الأسير المحرر عويضة.. قضى 20 عاماً في الانفرادي وخرج مريضاً وغائباً عن الواقع

الحديث بين الابن عاصف وأبيه عويضة: "يا أبي تمنى فأنا خادمك الجديد" الأب لا يجيب، يعود الابن ليتوسل أباه: "يا حبيبي هل لك أن تدلني على ما تحب ما ترغب مما تخشى ما الذي يعيق تعرفك عليّ" الأب لا يجيب، ولا يفقد الابن الأمل بيوم ما "سيتعرف أبي عليّ وسيحادثني كما أشتاق وسيقول لي يا ابني".
هذا ما يتمناه الابن عاصف عويضة كلاّب من والده الأسير المحرر الذي أمضى 24 عاماً بسجون الاحتلال الصهيوني عشرين عاما منها قضاها وحيداً بالعزل الانفرادي، فلم يعد يعقل كيف يتحدث مع الناس أو ما هي ملامح البشر والشجر والأكل والشراب وما هو الجيد وما هو الرديء ومن هو الصديق ومن هو العدو، بالمختصر خرج الأب عويضة من زنزانته لا يعرف ابنه عاصف ولا يعرف شيئاً سوى الجلوس القرفصاء كما مضى من سني عمره في زنازين الاحتلال.
يقول ابنه عاصف ل "معا": "أشتاق للحديث الأبوي كما يفعل كل الآباء مع أبنائهم، لديّ الكثير لأحدثه عنه، لديّ تفاصيل الحياة التي مرت بي منذ وعيت الحياة ولم أجده هنا، تزوجت وأريد منه أن يتعرف إلى حفيده الذي حمل اسمه، أريد منه الكثير".
ويضيف: "سأصبر حتى يأتي اليوم الذي يناديني به باسمي ويقول لي يا ابني فأنا أشتاق لهذه الكلمة كثيراً فقد فقدتها طيلة عمري".
القصة تدور عن عويضة محمد كلاب من سكان منطقة الشيخ رضوان بقطاع غزة، الذي اعتقله الاحتلال الصهيوني في العام 1988 بعد أن ألقى قنبلة على تجمع جنود فقتل منهم ستة جنود العام 1988 وكان بصحة جيدة وبكامل قواه العقلية والجسمانية، وحكم عليه بالمؤبد أربع مرات، وتنقل بين السجون والزنازين الانفرادية، ومورس بحقه أقصى أنواع التعذيب والإهانة، وحرم من أبسط حقوقه وتعريضه للضغط النفسي والجسدي، فأصابته عدة أمراض نفسية وتدهورت حالته خلال تلك الفترة حتى فقد أهليته بشكل تام.
يقول عاصف عن والده: "قمنا بإجراء كومسيون طبي كامل لوالدي فاكتشفنا إصابته بأمراض جسدية عدة منها قرحة بالمعدة، التهابات صدرية وحصى بالكلى وأخرى عصبية فهو دائماً مرتجف خاصة شفته العليا ويديه".
الوالد في شبابه قبل دخوله في الأسر الصهيوني وقال الأطباء النفسيون لعائلته إن ابنهم البالغ من العمر ) 48 عاماً( الذي يجلس القرفصاء ويرفض الاختلاط بالناس ويخاف من إغلاق الأبواب والشبابيك كله ناجم عن العزل الانفرادي الذي قطعه عن التواصل مع العالم الخارجي، ونصحوا العائلة بإتباع جدول مخصص لتخطي الحالة النفسية التي وضعه بها الاحتلال فجميع التعاملات والطعام تتم على أنه طفل صغير مع المحاولة على دمجه بالمجتمع تدريجياً فالطعام عبارة عن شوربات خفيفة ثم طعام خفيف إلى أن تستطيع معدته هضم الطعام الطبيعي أما عن التعاملات فنصحوا بفتح الشباك ثم الباب ثم محاولة إخراجه للشارع ثم للمنتزه ثم لزيارة الأهل وهكذا.
يضيف عاصف: "أشعر أن أبي كالطفل الصغير لذلك أحاول تدليله كما الأطفال، فهو قضى 20 عاماً معزولاً ليس عاما أو عامين".
يعمل عاصف على بند البطالة بوزارة الأسرى بقطاع غزة ولكنه متخوف من أن يتم وقفها بعد خروج والده من السجن، مشيراً إلى انه بحاجة للعمل كي يؤمن قوت أطفاله وعائلته.
يضيف عن والده: "أنا فخور بأبي كيفما كان، هذا والدي الذي تمنيت رؤيته فقد اعتقل حين كان عمري 40 يوماً فقط لطالما اشتقت أن أقول كلمة أبي وجاء اليوم الذي أشعر به حقاً أن أبي بجانبي".
وعن شقيقته فداء التي تكبره بعامين قال: "هي أيضاً لا تفارقنا منذ تم الإفراج عن والدنا ونشعر أن واجبه علينا أن نقف بجانبه وفاء لتضحياته ولما قدمه من اجل قضيته ووطنه".

(المصدر: جريدة الأيام الفلسطينية، 25/10/2011)