجة‎ ‎وطلبوا‎ ‎منا‎ ‎الاستعداد،‎ ‎تأثرت وسامر‎ ‎كثيرا‎ ‎في‎ ‎وداع‎ ‎‎رفاقنا‎ ‎وكنا‎ ‎نتأمل‎ ‎أن‎ ‎نخرج سويا‎ ‎ولن‎ ‎أنسى‎ ‎فرحتهم‎ ‎رغم‎ ‎أعباء‎ ‎الإضراب‎ ‎وهم يودعوننا،‎ ‎وخرجنا‎ ‎ونحن‎ ‎‎مضربين‎ ‎عن‎ ‎الطعام ورفضنا‎ ‎فكه‎ ‎وأبلغناهم‎ ‎انه‎ ‎إذا‎ ‎استمر‎ ‎بعد‎ ‎تحررنا سنبقى‎ ‎مضربين‎ ‎ونتوجه‎ ‎لخيم‎ ‎الاعتصام،‎ ‎‎فلن نتخلى‎ ‎عنهم‎ ‎ولن‎ ‎ننساهم‎ ‎وسنبقى‎ ‎نناضل‎ ‎حتى نعيش‎ ‎جميعا‎ ‎حريتنا‎ ‎كاملة".

ذكريات‎ ‎ومواقف
لن‎ ‎ينسى‎ ‎مؤيد‎ ‎‎لحظات‎ ‎عناقه‎ ‎ورفيقيه سامر‎ ‎المحروم‎ ‎وحمزة‎ ‎زايد‎ ‎بعدما‎ ‎صعدوا‎ ‎للحافلة رغم‎ ‎محاولات‎ ‎الإدارة‎ ‎التنغيص‎ ‎على‎ ‎‎كل‎ ‎الماضين نحو‎ ‎الحرية،‎ ‎وقال: "عشنا‎ ‎معا‎ ‎سنوات‎ ‎النضال والتحدي‎ ‎ومعركة‎ ‎الأسر،‎ ‎حلمنا‎ ‎وتألمنا‎ ‎وفرحنا ‏وبكينا‎ ‎معا‎ ‎وتحررنا‎ ‎معا،‎ ‎وفي‎ ‎الحافلة‎ ‎التي‎ ‎أقلتنا من‎ ‎شطة‎ ‎عزلوا‎ ‎حمزة‎ ‎عنا‎ ‎بينما‎ ‎احتجزت وسامر‎ ‎في‎ ‎زنزانة‎ ‎‎انفرادية‎ ‎وعزلونا‎ ‎عن‎ ‎باقي الأسرى‎ ‎بسبب‎ ‎إضرابنا،‎ ‎وجلسنا‎ ‎نتحمل‎ ‎الم الحديد‎ ‎ساعات‎ ‎لم‎ ‎نتوقف‎ ‎خلالها‎ ‎عن‎ ‎‎الحديث عن‎ ‎مشاعرنا‎ ‎وشوقنا‎ ‎للأهل‎ ‎والحرية،‎ ‎ولكن‎ ‎كنا حذرين‎ ‎بسبب‎ ‎تجربة‎ ‎صفقة‎ ‎عام‎ ‎‏1983‏‎ ‎عندما اخرجوا‎ ‎‎محررين‎ ‎للطائرات‎ ‎وأعادوهم‎ ‎للسجن". وأضاف: "ورغم‎ ‎أننا‎ ‎كنا‎ ‎في‎ ‎حالة‎ ‎إعياء، فرحنا‎ ‎وكنا‎ ‎نسخر‎ ‎من‎ ‎‎إدارة‎ ‎السجان‎ ‎التي‎ ‎انتصرنا عليها‎ ‎ونستعرض‎ ‎مسيرتنا‎ ‎وما‎ ‎رافقنا‎ ‎في الأسر‎ ‎تارة‎ ‎نضحك‎ ‎وأخرى‎ ‎نحزن‎ ‎‎ونتألم‎ ‎نتيجة الذكريات‎ ‎ولحزننا‎ ‎على‎ ‎رفاقنا‎ ‎الأسرى‎ ‎الذين تركوا‎ ‎بالسجن". ومع‎ ‎مرور‎ ‎الوقت،‎ ‎كان‎ ‎يستحضر‎ ‎‎مؤيد‎ ‎صورا كثيرة‎ ‎لألم‎ ‎حرمه‎ ‎الفرح‎ ‎ورفاقه‎ ‎الأسرى،‎ ‎وقال:‎‏ ‏"‎في‎ ‎الفرح‎ ‎لا‎ ‎يتذكر‎ ‎الإنسان‎ ‎سوى‎ ‎ألمه،‎ ‎ولطالما ‏مرت‎ ‎علينا‎ ‎فترات‎ ‎قاسية‎ ‎خاصة‎ ‎عندما‎ ‎نفتقد والد‎ ‎ووالدة‎ ‎الأسير‎ ‎أو‎ ‎قائد‎ ‎أو‎ ‎أي‎ ‎شهيد،‎ ‎لحظات مؤلمة‎ ‎كنا‎ ‎نشعر‎ ‎‎بثقلها‎ ‎ونواجهها‎ ‎بقوة‎ ‎وثبات وتحمل‎ ‎منقطع‎ ‎النظير‎ ‎لان‎ ‎سنة‎ ‎حياتنا‎ ‎ونضالنا أن‎ ‎نتحمل‎ ‎الآلام‎ ‎ونبني‎ ‎من‎ ‎صروح‎ ‎‎الآمال‎ ‎الشيء العظيم،‎ ‎وتذكرت‎ ‎والدي‎ ‎ورحيلهما‎ ‎قبل‎ ‎أن‎ ‎يعيشا هذه‎ ‎اللحظة‎ ‎فكم‎ ‎كانت‎ ‎سعادتي.

(المصدر:صحيفة القدس الفلسطينية)