عالم جديد غريب يعيشه الأسرى الفلسطينيون المحررون في القطاع بعد الإفراج عنهم

‎ ‎يحيى‎ ‎سنوار،‎ ‎‏٤٩‏ عاما،‎ ‎هو‎ ‎أبرز‎ ‎‎قيادي‎ ‎من‎ ‎حماس‎ ‎تفرج‎ ‎حكومة الاحتلال‎ ‎عنه‎ ‎خلال‎ ‎صفقة‎ ‎تبادل‎ ‎الأسرى. وهو‎ ‎واحد‎ ‎من‎ ‎‏٤٧٧‏‎ ‎أسيرا فلسطينيا‎ ‎تم‎ ‎إطلاق‎ ‎‎سراحهم‎ ‎مقابل‎ ‎الإفراج‎ ‎عن‎ ‎الجندي‎ ‎جلعاد‎ ‎شاليط.‎‏ ولكن‎ ‎حتى‎ ‎بعد‎ ‎أن‎ ‎هدأت‎ ‎الاحتفالات‎ ‎بإطلاق‎ ‎‎سراح‎ ‎الأسرى،‎ ‎فالكثير‎ ‎منهم‎ ‎تلقوا‎ ‎زيارات مواطني القطاع‎ ‎لتهنئتهم‎ ‎بهذه‎ ‎المناسبة.‎‏ عاد‎ ‎الأسرى‎ ‎ومنهم‎ ‎‎سنوار‎ ‎إلى‎ ‎عالم‎ ‎لم‎ ‎يكن‎ ‎باستطاعتهم‎ ‎أن‎ ‎يتخيلوه‎ ‎خلال‎ ‎فترة‎ ‎احتجازهم الطويلة.
وكمقاتل‎ ‎سابق‎ ‎كان‎ ‎يتلقى‎ ‎السكاكين‎ ‎‎والبنادق‎ ‎من‎ ‎الحدود‎ ‎المصرية، لكنه‎ ‎بعد‎ ‎أن‎ ‎نقل‎ ‎من الحدود‎ ‎المصرية‎ ‎إلى‎ ‎مدينة‎ ‎غزة‎ ‎الأسبوع‎ ‎الماضي‎ ‎‎شاهد الآلاف‎ ‎من‎ ‎مقاتلي‎ ‎حماس‎ ‎يصطفون‎ ‎على‎ ‎جانبي الطريق‎ ‎وهم‎ ‎يحملون‎ ‎الأسلحة‎ ‎الأوتوماتيكية‎ ‎وقاذفات‎ ‎آر‎ ‎‎بي‎ ‎جيه،‎ ‎ويقودون‎ ‎شاحنات‎ ‎صغيرة‎ ‎ركبت عليها‎ ‎رشاشات‎ ‎ثقيلة.‎‏ كان‎ ‎مشهداً‎ ‎استعراضيا‎ ‎لقوة‎ ‎مسلحة‎ ‎أشبه‎ ‎بليبيا‎ ‎‎منها‎ ‎بغزة،‎ ‎وتفوق‎ ‎أسلحتها‎ ‎كثيراً‎ ‎ما‎ ‎كان‎ ‎لدى الحركة‎ ‎عندما‎ ‎شارك‎ ‎سنوار‎ ‎في‎ ‎تأسيسها‎ ‎قبل‎ ‎ربع‎ ‎قرن‎ ‎من‎ ‎الزمان.‎‏ ‏كان‎ ‎عمله‎ ‎حينذاك‎ ‎هو‎ ‎معاقبة‎ ‎من‎ ‎ينتهكون‎ ‎القيم‎ ‎الأخلاقية‎ ‎وقتل‎ ‎المتعاونين‎ ‎مع‎ ‎الكيان،‎ ‎ما تسبب‎ ‎في‎ ‎حكم‎ ‎‎صهيوني‎ ‎عليه‎ ‎بأربع‎ ‎مؤبدات‎ ‎بتهم‎ ‎محاولة‎ ‎القتل،‎ ‎والتسبب‎ ‎في‎ ‎أضرار‎‎‎ ‎جسدية جسيمة‎ ‎من‎ ‎خلال‎ ‎العنف.‎‏ وكان‎ ‎‎وضع‎ ‎سنوار‎ ‎كقيادي‎ ‎في‎ ‎السجن‎ ‎واضحا‎ ‎بعد‎ ‎ساعات‎ ‎من‎ ‎الإفراج‎ ‎عنه،‎ ‎فقد‎ ‎دعي‎ ‎لإلقاء‎ ‎خطاب نيابة‎ ‎عن‎ ‎الأسرى‎ ‎‎من‎ ‎على‎ ‎مسرح‎ ‎أعد‎ ‎خصيصاً‎ ‎في‎ ‎غزة. وكان‎ ‎هناك‎ ‎ملصق‎ ‎ضخم‎ ‎عليه‎ ‎رسوم‎ ‎لثلاثة من‎ ‎مقاتلي‎ ‎الحركة‎ ‎ينسفون‎ ‎‎دبابات،‎ ‎وينقلون‎ ‎شاليط‎ ‎الذي‎ ‎أسر‎ ‎في‎ ‎غارة‎ ‎عام‎ ‎‏٢٠٠٦‏.‎‏ وفي‎ ‎خطاب‎ ‎سنوار‎ ‎ركز‎ ‎على‎ ‎الفترة‎ ‎التي‎ ‎غاب‎ ‎فيها‎ ‎‎الأسرى،‎ ‎وقال‎ ‎للحشد: "تركناكم‎ ‎يوماً‎ ‎نازفين تحت‎ ‎نيران‎ ‎الاحتلال‎ ‎في‎ ‎الأيام‎ ‎الأولى‎ ‎من‎ ‎الانتفاضة‎ ‎الأولى".
وفي‎ ‎‎حالته‎ ‎هو‎ ‎كان‎ ‎اعتقاله‎ ‎أوائل‎ ‎العام‎ ‎‏١٩٨٨‏‎ ‎ØŒ‎ ‎عندما‎ ‎كان‎ ‎عمر‎ ‎حماس‎ ‎شهراً‎ ‎واحداً.‎‏ والسؤال‎ ‎هو‎ ‎ما‎ ‎إذا‎ ‎كان‎ ‎هو‎ ‎‎وزملاؤه‎ ‎الأسرى‎ ‎والكثيرون‎ ‎منهم‎ ‎من‎ ‎المقاتلين‎ ‎سيطالبون‎ ‎حماس‎ ‎الآن بالعودة‎ ‎إلى‎ ‎مسار‎ ‎الانتفاضة،‎ ‎أم‎ ‎اختيار‎ ‎‎اتجاه‎ ‎جديد‎ ‎لمرحلة‎ ‎جديدة.‎
كان‎ ‎يجلس‎ ‎في‎ ‎خيمة‎ ‎ترحيب‎ ‎في‎ ‎بلدته‎ ‎خان‎ ‎يونس،‎ ‎وتحفظ‎ ‎بخصوص‎ ‎الدور‎ ‎الذي‎ ‎قد‎ ‎‎يقوم‎ ‎به خارج‎ ‎السجن. واكتفى‎ ‎بالقول: "الوقت‎ ‎مبكر. كنت‎ ‎بعيدا‎ ‎لربع‎ ‎قرن‎ ‎وتغير‎ ‎العالم‎ ‎من‎ ‎حولي. أحتاج ‏للاسترخاء‎ ‎والتقاط‎ ‎أنفاسي‎ ‎ومعرفة‎ ‎الأوضاع‎ ‎من‎ ‎حولي،‎ ‎وبعد‎ ‎ذلك‎ ‎سأقرر".
وأضاف‎ ‎إنه‎ ‎مثل‎ ‎كثيرين‎ ‎استخلص‎ ‎‎أن‎ ‎أسر‎ ‎شاليط‎ ‎بعد‎ ‎سنوات‎ ‎من‎ ‎المفاوضات‎ ‎الفاشلة،‎ ‎أثبت‎ ‎أنه التكتيك‎ ‎الذي‎ ‎أثبت‎ ‎نفسه‎ ‎لتحرير‎ ‎الأسرى‎ ‎الذين‎ ‎‎تحتجزهم‎ ‎حكومة الاحتلال.‎‏ وقال: "قضية‎ ‎الأسرى‎ ‎لا‎ ‎يمكن‎ ‎حلها‎ ‎إلا‎ ‎بهذه‎ ‎الطريقة،‎ ‎وبالنسبة‎ ‎للأسير‎ ‎الفلسطيني‎ ‎‎كان‎ ‎الإمساك بجندي‎ ‎صهيوني‎ ‎هو‎ ‎أفضل‎ ‎الأخبار‎ ‎في‎ ‎الكون،‎ ‎لأنه‎ ‎يعلم‎ ‎أن‎ ‎بصيصا‎ ‎من‎ ‎الأمل‎ ‎قد‎ ‎لاح‎ ‎له".‎‏ وذكر‎‎ ‎‎‎أنه‎ ‎قضى‎ ‎وقته‎ ‎في‎ ‎السجن‎ ‎في‎ ‎دراسة‎ ‎المجتمع‎ ‎الصهيوني‎ ‎وفي‎ ‎المراحل‎ ‎الأخيرة‎ ‎شارك‎ ‎في المفاوضات‎ ‎المتعلقة‎ ‎‎بتبادل‎ ‎الأسرى.‎
واستطرد: "أرادوا‎ ‎أن‎ ‎يكون‎ ‎السجن‎ ‎قبرا‎ ‎لنا‎ ‎أو‎ ‎آلة‎ ‎لتحطيم‎ ‎إرادتنا‎ ‎وأجسادنا. ولكن،‎ ‎والحمد‎ ‎لله،‎ ‎‎فإن إيماننا‎ ‎بقضيتنا‎ ‎جعلنا‎ ‎نحول‎ ‎السجن‎ ‎إلى‎ ‎مكان‎ ‎للعبادة،‎ ‎وأكاديمية‎ ‎للدراسة. درسنا‎ ‎الكثير‎ ‎عن‎ ‎الكيان وتاريخ‎ ‎‎الشعب‎ ‎اليهودي‎ ‎وأستطيع‎ ‎القول‎ ‎إنني‎ ‎الآن‎ ‎خبير‎ ‎في‎ ‎تاريخ‎ ‎الشعب‎ ‎اليهودي‎ ‎أكثر‎ ‎من‎ ‎العديد‎ ‎من الصهاينة".
ووسط‎ ‎الوجوه‎ ‎المتعبة‎ ‎كان‎ ‎قلائل‎ ‎يعربون‎ ‎عن‎ ‎الأسف‎ ‎عن‎ ‎الأعمال‎ ‎التي‎ ‎أدت‎ ‎لاعتقالهم، لكن‎ ‎الغالبية‎ ‎العظمى‎ ‎‎منهم‎ ‎كانوا‎ ‎في‎ ‎حالة‎ ‎من‎ ‎التحدي.‎‏ وقال‎ ‎شعيب: "أنا‎ ‎فخور‎ ‎بما‎ ‎عملته‎ ‎ولا‎ ‎أشعر‎ ‎بالندم". ‎وتلقى‎ ‎هذا‎ ‎المقاتل‎ ‎حكما‎ ‎‎بالمؤبد‎ ‎قضى‎ ‎منه ‏١٣‏‎ ‎عاما‎ ‎في‎ ‎السجن.‎‏ والبعض‎ ‎من‎ ‎الأسرى‎ ‎زاد‎ ‎تشددهم‎ ‎نتيجة‎ ‎المعاناة‎ ‎التي‎ ‎قاسوها‎ ‎في‎ ‎‎السجن.‎
وفي‎ ‎مخيم‎ ‎جباليا‎ ‎للاجئين‎ ‎تنتمي‎ ‎وفاء‎ ‎البس‎ ‎إلى‎ ‎حركة‎ ‎فتح،‎ ‎وقد‎ ‎حاولت‎ ‎تهريب‎ ‎حزام‎ ‎ناسف‎ ‎إلى الكيان‎ ‎‎عام‎ ‎‏٢٠٠٥‏. وهناك‎ ‎صورة‎ ‎للرئيس‎ ‎الراحل‎ ‎ياسر‎ ‎عرفات‎ ‎في‎ ‎غرفتها.‎‏ وكانت‎ ‎تحيي‎ ‎النساء‎ ‎اللواتي‎ ‎قدمن‎ ‎للتسليم‎ ‎‎عليها‎ ‎في‎ ‎خيمة‎ ‎نصبت‎ ‎في‎ ‎الشارع.‎‏ وقالت‎ ‎إن‎ ‎أسر‎ ‎شاليط‎ ‎كان‎ ‎الطريقة‎ ‎الفعالة‎ ‎لتحقيق‎ ‎الإفراج‎ ‎عن‎ ‎الأسرى،‎ ‎لأن‎ ‎‎المفاوضات‎ ‎بهذا‎ ‎الخصوص لم‎ ‎تنجح. ولم‎ ‎تعرب‎ ‎عن‎ ‎ندم‎ ‎على‎ ‎ما‎ ‎قامت‎ ‎به‎ ‎وقالت: "لماذا‎ ‎أشعر‎ ‎بالأسف‎ ‎‎والاحتلال‎ ‎مستمر‎ ‎لأرضنا؟ سأناضل‎ ‎حتى‎ ‎النفس‎ ‎الأخير".
وقالت‎ ‎البس،‎ ‎‏٢٦‏‎ ‎عاما،‎ ‎إنها‎ ‎تنوي‎ ‎أداء‎ ‎فريضة‎ ‎الحج،‎ ‎‎وسوف‎ ‎تعود‎ ‎للدراسة الجامعية‎ ‎لتتخصص‎ ‎في‎ ‎علم‎ ‎النفس.‎

(المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 25/10/2011)