المحرر الكفيف عبادة بلال: غزة احتضنتني كأم غاب عنها ولدها سنوات

"رأيت‎ ‎غزة‎ ‎مختلفة‎ ‎عما‎ ‎كنت أتخيلها‎ ‎كأي‎ ‎جزء‎ ‎من‎ ‎الوطن،‎ ‎وجدتها‎ ‎بلا‎ ‎‎احتلال‎ ‎رغم‎ ‎الحصار ‎‎المحيط‎ ‎بها،‎ ‎شعرت‎ ‎بكرم‎ ‎أهلها‎ ‎وعظمتهم،‎ ‎لم‎ ‎أر‎ ‎ملامح مواطني‎ ‎قطاع‎ ‎غزة‎ ‎‎لحظة‎ ‎خروجهم‎ ‎لاستقبالنا،‎ ‎ولكني‎ ‎تخيلت شعورهم‎ ‎الرائع‎ ‎والحنون". بهذه‎ ‎الكلمات‎ ‎عبر‎ ‎الأسير‎ ‎المحرر‎ ‎الكفيف ‎‎‎"‎عبادة‎ ‎سعيد‎ ‎بلال"‎ عن فرحته‎ ‎بدخول‎ ‎غزة،‎ ‎واصفاً‎ ‎إياها‎ ‎بالأم‎ ‎التي‎ ‎احتضنت‎ ‎ولدها‎ ‎بعد‎ ‎عشر سنوات‎ ‎من‎ ‎البعاد‎ ‎‎والفراق، وقال: "لم‎ ‎يحدث‎ ‎لأي‎ ‎زعيم‎ ‎بالكرة‎ ‎الأرضية استقبال‎ ‎حافل‎ ‎كما‎ ‎حدث‎ ‎معنا"‎وأضاف‎ ‎ممازحاً: "كنا‎ ‎‎نسمع‎ ‎أن‎ ‎الغزيون يمتازون‎ ‎بالقوة‎ ‎والقسوة ولكن‎ ‎هذا‎ ‎أمر‎ ‎مزعوم‎ ‎فغزة‎ ‎أحن‎ ‎من‎ ‎الأمهات".
وكانت‎ ‎الفرحة‎ ‎بادية‎ ‎‎على‎ ‎وجه‎ ‎المحرر‎ ‎عبادة الذي‎ ‎عرف‎ ‎عن‎ ‎نفسه قائلاً: "أنا‎ ‎من‎ ‎مواليد‎ ‎مدينة‎ ‎نابلس اعتقلت‎ ‎عام‎ ‎‏2002‏‎ ‎بتهمة‎ ‎‎الانتماء لحركة‎ ‎حماس‎ ‎وكتائب‎ ‎القسام‎ ‎والمشاركة‎ ‎في‎ ‎أنشطة‎ ‎ضد‎ ‎الكيان‎ ‎ضمن فعاليات‎ ‎الانتفاضة‎ ‎الثانية حكمت‎ ‎لمدة‎ ‎‏11‏‎ ‎عاما،‎ ‎وبعد‎ ‎‏8‏‎ ‎سنوات‎ ‎ونصف من‎ ‎السجن‎ ‎أضيف‎ ‎لحكمي‎ ‎‏15‏‎ ‎عاما،‎ ‎ليصبح‎ ‎الحكم‎ ‎‏26‏‎ ‎عاما".
وتحدث‎ ‎عن‎ ‎شعوره‎ ‎لحظة‎ ‎إتمام‎ ‎الصفقة‎ ‎حيث‎ ‎كان‎ ‎الخوف‎ ‎هو‎ ‎سيد الموقف‎ ‎من‎ ‎تشكيلة‎ ‎الصفقة‎ ‎وترتيبها،‎ ‎مضيفا: "ولكننا‎ ‎شعرنا‎ ‎لحظتها بنصر‎ ‎حقيقي‎ ‎لأنه‎ ‎سيتم‎ ‎الإفراج‎ ‎عن‎ ‎جزء‎ ‎أصيل‎ ‎من‎ ‎الأسرى،‎ ‎فقد‎ ‎كنا نرقب‎ ‎هذا‎ ‎الإنجاز‎ ‎‎لحظة‎ ‎بلحظة،‎ ‎وكنا‎ ‎على‎ ‎ثقة‎ ‎كبيرة‎ ‎بالمفاوض‎ ‎أنه‎ ‎لن يخرج‎ ‎بصفقة‎ ‎باهتة".
وتابع: "لحظة‎ ‎معرفتي‎ ‎بشمول‎ ‎‎الصفقة‎ ‎اسمي‎ ‎اختلطت‎ ‎لدي‎ ‎مشاعر السعادة‎ ‎غير‎ ‎المسبوقة‎ ‎بالحزن‎ ‎الكبير‎ ‎لأنني‎ ‎سأترك‎ ‎أصدقاء‎ ‎اقتسمت معهم‎ ‎‎لقمتي،‎ ‎ولكني‎ ‎لم‎ ‎أعش‎ ‎أجواء‎ ‎الفرحة‎ ‎التي‎ ‎عاشها‎ ‎الأسرى‎ ‎الذين سيتم‎ ‎الإفراج‎ ‎عنهم‎ ‎لأنني‎ ‎كنت‎ ‎في‎ ‎العزل‎ ‎‎الانفرادي‎ ‎مع‎ ‎صديقي‎ ‎أحمد المغربي‎ ‎من‎ ‎بيت‎ ‎لحم‎ ‎المعزول‎ ‎منذ‎ ‎‏9‏‎ ‎سنوات،‎ ‎والمحكوم‎ ‎ب‎ ‎‏18‏‎ ‎مؤبدا".

الأسير عريس
وأضاف: "كان‎ ‎صديقي‎ ‎رائعا‎ ‎حيث‎ ‎احتضنني‎ ‎وكان‎ ‎فرحاً‎ ‎وكأنه‎ ‎هو من‎ ‎سيفرج‎ ‎عنه وكان‎ ‎يرش‎ ‎علي‎ ‎‎من‎ ‎عطره‎ ‎الخاص‎ ‎وكأنه‎ ‎يجهز‎ ‎عريساً ليوم‎ ‎فرحه‎ ‎ودموعه‎ ‎تنهمر"‎. ÙˆØ§Ù†ØªÙ‚Ù„‎ ‎للحديث‎ ‎عن‎ ‎لحظة‎ ‎تجمع‎ ‎الأسرى ‏المدرجين‎ ‎ضمن‎ ‎الصفقة‎ ‎في‎ ‎سجن‎ ‎النقب واصفاً‎ ‎تلك‎ ‎اللحظة‎ ‎بأنها‎ ‎حلم كان‎ ‎الجميع‎ ‎يخاف‎ ‎أن‎ ‎يستيقظ‎ ‎منه،‎ ‎‎ويتساءلوا "هل‎ ‎نحن‎ ‎في‎ ‎حلم‎ ‎أم حقيقة؟".
وتابع‎ ‎عبادة‎ ‎حديثه‎ ‎وقد‎ ‎بدت‎ ‎على‎ ‎عينيه‎ ‎اللتين‎ ‎لا‎ ‎تريا‎ ‎شيئا‎ ‎التأثر:‎‏ ‏"‎كانت‎ ‎حالة‎ ‎من‎ ‎الدهشة فأصبحنا‎ ‎مجمدين‎ ‎دون‎ ‎أن‎ ‎نقدر‎ ‎على‎ ‎التعبير عما‎ ‎يجول‎ ‎بخواطرنا ولكن‎ ‎كان‎ ‎شعوراً‎ ‎‎رائعاً كنا‎ ‎نهتف‎ ‎ونكبر‎ ‎بأعلى صوتنا‎ ‎دون‎ ‎أن‎ ‎نخاف‎ ‎من‎ ‎السجان‎ ‎الذي‎ ‎كان‎ ‎يضربنا‎ ‎ويشبحنا‎ ‎إن‎ ‎أصدرنا صوتاً‎ ‎‎ولو‎ ‎تمتمة شعرنا‎ ‎بعزة‎ ‎وانتصار‎ ‎وعنفوان".
وتحدث‎ ‎عن‎ ‎غيظ‎ ‎بعض‎ ‎السجانين‎ ‎من‎ ‎هتافات‎ ‎وتصرفات‎ ‎الأسرى‎ ‎‎الذين سيفرج‎ ‎عنهم حيث‎ ‎سمع‎ ‎عبادة‎ ‎أحد‎ ‎الضباط‎ ‎الصهاينة‎ ‎وهو‎ ‎يقول لزميله: "هؤلاء‎ ‎يتعاملون‎ ‎معنا‎ ‎من‎ ‎‎فوقية‎ ‎منذ‎ ‎أسبوع‎ ‎دون‎ ‎أن‎ ‎نستطيع فعل‎ ‎أي‎ ‎شيء"‎ØŒ‎ ‎موضحا‎ ‎أن‎ ‎السجانين‎ ‎حاولوا‎ ‎فرض‎ ‎ورقة‎ ‎تعهد‎ ‎على‎ ‎الأسرى ‏كي‎ ‎ينبذوا‎ ‎العنف‎ ‎ويظهروا‎ ‎ندمهم‎ ‎على‎ ‎ما‎ ‎فعلوا،‎ ‎وقال: "لكن‎ ‎قادتنا‎ ‎داخل السجن‎ ‎وضعوا‎ ‎هذه‎ ‎الأوراق‎ ‎على‎ ‎‎الأحذية". وأكد‎ ‎على‎ ‎أن‎ ‎الصهاينة‎ ‎لن‎ ‎يأخذوا‎ ‎اعترافا‎ ‎بالندم‎ ‎من‎ ‎أي‎ ‎مقاوم‎ ‎أو مواطن‎ ‎فلسطيني‎ ‎قاوم‎ ‎الاحتلال،‎ ‎‎موضحا‎ ‎أن‎ ‎الفلسطينيين‎ ‎مضطهدين ولابد‎ ‎لهم‎ ‎من‎ ‎الدفاع‎ ‎عن‎ ‎أنفسهم وعن‎ ‎لحظة‎ ‎خروج‎ ‎الأسرى‎ ‎من‎ ‎السجن، ‏قال: "لم‎ ‎نستطع‎ ‎فعل‎ ‎شيء‎ ‎لأن‎ ‎الجرح‎ ‎عميق".

من‎ ‎وراء‎ ‎القضبان
وأوضح‎ ‎عبادة‎ ‎أن‎ ‎الأسرى‎ ‎الذين‎ ‎لم‎ ‎تشملهم‎ ‎‎صفقة‎ ‎التبادل‎ ‎طالبوا المفرج‎ ‎عنه‎ ‎بألا‎ ‎ينسوهم‎ ‎من‎ ‎الدعاء‎ ‎والحب وأن‎ ‎يتضامنوا‎ ‎معهم‎ ‎في الفعاليات‎ ‎المساندة‎ ‎‎للأسرى لافتاً‎ ‎إلى‎ ‎أنه‎ ‎كان‎ ‎مستاء "‎كأسير‎ ‎سابق" من قلة‎ ‎التضامن‎ ‎مع‎ ‎الأسرى‎ ‎محلياً‎ ‎وإقليميا.‎‏ ÙˆØªØ§Ø¨Ø¹‎ ‎سرد‎ ‎مطالب‎ ‎‎الأسرى‎ ‎غير‎ ‎المفرج‎ ‎عنهم بأن‎ ‎يشرحوا‎ ‎معاناتهم لمن‎ ‎خارج‎ ‎السجن وأن‎ ‎يوضحوا‎ ‎مدى‎ ‎الهجمة‎ ‎الصهيونية‎ ‎‎المتواصلة عليهم وتحديداً‎ ‎الأسرى‎ ‎داخل‎ ‎العزل‎ ‎الانفرادي وقال: "صديقي‎ ‎أحمد المغربي‎ ‎يعاني‎ ‎من‎ ‎أمراض‎ ‎‎قاسية‎ ‎دون‎ ‎أي‎ ‎علاج نحن‎ ‎تركنا‎ ‎نصف‎ ‎قلبنا خلف‎ ‎القضبان". ووصف‎ ‎الأسير‎ ‎المحرر‎ ‎عبادة‎ ‎بلال‎ ‎الطريق‎ ‎من‎ ‎‎النقب‎ ‎إلى‎ ‎مصر وقال:‎‏ ‏"‎كان‎ ‎الطريق‎ ‎مليئاً‎ ‎بالتكبير‎ ‎والهتاف‎ ‎والضحك‎ ‎الهستيري‎ ‎الممزوج بالخوف‎ ‎والقلق لأننا‎ ‎‎تعودنا‎ ‎على‎ ‎الغدر‎ ‎الصهيوني‎ ‎ونقض‎ ‎العهود والمواثيق ولكن‎ ‎اطمئن‎ ‎قلبنا‎ ‎لحظة‎ ‎دخول‎ ‎الباصات‎ ‎للأراضي‎ ‎‎المصرية وعندما‎ ‎صعد‎ ‎الضابط‎ ‎المصري‎ ‎للحافة‎ ‎بدأنا‎ ‎نهتف‎ ‎بهتاف‎ ‎الثورة‎ ‎المصرية ارفع‎ ‎راسك‎ ‎فوق‎ ‎أنت‎ ‎‎مصري".
وأوضح‎ ‎أن‎ ‎جمهورية‎ ‎مصر‎ ‎العربية‎ ‎استقبلت‎ ‎الأسرى‎ ‎الفلسطينيين المفرج‎ ‎عنهم‎ ‎ضمن‎ ‎صفقة‎ ‎شاليط استقبال‎ ‎الأبطال‎ ‎المنتصرين مضيفاً:‎‏ ‏"‎هذه‎ ‎هي‎ ‎مصر‎ ‎الثورة ننحني‎ ‎أمامها‎ ‎احتراماً‎ ‎بعد‎ ‎أن‎ ‎عادت‎ ‎بشكل‎ ‎سريع ‏لريادة‎ ‎الأمة‎ ‎وللدفاع‎ ‎عن‎ ‎حقوق‎ ‎العروبة‎ ‎والإسلام".
ووجه‎ ‎عبادة‎ ‎رسالتين‎ ‎كانت‎ ‎الأولى‎ ‎للقائمين‎ ‎على‎ ‎صفقة‎ ‎‎التبادل قال فيها: "نحن‎ ‎مدينون‎ ‎لكم‎ ‎بحياتنا نحن‎ ‎ولدنا‎ ‎من‎ ‎جديد‎ ‎على‎ ‎أيديكم" شاكراً‎ ‎المفاوض‎ ‎الفلسطيني‎ ‎العنيد‎ ‎‎الذي‎ ‎ثبت‎ ‎على‎ ‎مطالبه‎ ‎لكي‎ ‎يخرج بصفقة‎ ‎مشرفة‎ ‎تشمل‎ ‎هذا‎ ‎العدد‎ ‎الكبير‎ ‎من‎ ‎الأسرى.‎
أما‎ ‎رسالته‎ ‎الثانية‎ ‎فكانت‎ ‎‎للأسرى‎ ‎داخل‎ ‎السجون‎ ‎قال فيها: "إخواني‎ ‎أنتم‎ ‎جرح‎ ‎مفتوح‎ ‎ومؤلم‎ ‎ونازف الكل‎ ‎استقبلنا‎ ‎وقبلنا ‏وأتبع‎ ‎ذلك‎ ‎بوعد‎ ‎أن‎ ‎الأسرى‎ ‎سيخرجون إن‎ ‎انكسار‎ ‎العقيدة‎ ‎الصهيونية ينبئ‎ ‎بأن‎ ‎الانتصار‎ ‎أقرب‎ ‎مما‎ ‎نتخيل سندافع‎ ‎عنكم‎ ‎ونفضح‎ ‎ممارسات الاحتلال‎ ‎بحقكم".

(المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 26/10/2011)