المحرر الشيخ عبد الرحمن صلاح: أرواحنا ما زالت أسيرة تنتظر حرية باقي الأسرى

 

اغرورقت بالدموع‎ ‎عيني‎ ‎المحرر‎ ‎الشيخ‎ ‎عبد‎ ‎الرحمن صلاح‎ ‎القيادي‎ ‎في‎ ‎حركة ‎‎‎"‎حماس "‎فور‎ ‎تحرره من‎ ‎سجون‎ ‎الاحتلال‎ ‎ووصوله‎ ‎لمقر‎ ‎المقاطعة‎ ‎في رام‎ ‎الله‎ ‎عندما‎ ‎علم‎ ‎أن‎ ‎الشابين‎ ‎اللذين‎ ‎‎اقبلا عليه‎ ‎وعانقاه‎ ‎بحب‎ ‎وشوق‎ ‎أحدهما‎ ‎ولده والثاني‎ ‎شقيقه‎ ‎اللذين‎ ‎لم‎ ‎يتمكن‎ ‎من‎ ‎التعرف عليهما. وبحزن‎ ‎‎وألم‎ ‎رغم‎ ‎فرحته‎ ‎العارمة بالتحرر‎ ‎قال: "كل‎ ‎حكاية‎ ‎الإفراج‎ ‎وانجاز الصفقة‎ ‎هي‎ ‎حلم‎ ‎في‎ ‎حلم، وأسرح‎ ‎‎في‎ ‎مخيلتي لكي‎ ‎أتأكد‎ ‎هل‎ ‎أنا‎ ‎في‎ ‎حلم‎ ‎أم‎ ‎في‎ ‎علم‎ ‎بسبب التعقيدات‎ ‎الكثيرة‎ ‎التي‎ ‎واجهت‎ ‎الصفقة‎ ‎التي كسرت‎ ‎أخيراً‎ ‎‎المعايير‎ ‎الصهيونية‎ ‎وحققت الأمل‎ ‎الذي‎ ‎طالما‎ ‎انتظرناه، وفي‎ ‎كل‎ ‎لحظة أتذكر‎ ‎أولى‎ ‎لحظات‎ ‎الحرية‎ ‎عندما‎ ‎‎كان‎ ‎أبناء شعبنا‎ ‎في‎ ‎استقبالنا‎ ‎وجاء‎ ‎إلي‎ ‎شخصان‎ ‎وأخذا يحضناني‎ ‎حيث‎ ‎تساءلت‎ ‎في‎ ‎نفسي‎ ‎من‎ ‎يكون هؤلاء‎ ‎ومن‎ ‎‎أين‎ ‎يعرفاني".‏ وأضاف: "تبين‎ ‎لي‎ ‎بعد‎ ‎ذلك‎ ‎أن‎ ‎ذلك‎ ‎الشاب الذي‎ ‎يبلغ‎ ‎السادسة‎ ‎عشر‎ ‎من‎ ‎عمره‎ ‎هو‎ ‎ابني فادي‎ ‎الذي‎ ‎‎تركته‎ ‎طفلاً‎ ‎صغيراً،‎ ‎والآخر‎ ‎شقيقي محمد‎ ‎الذي‎ ‎تغيرت‎ ‎ملامحه، حيث‎ ‎أنهما‎ ‎كانا ممنوعان‎ ‎من‎ ‎زيارتي‎ ‎مما‎ ‎‎حرمني‎ ‎من‎ ‎معرفتهما،‎ ‎ولكني‎ ‎أشعر‎ ‎اليوم‎ ‎بفخر‎ ‎شديد‎ ‎لأنني‎ ‎عدت لهما‎ ‎ولعائلتي‎ ‎لأعوضها‎ ‎عن‎ ‎أيام‎ ‎العذاب".‎‏ ‏

لحظات‎ ‎لا‎ ‎تنسى
ورغم‎ ‎الحشود‎ ‎الكبيرة‎ ‎التي‎ ‎تتوافد‎ ‎على منزل‎ ‎الشيخ‎ ‎صالح‎ ‎في‎ ‎جنين، فإنه‎ ‎لا‎ ‎زال يروي‎ ‎‎ويتذكر‎ ‎التفاصيل‎ ‎الدقيقة‎ ‎للأيام الأخيرة‎ ‎منذ‎ ‎الإعلان‎ ‎عن‎ ‎صفقة‎ ‎التبادل، وقال: "‎كنت‎ ‎أعلم‎ ‎منذ‎ ‎ثلاثة‎ ‎أشهر‎ ‎بأن‎ ‎‎اسمي‎ ‎مدرج ضمن‎ ‎صفقة‎ ‎التبادل‎ ‎من‎ ‎خلال‎ ‎تطمينات الأخوة‎ ‎في‎ ‎حماس، ولكن‎ ‎قبل‎ ‎الحديث‎ ‎عن‎ ‎أي شيء‎ ‎يجب‎ ‎‎أن‎ ‎أوجه‎ ‎التحية‎ ‎إلى‎ ‎قيادات‎ ‎حركة حماس‎ ‎في‎ ‎السجون‎ ‎الذين‎ ‎آثرونا‎ ‎على‎ ‎أنفسهم".‏ وأضاف "أن‎ ‎الأسرى‎ ‎الذين‎ ‎‎رفضت‎ ‎دولة العدو إدراجهم‎ ‎في‎ ‎الصفقة‎ ‎أرسلوا‎ ‎قبل‎ ‎أشهر‎ ‎للقيادة في‎ ‎الخارج‎ ‎يقولون‎ ‎إنه‎ ‎إذا‎ ‎كنا‎ ‎نحن‎ ‎عثرة‎ ‎في تنفيذ‎ ‎‎الصفقة‎ ‎فأتموها، وهو‎ ‎ما‎ ‎كان‎ ‎له‎ ‎الأثر الأكبر‎ ‎في‎ ‎دفع‎ ‎الأمور‎ ‎نحو‎ ‎الانفراج،‎ ‎لقد‎ ‎آثرونا على‎ ‎أنفسهم‎ ‎لذلك‎ ‎لهم‎ ‎منا‎ ‎‎كل‎ ‎التقدير‎ ‎والوفاء والعهد‎ ‎بان‎ ‎لن‎ ‎نفرح‎ ‎حتى‎ ‎تحررهم ".‎‏ ووسط‎ ‎مشاعر‎ ‎الفخر‎ ‎والاعتزاز، قال‎ ‎الشيخ ‏المحرر: "إن‎ ‎ما‎ ‎يقال‎ ‎عن‎ ‎وجود‎ ‎تذمر‎ ‎وغضب داخل‎ ‎السجون‎ ‎من‎ ‎عدم‎ ‎شمول‎ ‎عدد‎ ‎من‎ ‎قادة الأسرى‎ ‎بالصفقة‎ ‎‎غير‎ ‎صحيح،‎ ‎حيث‎ ‎أقام الأخوة‎ ‎في‎ ‎السجون‎ ‎لنا‎ ‎الاحتفالات‎ ‎فور‎ ‎تأكد ورود‎ ‎أسمائنا‎ ‎في‎ ‎الصفقة‎ ‎يوم‎ ‎الجمعة‎ ‎‎الماضية، وبعد‎ ‎الإفراج‎ ‎عنا‎ ‎ما‎ ‎زالت‎ ‎الاحتفالات‎ ‎تقام‎ ‎في كل‎ ‎السجون،‎ ‎واليوم‎ ‎اتصل‎ ‎بي‎ ‎الأخوة‎ ‎من‎ ‎داخل السجن‎ ‎‎وأخبروني‎ ‎بأنهم‎ ‎أقاموا‎ ‎حفل‎ ‎‏‏‎ ‎في‎ ‎مجدو بمناسبة‎ ‎الإفراج‎ ‎عنا"‎.

أجمل‎ ‎اللحظات
وعقب‎ ‎إعلان‎ ‎الأسرى‎ ‎‎الإضراب، تعرض الشيخ‎ ‎صلاح‎ ‎وعدد‎ ‎من‎ ‎الأسرى‎ ‎للقمع‎ ‎ونقلتهم الإدارة‎ ‎من‎ ‎سجن‎ ‎شطة‎ ‎لمجدو‎ ‎في‎ ‎إطار‎ ‎‎الخطوات العقابية‎ ‎لإنهاء‎ ‎إضراب‎ ‎الأسرى،‎ ‎وقال: "‎‏انقطعنا‎ ‎عن‎ ‎العالم‎ ‎وأخباره‎ ‎لمدة‎ ‎يومين، ‏وعندما‎ ‎أدخلوني‎ ‎لقسم‎ ‎‏4‏‎ ‎في‎ ‎سجن‎ ‎مجدو كان‎ ‎الأسرى‎ ‎يحتفلون‎ ‎بإعلان‎ ‎خبر‎ ‎توقيع الصفقة‎ ‎ولأني‎ ‎كنت‎ ‎أعلم‎ ‎‎بورود‎ ‎اسمي‎ ‎في‎ ‎قائمة التبادل،‎ ‎استبشرت‎ ‎خيرا‎ ‎وانتظرنا‎ ‎التفاصيل والأسماء"‎ØŒ‎ ‎وأضاف: "‎‎كانت‎ ‎لحظات‎ ‎صعبة‎ ‎‎حتى تأكدت‎ ‎من‎ ‎ورود‎ ‎اسمي‎ ‎في‎ ‎صفقة‎ ‎التبادل‎ ‎من خلال‎ ‎بث‎ ‎إحدى‎ ‎الإذاعات‎ ‎ ‎المحلية‎ ‎لأسماء الأسرى‎ ‎المفرج‎ ‎‎عنهم، وشعرت‎ ‎بارتياح‎ ‎كبير لأن‎ ‎الإفراج‎ ‎عني‎ ‎تم‎ ‎إلى‎ ‎المنزل‎ ‎وليس‎ ‎الإبعاد وحتى‎ ‎اليوم‎ ‎أعيش‎ ‎في‎ ‎حلم‎ ‎ولا‎ ‎‎أصدق‎ ‎ما‎ ‎جرى لكنها‎ ‎كانت‎ ‎أجمل‎ ‎لحظات‎ ‎عمري‎".

التلاعب‎ ‎بالأعصاب
تكتمت‎ ‎الإدارة‎ ‎على‎ ‎الأسماء‎ ‎‎والتفاصيل،‎ ‎وقال‎ ‎الشيخ‎ ‎صالح" استمرت‎ ‎الإدارة‎ ‎في التلاعب‎ ‎بأعصابنا‎ ‎ولم‎ ‎تخبرنا‎ ‎بأسماء‎ ‎المفرج عنهم‎ ‎حتى‎ ‎‎يوم‎ ‎الإفراج،‎ ‎عندما‎ ‎دخل‎ ‎ضابط السجن‎ ‎إلى‎ ‎القسم‎ ‎الذي‎ ‎كنت‎ ‎متواجدا‎ ‎به، وقال لي: عبد‎ ‎الرحمن‎ ‎أحضر‎ ‎معك‎ ‎‎فرشاة‎ ‎الأسنان فقط وأغراض‎ ‎Ùƒ‎ ‎الأخرى‎ ‎سيسلمك‎ ‎إياها الصليب‎ ‎الأحمر، وكان‎ ‎معي‎ ‎في‎ ‎نفس‎ ‎القسم معتقل‎ ‎‎من‎ ‎قطاع‎ ‎غزة‎ ‎ورد‎ ‎اسمه‎ ‎في‎ ‎الصفقة ولم‎ ‎يبلغوه‎ ‎وعندما‎ ‎هم‎ ‎الضابط‎ ‎بالخروج‎ ‎قلنا وماذا‎ ‎عن‎ ‎المعتقل‎ ‎الآخر‎ ‎فقال ‎‎:‎نعم‎ ‎افعل‎ ‎ما قلته‎ ‎لعبد‎ ‎الرحمن".‏
كباقي‎ ‎الأسرى‎ ‎نقل‎ ‎الى‎ ‎سجن‎ ‎النقب‎ ‎ليلة الإفراج،‎ ‎وقال: " كان‎ ‎هناك‎ ‎أسرى‎ ‎‎مضربين‎ ‎عن الطعام‎ ‎وفي‎ ‎وضع‎ ‎صحي‎ ‎صعب،‎ ‎ورفضوا‎ ‎فك الإضراب‎ ‎لأننا‎ ‎ورغم‎ ‎أننا‎ ‎نعلم‎ ‎أنه‎ ‎سيفرج‎ ‎عنا إلا‎ ‎‎أن‎ ‎أحداً‎ ‎لم‎ ‎يبلغنا‎ ‎بذلك‎ ‎حتى‎ ‎الآن،‎ ‎وفجأة رأينا‎ ‎وفدا‎ ‎رسميا‎ ‎ببدلات‎ ‎يدخل‎ ‎القسم، وإذا‎ ‎هم‎ ‎الوفد‎ ‎المصري‎ ‎‎المشرف‎ ‎على‎ ‎تنفيذ الصفقة‎ ‎فدخلوا‎ ‎إلينا‎ ‎وتحدثوا‎ ‎معنا،‎ ‎وعرفوا على‎ ‎أنفسهم‎ ‎فضم‎ ‎القنصل‎ ‎المصري‎ ‎في‎ ‎تل الربيع،‎ ‎‎والقنصل‎ ‎المصري‎ ‎في‎ ‎رام‎ ‎الله‎ ‎وآخرون من‎ ‎رتب‎ ‎رفيعة؛‎ ‎وخاطبوا‎ ‎الأسرى‎ ‎المضربين وقالوا‎ ‎لهم:‎ إن‎ ‎صفقة‎ ‎‎التبادل‎ ‎بين‎ ‎الكيان وحماس‎ ‎تتضمن‎ ‎تلبية‎ ‎جميع‎ ‎مطالب‎ ‎الأسرى المضربين،‎ ‎وعندها‎ ‎فك‎ ‎الأسرى‎ ‎المنوي‎ ‎‎الإفراج عنهم‎ ‎الإضراب".‏

الخداع‎ ‎حتى‎ ‎آخر‎ ‎لحظة
وأضاف‎ ‎المحرر:‎ "أن‎ ‎المخابرات‎ ‎حاولت‎ ‎التلاعب بنا‎ ‎فقد‎ ‎طلبوا‎ ‎‎منا‎ ‎وبشكل‎ ‎منفرد‎ ‎التوقيع‎ ‎على أوراق‎ ‎نتعهد‎ ‎فيها‎ ‎بأنه‎ ‎سيتم‎ ‎إعادتنا‎ ‎للسجن بنفس‎ ‎الحكم‎ ‎السابق‎ ‎في‎ ‎حال‎ ‎اعتقالنا‎ ‎‎على أية‎ ‎تهمة، وتابع‎ ‎قائلا: "الأوراق‎ ‎كانت‎ ‎باللغة العبرية، ولم‎ ‎يكن‎ ‎الأسرى‎ ‎يعرفون‎ ‎ما‎ ‎يدور فيها،‎ ‎علما‎ ‎أن‎ ‎‎‏15‏‎ ‎أسيرا‎ ‎وقعوا‎ ‎عليها‎ ‎ظانين أنها‎ ‎إجراءات‎ ‎عادية‎ ‎لاستكمال‎ ‎الإفراج‎ ‎إلى أن‎ ‎تصادف‎ ‎إخراج‎ ‎معتقل‎ ‎للتوقيع‎ ‎‎كان‎ ‎يجيد اللغة‎ ‎العبرية‎ ‎فجاء‎ ‎ونقل‎ ‎للجميع‎ ‎فحوى‎ ‎الورقة عندها‎ ‎أعلنا‎ ‎الاستنفار‎ ‎وطلبنا‎ ‎الوفد‎ ‎المصري الذي‎ ‎‎حضر‎ ‎مباشرة‎ ‎فأخبرناه‎ ‎بما‎ ‎جرى‎ ‎وأكد أن‎ ‎ذلك‎ ‎مخالفاً‎ ‎لما‎ ‎ورد‎ ‎في‎ ‎بنود‎ ‎الصفقة،‎ ‎وقلنا له:‎ "لن‎ ‎نهدأ حتى‎ ‎يتم‎ ‎‎إحضار‎ ‎الأوراق‎ ‎الأصلية التي‎ ‎وقعنا‎ ‎عليها‎ ‎وليس‎ ‎نسخا‎ ‎عنهاً.‎ وأضاف:‎‏ بالفعل‎ ‎أحضرها‎ ‎الوفد‎ ‎المصري، ومزقناها‎ ‎‎بشكل جماعي‎ ‎أمام‎ ‎رجال‎ ‎مخابرات‎ ‎الاحتلال‎ ‎ونحن نكبر‎ ‎ثم‎ ‎دسناها‎ ‎بأقدامنا‎ ‎وهو‎ ‎ما‎ ‎أغاظ‎ ‎ضباط السجن،‎ ‎بعد‎ ‎‎ذلك‎ ‎وقعنا‎ ‎جميعاً‎ ‎على‎ ‎تعهدات باللغة‎ ‎العربية‎ ‎مكونة‎ ‎من‎ ‎سطرين‎ ‎وهي: أننا نتعهد‎ ‎بالالتزام‎ ‎بما‎ ‎ورد‎ ‎في‎ ‎بنود‎ ‎‎صفقة‎ ‎تبادل الأسرى‎ ‎بين"‎الكيان"‎ وحركة‎ ‎حماس.‏

(المصدر:صحيفة القدس الفلسطينية)