‏ الأسير المحرر إبراهيم الزرد حكاية ألم ممزوجة بفرحة باهتة

امتزج شعور‎ ‎الفرح بالصدمة‎ ‎والذهول‎ ‎وعدم‎ ‎التصديق مع‎ ‎شعور الفخر‎ ‎والعزة‎ ‎‎عند‎ ‎الأسير‎ ‎المحرر‎ ‎إبراهيم‎ ‎الزرد بعد‎ ‎أن‎ ‎عاش‎ ‎لحظات‎ ‎تنسم‎ ‎خلالها‎ ‎عبير‎ ‎الحرية مع‎ ‎أهله‎ ‎وذويه‎ ‎وجيرانه آملاً‎ ‎‎ألا‎ ‎يصحو‎ ‎من‎ ‎هذا الحلم‎ ‎الجميل‎ ‎الذي‎ ‎لم‎ ‎يصدق‎ ‎حتى‎ ‎الآن‎ ‎بأنه حقيقة‎ ‎واقعة.‎
وفي‎ ‎حديث‎ ‎‎قال‎ ‎الأسير‎ ‎المحرر الزرد: "عندما‎ ‎سمعنا‎ ‎أن‎ ‎صفقة‎ ‎التبادل‎ ‎نجحت وأصبحت‎ ‎‎أمراً‎ ‎واقعا‎ ‎أصبنا‎ ‎بشعور‎ ‎الارتباك دون أدنى‎ ‎أمل‎ ‎بأننا‎ ‎سنخرج فقد‎ ‎سمعنا‎ ‎في‎ ‎السابق العديد‎ ‎من‎ ‎الأخبار‎ ‎التي‎ ‎‎قالت‎ ‎بأننا‎ ‎سنخرج‎ ‎والتي باءت‎ ‎بالفشل‎ ‎ما‎ ‎أعدم‎ ‎لدينا‎ ‎الأمل‎ ‎بأننا‎ ‎سنخرج وسنلاقي‎ ‎أهلنا‎ ‎وأحبتنا".
وأضاف: "في‎ ‎هذه‎ ‎اللحظات‎ ‎انتابنا‎ ‎شعور القلق‎ ‎والخوف الممزوج‎ ‎بالتوتر فالشعور‎ ‎في تلك‎ ‎اللحظات‎ ‎لا‎ ‎يوصف تلقينا‎ ‎الخبر‎ ‎الأول‎ ‎من قناة‎ ‎العربية‎ ‎وبعد‎ ‎ذلك‎ ‎بدأنا‎ ‎بتتبع‎ ‎القنوات الصهيونية‎ ‎حتى‎ ‎تأكدنا‎ ‎بأنه‎ ‎تم‎ ‎نجاح‎ ‎الصفقة وبتنا‎ ‎‎ننتظر‎ ‎الأسماء‎ ‎المنوي‎ ‎الإفراج‎ ‎عنها‎ ‎في‎ ‎توتر وقلق‎ ‎أكبر‎ ‎من‎ ‎السابق".
وأشار‎ ‎إبراهيم‎ ‎إلى‎ ‎أن‎ ‎فرحته‎ ‎وفرحة‎ ‎‎باقي الأسرى‎ ‎كانت‎ ‎مخنوقة‎ ‎لمخالجة‎ ‎الشك‎ ‎صدورهم جميعاً‎ ‎حتى‎ ‎لا‎ ‎يصدمون‎ ‎مجدداً‎ ‎بأن‎ ‎الصفقة‎ ‎لن تتم وبعد‎ ‎‎أن‎ ‎تأكدوا‎ ‎بالفعل‎ ‎أصبحت‎ ‎حياتهم داخل‎ ‎السجن‎ ‎مختلفة حيث‎ ‎قتلت‎ ‎فرحتهم لشعورهم‎ ‎بأن‎ ‎هناك‎ ‎آلاف‎ ‎الأسرى‎ ‎‎سيبقون‎ ‎داخل السجن وكانت‎ ‎صالة‎ ‎الجمعة‎ ‎الأولى‎ ‎بعد‎ ‎النبأ ‏"‎مناحة" وتعني‎ ‎أن‎ ‎الجميع‎ ‎كان‎ ‎يبكي‎ ‎فيها‎ ‎لفراقه ‏أصدقاءه‎ ‎ولحزنه‎ ‎على‎ ‎من‎ ‎تبقى وبسبب "‎عشرة العمر‎ ‎وألم‎ ‎الفراق.‎‏ وأضاف‎ ‎إبراهيم: "لحظة‎ ‎خروجنا‎ ‎من‎ ‎‎السجن بدأنا‎ ‎بتوديع‎ ‎أصدقائنا‎ ‎ولم‎ ‎أستطع‎ ‎في‎ ‎هذه اللحظة‎ ‎توديع‎ ‎صديقي‎ ‎لعدم‎ ‎قدرتي‎ ‎على‎ ‎مواجهة ملامح‎ ‎‎وجهه فأنا‎ ‎سأتركه‎ ‎داخل‎ ‎المعتقل‎ ‎وسأنعم بالحرية امتزج‎ ‎شعور‎ ‎الفرحة‎ ‎لدي‎ ‎بالحزن الشديد إضافة‎ ‎إلى‎ ‎أن‎ ‎جنود‎ ‎الاحتلال‎ ‎الصهيوني لم‎ ‎يمهلونا‎ ‎الفرصة‎ ‎الكافية‎ ‎لتوديع‎ ‎أصدقائنا ومحاولتهم‎ ‎المستمرة‎ ‎للعب‎ ‎‎بأعصاب‎ ‎الأسرى واستفزازهم‎ ‎بشكل‎ ‎كبير".
وأوضح‎ ‎أن‎ ‎السجن‎ ‎في‎ ‎هذه‎ ‎اللحظات‎ ‎كان‎ ‎أشبه بالميتم‎ ‎لأن‎ ‎أحداً‎ ‎‎من‎ ‎الأسرى‎ ‎أو‎ ‎المحررين‎ ‎لم‎ ‎يستطع التعبير‎ ‎عما‎ ‎يجول‎ ‎في‎ ‎خاطره‎ ‎من‎ ‎أفكار‎ ‎أو‎ ‎في‎ ‎ما يجول‎ ‎بصدره‎ ‎من‎ ‎‎مشاعر وقال: "أظهرنا‎ ‎التعاطف مع‎ ‎من‎ ‎تبقى‎ ‎في‎ ‎السجن‎ ‎والحزن‎ ‎الشديد فهم‎ ‎كانوا يأملون‎ ‎طيلة‎ ‎السنوات‎ ‎‎الماضية‎ ‎بهذه‎ ‎اللحظة‎ ‎التي يجب‎ ‎أن‎ ‎يحرروا‎ ‎فيها".
أما‎ ‎عن‎ ‎لحظة‎ ‎خروجهم‎ ‎من‎ ‎أقسامهم‎ ‎قال إبراهيم: "أخرجونا‎ ‎من‎ ‎السجن‎ ‎يوم‎ ‎الأحد‎ ‎الساعة السابعة‎ ‎صباحاً‎ ‎وأبقونا‎ ‎في‎ ‎الساحات‎ ‎حتى‎ ‎الساعة الثانية‎ ‎عشرة‎ ‎ظهراً‎ ‎من‎ ‎‎أجل‎ ‎التلاعب‎ ‎بأعصابنا وكان‎ ‎الجنود‎ ‎يعاملوننا‎ ‎بحقد‎ ‎كبير‎ ‎فقد‎ ‎قيدوا أيدينا‎ ‎بقسوة‎ ‎وكانت‎ ‎نظراتهم‎ ‎إلينا‎ ‎تعبر‎ ‎عن‎ ‎‎عدم رغبتهم‎ ‎بخروجنا وبعد‎ ‎ذلك‎ ‎نقلونا‎ ‎من‎ ‎نفحة‎ ‎إلى النقب‎ ‎واستمرت‎ ‎رحلة‎ ‎الباص‎ ‎الحديدي "‎البسطة"‎‏ مدة‎ ‎‏13‏‎ ‎‎ساعة‎ ‎متواصلة‎ ‎في‎ ‎أوضاع‎ ‎صعبة‎ ‎للغاية دون‎ ‎حمام‎ ‎على‎ ‎الرغم‎ ‎من‎ ‎أن‎ ‎الطريق‎ ‎يمكن‎ ‎قطعها في‎ ‎مدة‎ ‎نصف‎ ‎‎ساعة‎ ‎فقط.‎
وعن‎ ‎لحظة‎ ‎وصوله‎ ‎إلى‎ ‎قطاع‎ ‎غزة‎ ‎قال: "عندما وصلنا‎ ‎إلى‎ ‎حدود‎ ‎غزة‎ ‎كنا‎ ‎نشعر‎ ‎وأننا‎ ‎في‎ ‎حلم ‏حقيقي وخوف‎ ‎متواصل فالاحتلال‎ ‎الصهيوني غير‎ ‎مأمون‎ ‎الجانب ولازمنا‎ ‎هذا‎ ‎الشعور‎ ‎حتى‎ ‎بعد دخولنا‎ ‎‎الأراضي‎ ‎المصرية‎ ‎والفلسطينية‎ ‎وسماعنا بأن‎ ‎شاليط‎ ‎تم‎ ‎تسليمه‎ ‎بنجاح وكنا‎ ‎خائفين‎ ‎من حدوث‎ ‎أي‎ ‎خلل ولإدراكنا‎ ‎جيداً‎ ‎بان‎ ‎الاحتلال‎ ‎لا يلتزم‎ ‎بأي‎ ‎من‎ ‎وعوده".
وأضاف: "عندما‎ ‎وطأت‎ ‎أقدامنا‎ ‎أرض‎ ‎غزة‎ ‎شعرنا بخجل‎ ‎‎شديد‎ ‎من‎ ‎حفاوة‎ ‎الاستقبال‎ ‎وكرم‎ ‎أهل‎ ‎غزة اللامتناهي رأينا‎ ‎الدموع‎ ‎وذرفنا‎ ‎الدموع ولم أستوعب‎ ‎وقتها‎ ‎دموع‎ ‎‎طفلة‎ ‎هزتني‎ ‎وهي‎ ‎في‎ ‎السنة الثانية‎ ‎من‎ ‎عمرها وتساءلت‎ ‎حينها‎ ‎ما‎ ‎الذي‎ ‎أبكى هذه‎ ‎الطفلة ولم‎ ‎انتظر‎ ‎إجابة‎ ‎فقد‎ ‎‎كانت‎ ‎المشاهد مؤثرة‎ ‎وتبكي‎ ‎الحجر بالفعل‎ ‎الشعب‎ ‎الفلسطيني شعب‎ ‎جميل‎ ‎ويستحق‎ ‎الحياة".
وقال‎ ‎الأسير‎ ‎‎إبراهيم‎ ‎أنه‎ ‎لم‎ ‎يستوعب‎ ‎حتى هذه‎ ‎اللحظة‎ ‎ما‎ ‎الذي‎ ‎يجري على‎ ‎الرغم‎ ‎من‎ ‎أنه ذهب‎ ‎مع‎ ‎قريبه‎ ‎في‎ ‎الساعة‎ ‎الواحدة‎ ‎‎والنصف فجراً‎ ‎بعد‎ ‎انتهاء‎ ‎مهرجان‎ ‎الترحيب‎ ‎لتفقد‎ ‎شوارع غزة‎ ‎التي‎ ‎اشتاق‎ ‎إليها‎ ‎كثيراً ولكنه‎ ‎لم‎ ‎يتمكن بالفعل‎ ‎‎حتى‎ ‎هذه‎ ‎اللحظة‎ ‎من‎ ‎إدراكها‎ ‎لكثافة المهنئين‎ ‎وانشغاله‎ ‎المتواصل‎ ‎باستقبالهم‎ ‎وتذكرهم والتعرف‎ ‎عليهم".
ويفكر‎ ‎‎إبراهيم‎ ‎في‎ ‎هذه‎ ‎اللحظات‎ ‎أن‎ ‎يقوم بعمل‎ ‎فحوصات‎ ‎كاملة‎ ‎لجسمه‎ ‎وأن‎ ‎يلتحق‎ ‎في إحدى‎ ‎الجامعات‎ ‎الفلسطينية‎ ‎وأن‎ ‎‎يتزوج‎ ‎أيضاَ وقال: "أوجدت‎ ‎حالة‎ ‎من‎ ‎التوازن‎ ‎بيني‎ ‎وبين‎ ‎نفسي والمجتمع‎ ‎خلال‎ ‎فترة‎ ‎مكوثي‎ ‎في‎ ‎السجن فكنت ‏أتحدث‎ ‎إلى‎ ‎أي‎ ‎أسير‎ ‎جديد‎ ‎وكنت‎ ‎أسأله‎ ‎عن‎ ‎أحوال غزة‎ ‎وأحوال‎ ‎الناس‎ ‎فيها".
ووجه‎ ‎إبراهيم‎ ‎رسالة‎ ‎لأصدقائه‎ ‎‎الأسرى‎ ‎داخل السجون‎ ‎الصهيونية‎ ‎الذين‎ ‎لم‎ ‎تشملهم‎ ‎صفقة التبادل‎ ‎بين‎ ‎الاحتلال‎ ‎ ‎ ‎وحركة‎ ‎حماس والتي‎ ‎‎شملت‎ ‎الإفراج‎ ‎عن‎ ‎‏1027‏‎ ‎أسيرا‎ ‎فلسطينيا مقابل‎ ‎إطلاق‎ ‎سراح‎ ‎شاليط قال‎ ‎فيها‎ ‎لهم "‎اصبروا وصابروا‎ ‎فان‎ ‎‎الفرج‎ ‎قريب".
وشكر‎ ‎كل‎ ‎من‎ ‎ساهم‎ ‎في‎ ‎إنجاح‎ ‎صفقة‎ ‎التبادل داعياً بالرحمة‎ ‎إلى‎ ‎الشهداء‎ ‎منفذي‎ ‎عملية‎ ‎الوهم‎ ‎‎المتبدد التي‎ ‎أسر‎ ‎بموجبها‎ ‎شاليط وقال: "أشكرهم‎ ‎وأدعو‎ ‎لهم بالرحمة وأشكر‎ ‎كل‎ ‎من‎ ‎ساهم‎ ‎وبذل‎ ‎جهداً‎ ‎ولو‎ ‎‎بسيطا"ØŒ وأضاف: "نحن‎ ‎مدانون‎ ‎لكل‎ ‎أسرة‎ ‎فلسطينية‎ ‎لم‎ ‎تجد مأوى‎ ‎ولكل‎ ‎مريض‎ ‎حرم‎ ‎من‎ ‎العلاج".
وقال‎ ‎أيضاً: "أشعر‎ ‎بأنني‎ ‎لا‎ ‎شيء‎ ‎أمامكم‎ ‎يا‎ ‎أبناء شعبنا‎ ‎الفلسطيني‎ ‎العظيم أدعو‎ ‎الله‎ ‎أن‎ ‎أتمكن‎ ‎من خدمتكم‎ ‎قدر‎ ‎المستطاع‎ ‎‎حتى‎ ‎أوفيكم‎ ‎حقكم‎ ‎بكل ما‎ ‎أوتيت‎ ‎من‎ ‎عزيمة‎ ‎وإرادة سوف‎ ‎أبقى‎ ‎وفياً‎ ‎لكم ومقدراً‎ ‎لتضحياتكم‎ ‎الكبيرة".

(المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 6/11/2011)