المبعد الكيلاني: شعبنا أقوى من الاحتلال وقادر على تحرير أسراه

 

"سنعود ولن تطول الغربة ومثلما كسرنا القيد وكل اللاءات والاشتراطات والمعايير ‏الصهيونية وتحقق وعد الصدق والوفاء للمقاومة نعاهد شعبنا إننا لن نتنازل عن حقنا المشروع في العودة ولن ‏نعيش إلا بين أهلنا وفي منازلنا"ØŒ بهذه الكلمات استهل المحرر المبعد الجريح زيد عرسان حافظ الكيلاني 38 ‏عاماً من قرية سيريس قضاء جنين حديثه فور وصوله الى غزة، وأضاف: "طوال السنوات الماضية ‏ودولة الاحتلال تقول إنه لن يفرج عن ذوي المؤبدات ولن يكون صفقة حول الإحكام العالية ولكن سقطت كل ‏المعايير، وانتصرت المقاومة لصرخات الأسرى وذوينا، وحققت انجازا تاريخيا يؤكد أن ‏شعبنا أقوى من الاحتلال وانه قادر على تحرير أسيراته وأسراه ومصمم على مواصلة المعركة حتى إخلاء ‏السجون وتحرير كل الأسرى.

مفاجأة كبرى
ورغم إبعاده، يعيش الكيلاني لحظات فرح حقيقية بعدما تنسم ‏هواء الحرية وفوجئ بوصول والديه وزوجته الى غزة ليكونوا في استقباله ومع المحتفلين بحريته، وقال: "في ‏البداية حزنت بسبب الإبعاد، ولكن غزة جزء من الوطن وما دمت حرا فذلك أجمل بكثير من السجن وعذابه ‏ØŒ لكن الفرحة الأكبر كانت عندما وجدت أهلي، سافروا من جنين وشاهدتهم ينتظرونني شعرت بنشوة الانتصار ‏وهزيمة السجن والسجان، وأصبح لدي يقين أكثر انه مثلما هزمنا السجن سنكسر هذه الحدود والحواجز ونعود ‏لمنزلنا وقريتنا ويجتمع الشمل ويتحقق الحلم الذي كنا نشعر في كثير من الأحيان انه مستحيل وبحاجة لمعجزة، ‏ولكن الله صبرنا وثبتنا وعشنا يوم العرس والنصر بنجاح صفقة الوفاء للأحرار التي جمعت شملي مع أسرتي ‏وأهلي.

المشهد في غزة
تعالت الأهازيج في منزل عائلة الكيلاني فور سماع اسمه ضمن الصفقة، وفي اقل من ‏‏24 ساعة وصلت الى غزة لتكون مع أبناء شعبنا في انتظاره، ويقول والده: "منذ اعتقال زيد توجهنا لكافة ‏المؤسسات وقرعنا كافة الأبواب لمساعدتنا على إدخال لجنة طبية متخصصة لمتابعة علاجه والسماح بتوفير ‏العلاج المناسب حتى على نفقتنا، ولكن سلطات الاحتلال رفضت ورغم ذلك وجراء الحكم القاسي فإننا لم نفقد ‏الأمل، وبحمد الله استجاب الله عائلته لدعواتنا ورغم إنني عانقته وقبلته وبكيت وهو بين يدي أحيانا لا اصدق، ولكن زيد أصبح ‏حرا حتى وان كان الى غزة فالمهم انه لن يكون هناك سجن وسجان وقيود وعذاب بعد اليوم، ولقد حرصت ‏ووالدته وزوجته على مفاجأته لتكون فرحته مضاعفة وبحمد الله التقيناه واطمئننا على وضعه ونأمل بعد ‏استراحته أن نبدأ برحلة علاجه الطويلة ليعود لوضعه الصحي.

وفاء وإخلاص
أما الزوجة الوفية المخلصة ‏سهاد صلاح كامل الكيلاني التي اعتقل الاحتلال زوجها بعد 20 يوما من زفافهما في 9- 2- 2001ØŒ وعوقبت ‏يمنع زيارته على Ù… دار 9 سنوات بذريعة الأسباب الأمنية فبكت وهي تعانق زوجها، وقالت: "الحمد لله الذي ‏استجاب لدعواتي، لقد عوقبت طوال السنوات الماضية من الاحتلال الذي نغص علي فرحة زواجي باعتقال ‏زيد ونحن ما زلنا في شهر العسل، ثم حرموني من زيارته لأنني أشكل خطرا على الأمن وبعد مئات الشكاوى ‏ومعاناة طويلة وافقت دولة الاحتلال أواخر العام المنصرم على منحي تصريح زيارته لمرة واحدة، والأشد مرارة أن ‏فرحتي بالحصول على تصريح لم تكتمل، فالاحتلال ألغى مواعيد الزيارات المحددة بسبب الأعياد اليهودية‏ØŒ فعوقبنا مجددا، وتضيف: "لكن زيد عاد ولن يكون عقاب بعد اليوم، انها أجمل لحظة في العمر وأتمنى من الله ‏أن يعوضنا ويفرحنا واشكر حماس التي وفت بالعهد وحررت زوجي ورفاقه، من كان يتخيل أنهم سيعودون. ‏

دموع‎ ‎الأم
أما‎ ‎الوالدة‎ ‎أم‎ ‎زيد‎‎ØŒ‎ ‎فأطلقت‎ ‎الأهازيج‎ ‎وهي ترى‎ ‎باكورة‎ ‎أبنائها‎ ‎وجها‎ ‎لوجه‎ ‎بدون‎ ‎قيود‎‎ØŒ احتضنته‎ ‎وقالت:‎"أريد‎ ‎أن‎ ‎اصدق‎ ‎انه‎ ‎ليس حلما‎ ‎وان‎ ‎زيد‎ ‎بين‎ ‎يدي‎ ‎حر،‎ ‎قلق‎ ‎وخوف‎ ‎منذ إعلان‎ ‎الصفقة‎ ‎ورعب‎ ‎من‎ ‎التغيير‎ ‎والتبديل وأنا‎ ‎استحضر‎ ‎صور‎ ‎مريرة‎ ‎يرسمها‎ ‎للسجون التي‎ ‎تنقل‎ ‎فيها‎ ‎ولدي‎ ‎الذي‎ ‎تعرض‎ ‎لعقوبات قاسية‎ ‎ØŒ‎ ‎وفي‎ ‎لحظات‎ ‎الانتظار‎ ‎تذكرت‎ ‎كل تفاصيل‎ ‎مأساة‎ ‎ابني‎ ‎ومعاناته،‎ ‎منذ‎ ‎اعتقال الاحتلال‎ ‎له‎ ‎في‎ ‎‏3‏/ ‎‏3‏/ ‎‏2001‏‎ ‎بتهمة‎ ‎تنفيذ عملية‎ ‎فدائية‎ ‎لكتائب‎ ‎الشهيد "عز‎ ‎الدين القسام"‎ Ø§Ù„جناح‎ ‎العسكري‎ ‎لحركة "حماس"‎ ÙÙŠ وادي‎ ‎عارة،‎ ‎حيث‎ ‎اعتقلته‎ ‎قوات‎ ‎الاحتلال‎ ‎من مكان‎ ‎العملية،‎ ‎ورغم‎ ‎إصابته‎ ‎البالغة،‎ ‎وخطورة حالته‎ ‎الصحية‎ ‎لم‎ ‎يستكمل‎ ‎علاجه‎ ‎واقتيد لأقبية‎ ‎التحقيق‎ ‎ثم‎ ‎حوكم‎ ‎بالسجن‎ ‎المؤبد مدى‎ ‎الحياة‎ ‎إضافة‎ ‎Ù„‎ ‎‏40‏‎ ‎عاما.‎

المشهد‎ ‎في‎ ‎سيريس
في‎ ‎نفس‎ ‎الوقت‎‎ØŒ‎ ‎كان‎ ‎الحزن‎ ‎يسود‎ ‎في‎ ‎منزل العائلة‎ ‎في‎ ‎سيريس‎ ‎خاصة‎ ‎لدى‎ ‎شقيقه‎ ‎المحرر زياد الذي لم‎ ‎يتمكن‎ ‎من‎ ‎السفر‎ ‎لاستقبال شقيقه‎ ‎الذي‎ ‎حرم‎ ‎منه‎ ‎منذ‎ ‎اعتقاله‎ ‎بسبب المنع‎ ‎الأمني،‎ ‎وقال:‎"عشر‎ ‎سنوات‎ ‎لم‎ ‎أر‎ ‎فيها وجه‎ ‎أخي‎ ‎الذي‎ ‎عاش‎ ‎مر‎ ‎العذاب‎ ‎والمعاناة منذ‎ ‎اعتقاله‎ ‎خاصة‎ ‎بسبب‎ ‎وضعه‎ ‎الصحي،‎ ‎فهو‎ ‎فقد‎ ‎عينه‎ ‎اليسرى‎ ‎وأصبح‎ ‎يعاني‎ ‎من ضعف‎ ‎عينه‎ ‎اليمنى‎ ‎كما‎ ‎بترت‎ ‎يده‎ ‎اليسرى وبترت‎ ‎بعض‎ ‎أصابع‎ ‎يده‎ ‎اليمنى‎ ‎ويعاني‎ ‎من إصابة‎ ‎في‎ ‎بطنه‎ ‎وجرى‎ ‎وضع‎ ‎شبكة‎ ‎في‎ ‎بطنه نتيجة‎ ‎تمزق‎ ‎غشاء‎ ‎البطن،‎ ‎وكان‎ ‎بحاجة‎ ‎لعدة عمليات‎ ‎جراحية‎ ‎ورعاية‎ ‎صحية‎ ‎مستمرة‎‎ØŒ ولكن‎ ‎لم‎ ‎تجر‎ ‎له‎ ‎العمليات‎ ‎المطلوبة‎ ‎والاحتلال عاقبني‎ ‎بمنعي‎ ‎من‎ ‎زيارة‎ ‎أخي‎ ‎بذريعة‎ ‎الملف ‏الأمني‎ ‎وكوني‎ ‎أسير‎ ‎سابق‎ ‎لكن‎ ‎أخي‎ ‎حر‎ ‎رغم ألمي‎ ‎لإبعاده‎ ‎لغزة.‎
زياد ) ‎‏35‏‎ ‎عاما ( ‎الذي‎ ‎يعمل‎ ‎سائقا‎ ‎اخذ إجازة‎ ‎ورفض‎ ‎الخروج‎ ‎للعمل‎ ‎منذ‎ ‎إعلان‎ ‎الصفقة وصبيحة‎ ‎يوم‎ ‎تنفيذها‎‎ØŒ‎ ‎لزم‎ ‎منزله‎ ‎وجلس‎ ‎أمام التلفاز‎ ‎يتابع‎ ‎ويبحث‎ ‎عن‎ ‎صورة‎ ‎زيد‎ ‎الذي تأكد‎ ‎اسمه‎ ‎ضمن‎ ‎الصفقة‎‎ØŒ‎ ‎ويقول:‎"كانت أطول‎ ‎وأصعب‎ ‎واقسي‎ ‎ساعات‎ ‎في‎ ‎حياتي‎‎ØŒ‎ ‎لم أكل‎ ‎أو‎ ‎اشرب‎ ‎أو‎ ‎يغمض‎ ‎لي‎ ‎جفن‎ ‎ومنذ‎ ‎الصباح جلست‎ ‎أتابع‎ ‎التلفاز‎ ‎وأدعو‎ ‎واصلي‎ ‎وقفزت‎ ‎من مكاني‎ ‎عندما‎ ‎شاهدت‎ ‎أخي‎ ‎في‎ ‎أول‎ ‎حافلة‎ ‎تقل الأسرى‎ ‎لغزة‎ ‎كان‎ ‎يقف‎ ‎على‎ ‎الشباك‎ ‎الخامس‎ ‎لم أتمالك‎ ‎أعصابي‎ ‎وبدأت‎ ‎اصرخ‎ ‎واكبر‎ ‎من‎ ‎شدة فرحي‎ ‎لأني‎ ‎أخي‎ ‎كان‎ ‎يعيش‎ ‎في‎ ‎قبر‎ ‎وخرج منه‎ ‎ولم‎ ‎أكن‎ ‎احلم‎ ‎أبدا‎ ‎انه‎ ‎سيتحرر‎ ‎لكن‎ ‎أخي محرر‎ ‎اليوم‎ ‎والحمد‎ ‎لله‎ ‎الصفقة‎ ‎مشرفة‎ ‎رغم‎ ‎أن الاحتلال‎ ‎ما‎ ‎زال‎ ‎يعتقل‎ ‎أعزاء‎ ‎على‎ ‎قلوبنا‎ ‎ولكن رحمة‎ ‎الله‎ ‎كبيرة‎ ‎وبإذنه‎ ‎الفرج‎ ‎قريب.‎

الشهيد‎ ‎زكريا
رغم‎ ‎الإبعاد،‎ ‎افتتحت‎ ‎عائلة‎ ‎زيد‎ ‎بيتها في‎ ‎سيريس‎ ‎لاستقبال‎ ‎المهنئين‎ ‎والداعين‎ ‎له ولكل‎ ‎المبعدين‎ ‎بالعودة‎‎ØŒ‎ ‎وإضافة‎ ‎لصورته‎ ‎رفعت صورة‎ ‎شقيقه‎ ‎زكريا‎‎ØŒ‎ ‎أول‎ ‎شهيد‎ ‎في‎ ‎انتفاضة الأقصى‎ ‎من‎ ‎محافظة‎ ‎جنين‎ ‎الذي‎ ‎استذكرته الوالدة‎ ‎وهي‎ ‎تعانق‎ ‎أسيرها‎ ‎المحرر‎ ‎وقالت:‎"لن أنسى‎ ‎أبدا‎ ‎روحي‎ ‎وفلذة‎ ‎كبدي‎ ‎زكريا‎ ‎شهيد‎ ‎العلم الذي‎ ‎قتلوه‎ ‎بدم‎ ‎بارد‎‎ØŒ‎ ‎وابني‎ ‎المحرر‎ ‎زيد‎ ‎يتمنى أن‎ ‎يعود‎ ‎معنا‎ ‎ليكون‎ ‎أول‎ ‎خطواته‎ ‎زيارة‎ ‎ضريح شقيقه‎ ‎الذي‎ ‎ضحى‎ ‎بحياته‎ ‎لحرية‎ ‎شعبه‎ ‎واليوم‎ ‎نحقق‎ ‎إحدى‎ ‎ثمار‎ ‎تلك‎ ‎الحرية‎ ‎ونصلي لله‎ ‎حتى‎ ‎تكتمل‎ ‎الفرحة‎ ‎بعودة‎ ‎كل‎ ‎المبعدين وتحرير‎ ‎كل‎ ‎المعتقلين.‎‏ ويتذكر‎ ‎الحاج‎ ‎الكيلاني‎ ‎شهيده‎ ‎زكريا‎ ‎ويقول ابني‎ ‎الذي‎ ‎كان‎ ‎يدرس‎ ‎في‎ ‎جامعة‎ ‎النجاح‎ ‎خرج مع‎ ‎الطلبة‎ ‎في‎ ‎‏30‏ - ‎‏9‏- ‎‏2000‏‎ ‎في‎ ‎مسيرة‎ ‎سلمية احتجاجا‎ ‎على‎ ‎زيارة‎ ‎شارون‎ ‎المشؤومة‎ ‎للمسجد ‏الأقصى‎ ‎ولكن‎ ‎قوات‎ ‎الاحتلال‎ ‎أطلقت‎ ‎النار‎ ‎على المسيرة‎ ‎فكان‎ ‎أول‎ ‎شهيد‎ ‎في‎ ‎انتفاضة‎ ‎الأقصى علما‎ ‎انه‎ ‎كان‎ ‎ينتظر‎ ‎التخرج‎‎ØŒ‎ ‎وبعد‎ ‎اعتقال‎ ‎زيد بفترة‎ ‎وجيزة‎ ‎داهمت‎ ‎قوات‎ ‎الاحتلال‎ ‎منزلنا في‎ ‎مطلع‎ ‎عام‎ ‎‏2002‏‎ ‎وهدمته‎ ‎وشردتنا‎ ‎لنعيش المعاناة‎ ‎والمأساة‎ ‎المضاعفة‎ ‎باستشهاد‎ ‎زكريا‎ ‎والحكم القاسي‎ ‎على‎ ‎زيد‎ ‎الذي‎ ‎تعرض‎ ‎للعزل‎ ‎الانفرادي لمدة‎ ‎سنتين‎ ‎في‎ ‎سجن‎ ‎هداريم.‎

(المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 23/10/2011)