مفارقات الأسرى المحررين المبعدين الى غزة بين الزنزانة والفندق

 

"لم‎ ‎أعرف‎ ‎طعم‎ ‎النوم، ‎لقد‎ ‎اعتدت‎ ‎على‎ ‎النوم‎ ‎في‎ ‎الزنزانة‎ ‎وسرير‎ ‎أحد أصدقائي‎ ‎فوقي.. ‎تعودت‎ ‎على‎ ‎أن‎ ‎أستيقظ‎ ‎على‎ ‎صوته‎ ‎يقفز‎ ‎من‎ ‎السرير‎ ‎إلى الأرض‎ ‎لأنه‎ ‎لا‎ ‎يوجد‎ ‎حتى‎ ‎سلالم‎ ‎للسرير..‎اعتدت‎ ‎على‎ ‎رائحة‎ ‎الغُرف‎ ‎الضيقة..‎ Ø¹Ù„Ù‰‎ ‎العزل‎ ‎الانفرادي.. ‎على‎ ‎ظلمة‎ ‎الزنزانة". كُلها‎ ‎كانت‎ ‎كوابيس‎ ‎تدور‎ ‎في‎ ‎رأس‎ ‎المحرر‎ ‎إبراهيم‎ ‎عليان‎ ‎الذي‎ ‎أمضى‎ ‎‏23‏‎ ‎عاماً من‎ ‎عمره‎ ‎داخل‎ ‎زنازين‎ ‎الاحتلال،‎ ‎لم‎ ‎ير‎ ‎فيها‎ ‎نور‎ ‎الشمس‎ ‎ولا‎ ‎حتى‎ ‎نسمة‎ ‎هواء عليل‎ ‎تبرد‎ ‎حر‎ ‎صيفه،‎ ‎فكانت‎ ‎المقارنة‎ ‎صعبة‎ ‎جداً‎ ‎بين فندق" ‎‏5‏‎ ‎نجوم"‎وبين زنزانة‎ ‎الاحتلال.

فارق‎ ‎كبير
يقول‎ ‎عليان‎ ‎بعد‎ ‎أن‎ ‎تنهد‎ ‎تنهيدة‎ ‎طويلة‎ ‎تذكر‎ ‎فيها‎ ‎معاناة‎ ‎‏25‏‎ ‎عاما‎ ‎مضت‎ ‎من حياته: "هناك‎ ‎قوانين خاصة‎ ‎تحكمنا‎ ‎داخل‎ ‎السجن‎ ‎تمنعنا‎ ‎من‎ ‎الحركة‎ ‎تحصرنا‎ ‎في غرف‎ ‎ضيقة‎ ‎جداً" لافتاً‎ ‎إلى‎ ‎أن‎ ‎هذه‎ ‎الغرف‎ ‎يقبع‎ ‎فيها‎ ‎‏8‏‎ ‎أو‎ ‎‏12‏‎ ‎أسيراً.‎ ÙˆÙŠØµÙ‎ ‎الأسرّة‎ ‎التي‎ ‎ينام‎ ‎عليها‎ ‎الأسرى: "الأسرّة‎ ‎عِبارة‎ ‎عن‎ ‎طابقين،‎ ‎لا‎ ‎يوجد حرية‎ ‎في‎ ‎النوم‎ ‎إذا‎ ‎استفاق‎ ‎الشخص‎ ‎الذي‎ ‎فوقك‎ ‎تستيقظ‎ ‎أنت‎ ‎على‎ ‎صوت‎ ‎نزوله حتى‎ ‎إن‎ ‎المساحة‎ ‎بين الأسرة‎ ‎لا‎ ‎تتجاوز‎ ‎النصف‎ ‎متر" متابعاً: "باب‎ ‎الزنزانة يغلق‎ ‎في‎ ‎ساعة‎ ‎محددة‎ ‎ولا‎ ‎يوجد‎ ‎مجال‎ ‎للتهوية ناهيك‎ ‎عن‎ ‎حرارة‎ ‎الصيف وبرودة‎ ‎الشتاء". وزاد: "في‎ ‎بعض‎ ‎الأحيان‎ ‎كنا‎ ‎نستخدم"‎الكرتون"‎ Ù„لتهوية‎ ‎وفي‎ ‎الشتاء‎ ‎نبقى ملتفين باللحاف‎ ‎حتى‎ ‎لا‎ ‎نشعر‎ ‎بالبرد".
أما‎ ‎عن‎ ‎الفارق‎ ‎بين الزنزانة‎ ‎التي‎ ‎كان‎ ‎يعيش‎ ‎فيها‎ ‎والفندق‎ ‎المقيم‎ ‎فيه‎ ‎الآن تحدث‎ ‎عليان‎ ‎عن‎ ‎بعض‎ ‎المواقف‎ ‎التي‎ ‎واجه‎ ‎صعوبة‎ ‎فيها‎ ‎بعد‎ ‎وصوله‎ ‎لغزة، فيقول: "خرجت‎ ‎من‎ ‎الفندق‎ ‎لأتمشى‎ ‎لكنني‎ ‎تهت‎ ‎في‎ ‎الطريق‎ ‎لأنني‎ ‎اعتدت في‎ ‎السجن‎ ‎على‎ ‎المشي‎ ‎في‎ ‎منطقة‎ ‎معينة" مضيفاً: "حتى‎ ‎الآن‎ ‎لا‎ ‎أعرف‎ ‎كيف أستخدم ماسورة Ø§Ù„مياه.
ومن‎ ‎المواقف‎ ‎الطريفة‎ ‎التي‎ ‎حدثت‎ ‎معه‎ ‎أنه‎ ‎عندما‎ ‎ذهب‎ ‎ليستحم‎ ‎في"‎البانيو" ÙƒØ§Ø¯‎ ‎يغرق‎ ‎لأنه‎ ‎لم‎ ‎يعتد‎ ‎على‎ ‎الاستحمام‎ ‎بهذه‎ ‎الطريقة Ù‚ائلاً: "حتى‎ ‎عندما أهاتف‎ ‎أهلي‎ ‎وأصدقائي‎ ‎ويسألونني "‎أين‎ ‎أنت؟" ‎أجيبهم "‎أنا‎ ‎في‎ ‎السجن"‎ Ø¨Ø¯Ù„اً من‎ ‎الفندق،‎ ‎وأقول‎ ‎عن‎ ‎الطابق‎ ‎قسم‎ ‎كما‎ ‎اعتدتُ". ÙˆØªØ§Ø¨Ø¹‎ ‎قوله: "لا‎ ‎أصدق‎ ‎أنني‎ ‎الآن‎ ‎أستطيع‎ ‎فتح‎ ‎الأبواب‎ ‎بسهولة‎ ‎أمشي‎ ‎في‎ ‎الشارع دون‎ ‎رقيب،‎ ‎أشعر‎ ‎حتى‎ ‎الآن‎ ‎أنني‎ ‎في‎ ‎حلم".

تدوين‎ ‎التجربة
لم‎ ‎يختلف‎ ‎حال‎ ‎المحرر‎ ‎عليان‎ ‎عن‎ ‎حال‎ ‎الأسير‎ ‎طلال‎ ‎أبو‎ ‎الكباش‎ ‎الذي‎ ‎قرر‎ ‎في أول‎ ‎يوم‎ ‎أتى‎ ‎فيه‎ ‎إلى‎ ‎غزة‎ ‎أن‎ ‎ينام‎ ‎على‎ ‎الأرض‎ ‎بدلاً‎ ‎من‎ ‎السرير؛‎ ‎لأنه‎ ‎لم‎ ‎يعتد‎ ‎عليه أبداً ÙÙŠÙ‚ول: "لا‎ ‎يوجد‎ ‎أية‎ ‎مقارنة‎ ‎بين حياة‎ ‎الأسر‎ ‎وحياة‎ ‎الحرية‎ ‎التي‎ ‎أعيشها‎ ‎الآن كنا‎ ‎نعيش‎ ‎في‎ ‎زنازين‎ ‎كما‎ ‎إسطبلات‎ ‎الخيل"ØŒ مضيفاً: "قضيت‎ ‎في‎ ‎السجن‎ ‎‏27‏‎ ‎عاما منذ‎ ‎كان‎ ‎الأسرى‎ ‎ينامون‎ ‎على‎ ‎فرشات‎ ‎لا‎ ‎تصلح‎ ‎للنوم‎ ‎عليها‎ ‎البتة".
وتابع: "حتى‎ ‎الشرب‎ ‎كان‎ ‎في‎ ‎أكواب‎ ‎بلاستيكية‎ ‎لا‎ ‎يتم‎ ‎غسلها‎ ‎بعد‎ ‎الشرب‎ ‎فيها حتى‎ ‎تغير‎ ‎لونها‎ ‎وأصبح‎ ‎شكلها‎ ‎لا‎ ‎يُطاق" موضحاً‎ ‎أن‎ ‎السجانين كانوا‎ ‎يَعدون‎ ‎الأسرى أكثر‎ ‎من‎ ‎‏3‏‎ ‎مرات‎ ‎في‎ ‎اليوم.‎ ÙˆØ£Ø¶Ø§Ù: "من‎ ‎يوم‎ ‎أفرج‎ ‎عني‎ ‎حتى‎ ‎الآن‎ ‎لم‎ ‎أذق‎ ‎طعم‎ ‎النوم‎ ‎لا‎ ‎أصدق‎ ‎هل‎ ‎أنا‎ ‎في حلم‎ ‎أم‎ ‎في‎ ‎حقيقة؟"ØŒ متابعاً: "المكان‎ ‎هنا‎ ‎يختلف‎ ‎يكفي‎ ‎صورة‎ ‎البحر‎ ‎الذي‎ ‎لم نره‎ ‎أبداً‎ ‎وأشكال‎ ‎الغرف‎ ‎وأكواب‎ ‎الشرب.. ‎الطعام.. ‎الكراسي‎ ‎كلها‎ ‎قُلبت‎ ‎ألف‎ ‎درجة عن‎ ‎حياة‎ ‎السجن". وطالب‎ ‎أبو‎ ‎الكباش‎ ‎بتدوين‎ ‎تجربة‎ ‎الأسرى‎ ‎من‎ ‎معاناتهم‎ ‎التي‎ ‎عاشوها‎ ‎طيلة سنوات‎ ‎سجنهم‎ ‎حتى‎ ‎لا‎ ‎تضيع‎ ‎هذه‎ ‎المعاناة‎ ‎من‎ ‎تاريخ‎ ‎الشعب‎ ‎الفلسطيني Ù…ؤكداً على‎ ‎ضرورة‎ ‎تدريس‎ ‎هذه‎ ‎المواد‎ ‎للطلبة‎ ‎لينشؤوا‎ ‎جيلاً‎ ‎يعرف‎ ‎معنى‎ ‎الأسر.‎

لا‎ ‎تقدر‎ ‎بثمن
أما‎ ‎الأسير‎ ‎أحمد‎ ‎التكروري‎ ‎الذي‎ ‎كان‎ ‎يجد‎ ‎صعوبة‎ ‎في‎ ‎استخدامه‎ ‎للهاتف‎ ‎النقال حتى‎ ‎الآن‎ ‎لأنه‎ ‎لم‎ ‎يعتد‎ ‎على‎ ‎حمله‎ ‎في‎ ‎السجن، أكد‎ ‎أن‎ ‎حياة‎ ‎السجن‎ ‎كانت‎ ‎خالية تماماً‎ ‎من‎ ‎كافة‎ ‎الوسائل‎ ‎المتقدمة‎ ‎الموجودة‎ ‎في‎ ‎كل‎ ‎منزل‎ ‎الآن، لافتاً‎ ‎إلى‎ ‎أن‎ ‎الشروط التي‎ ‎تفرضها‎ ‎إدارة‎ ‎السجن‎ ‎على‎ ‎الأسرى‎ ‎كانت‎ ‎قاسية‎ ‎جداً.‎ ÙˆÙ‚ال: "كنا‎ ‎نعيش‎ ‎‏8‏‎ ‎أفراد‎ ‎في‎ ‎غرفة‎ ‎ضيقة‎ ‎لا‎ ‎تتسع‎ ‎في‎ ‎الحقيقة‎ ‎إلا‎ ‎لأربعة أشخاص‎ ‎فقط"ØŒ مضيفاً: "الأدوات‎ ‎الصحية‎ ‎التي‎ ‎نستخدمها‎ ‎الآن‎ ‎تختلف‎ ‎كثيراً عن‎ ‎الموجودة‎ ‎في‎ ‎السجن‎ ‎حتى‎ ‎السرائر‎ ‎والبلاط،‎ ‎والهواء‎ ‎الموجود‎ ‎هنا‎ ‎معدوم‎ ‎تماماً في‎ ‎السجن،‎ ‎الآن‎ ‎نعيش‎ ‎بحرية‎ ‎لا‎ ‎تقدر‎ ‎بثمن". وتابع: "حتى‎ ‎الآن‎ ‎لم‎ ‎أتأقلم‎ ‎مع‎ ‎التطور‎ ‎الموجود‎ ‎في‎ ‎الفندق،‎ ‎كثير‎ ‎من‎ ‎الأشياء‎ ‎أجد صعوبة‎ ‎في‎ ‎التعامل‎ ‎معها،‎ ‎لكنني‎ ‎أشعر‎ ‎أنني‎ ‎ولدت‎ ‎من‎ ‎جديد‎ ‎على‎ ‎أرض‎ ‎غزة"‎.
 

(المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 29/10/2011)