الأسير المحرر إلى غزة أحمد التكروري وحكاية 24 عاماً في المعتقل

بقلم المحرر: أحمد التكروري

عائلة التكروري في أريحا ككل العائلات الفلسطينية تحلم بالحرية والأمان والعيش بهدوء وسلام.
تلك العائلة التي استقرت في قرية الديوك التحتا في مدينة أريحا بعد أن قدم الوالد جبرين عثمان التكروري من نيجيريا في العام 1947 للحج في مدينة القدس وخلال فترة إقامته بالقدس اندلعت حرب العام 48 ليبقى الوالد في فلسطين ويتزوج وينجب الأبناء المناضلين ورابعهم أحمد الأسير المحرر إلى قطاع غزة.
"الأيام" التقت شقيقة الأسير المحرر رقية التكروري لتروي حكاية 24 عاماً من الحرمان والعيش بمعاناة، وتروي لحظات اعتقال أحمد مع رفاقه جمعة آدم ومحمود أبو خرابيش، حيث اعتقل في الحادي والثلاثين من تشرين الأول من العام 1988.
تقول رقية: "في ذلك اليوم تفاجئنا بسماع صوت انفجار ورصاص ورأينا ناراً تندلع على الشارع الرئيس ويبعد عن بيتنا 500 متر وهرعنا لنرى ما الذي حصل ولكن لم نفهم شيئاً، وخلال دقائق كان جيش الاحتلال منتشرا بالمكان".
وتضيف: الحادث وقع في تمام الساعة الثامنة مساء ومع الساعة الحادية عشرة كان الجيش منتشرا بالمنطقة بأكملها، وأصبح الكل ينظر خلسة إلى تحركات الجنود، كنا نسكن في بيتين متجاورين نحن وجدتي، وإذا بالجيش يملأ بيتنا ويمنع الحركة، ثم اقتحموا بيت جدتي حيث كنا هناك وأخرجونا وسألوا عن ابن خالتي وقالوا أين صاحب هذا الحذاء، ثم دخلوا عنده للغرفة وأمروه بتغيير ملابسه ثم أجبرونا على الذهاب إلى بيتنا وإذا بإخوتي ووالدي مكبلين على الأرض والباب مغلق على والدتي، وما إن وصل ابن خالتي اقتادوا الجميع إلى جهة مجهولة، وكانوا إخواني الستة وابن خالتي السابع، ثم خرج الجيش من المنطقة وأعلنوا منع التجول ولم نستطيع التواصل".
وتواصل: وفي اليوم التالي تفاجئنا بوجود الجيش بالمنطقة مرة أخرى لكن تواجد معهم أصحاب الرتب العسكرية العالية وفتشوا المنطقة من جديد وحاولوا إخراج بعض الأشياء من بيتنا ولم نعلم مصير أولادنا لتلك اللحظة.
"اخرجوا والدتي ووالدي من البيت وبدؤوا بوضع المتفجرات بداخله وتم تجميع الأهالي في ساحة قريبة واخبرونا أن هذا البيت سينفجر، ولم يكتفوا ببيتنا بل وضعوا المتفجرات في بيت جدتي ثم فجروا البيتين ثم هدموا بيت خال أمي بالجرافة، والى هذه اللحظة لم نعرف مصير أبنائنا".
وبعد هدم البيوت الثلاثة، تضيف رقية: جلسنا عند الجيران وبداخل الخيم التي احضرها أهالي المنطقة، حينها عرفنا أن أحمد كان في سجن أريحا، وفي اليوم الثاني علمنا أن باصاً لجيش الاحتلال قد تم تفجيره، وبعد أسبوع عرفنا أن أحمد ورفاقه موجودون بسجن المسكوبية وكان عُمر أحمد آنذاك 21 سنة، وكان أحمد خارج أسوار السجن فقط منذ تسعة شهور حيث كان يقضي حكما بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتمكنا من زيارته بعد أربعين يوماً.
وتواصل: ثم صدر قرار بالحكم على أحمد مدى الحياة وكان الحديث يدور حول إبعاد العائلة وعدم السكن بنفس المنطقة وعشنا بوضع نفسي صعب، ولم نكن نستطيع أن نستأجر بيتاً فعشنا بالخيم وبالخشابيات وعشنا ظروفاً سيئة.
وخلال ال24 سنة التي مرت على أحمد داخل السجن كنا نعاني من الزيارات، لكن ما يؤلم أن والدي توفي وخالتي توفيت وجدتي توفيت وخالي توفى وأحمد داخل السجن، وتفاقمت المعاناة حين قرر الاحتلال إن زيارة السجناء فقط للقرابة الأولى.
وتقول رقية: منذ عشر سنوات لم أزر أحمد بالسجن ولم تكن تصلنا أخبار عن ورود اسمه بأية صفقة، ووالدتي لم تزره منذ خمس سنوات، وحتى الصفقات السابقة التي كانت تتم لم نكن نجهز أنفسنا ولا نتوقع خروجه، وحين سمعنا عن الصفقة الأخيرة لم نتوقع أن تشمل أحمد بسبب التعنت الصهيوني، وحين رأينا اسم أحمد على الانترنت بدأ القلق ينتابنا.
"وحين رأينا القائمة مرة أخرى شككنا بالأمر، وتفاجئنا بعدم وجود اسم جمعة ومحمود خاصة أنهم مرضى، وكانت المفاجأة بالباص الأخير الذي كان يقل أحمد وبقية السجناء وصرنا نصرخ أحمد أحمد أحمد.... حينها والدتي صمتت ولم تستطع الكلام، ولتلك اللحظة لم تصدق والدتي أن أحمد محرر وقالت لن أصدق حتى أراه دخل غزة".
"وما إن رأته داخل غزة حتى حزمت حقائبها وأبناءها ليتوجهوا إلى غزة للقاء أحمد حيث استغرق وصولهم القطاع ثلاثة أيام".
وعن لحظات اللقاء بين والدة أحمد وابنها قالت التكروري إنها "لحظات صمت وعناق وبكاء ولم يكن للكلام أي مكان خلال لحظات اللقاء".

(المصدر: جريدة الأيام الفلسطينية، 24/10/2011)