أبو السعود: الحرية تبدأ وتنتهي بالوطن وتحرير الاسرى والخلاص من الاحتلال

"الحرية تبدأ وتنتهي بالوطن وبتحرير كل الأسيرات والأسرى والخلاص من الاحتلال ومستوطنيه، ولن نتذوقها أو نشعر بمعانيها قبل كسر القيود وتحطيم قضبان السجون وتحرير مناضلي الحرية وهدم الجدار العنصري وإزالة الحصار والاحتلال".. بهذه الكلمات استهل القائد في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المحرر أحمد أبو السعود حنني حديثه من منفاه القسري في دمشق التي اختارها ليكون في اقرب نقطة للوطن، وليبقى يناضل مع رفاق دربه حتى تحقيق الأهداف والثوابت الوطنية التي لا تنازل عنها والتي قدم الشعب الفلسطيني في سبيلها التضحيات الجسام وقوافل الشهداء وفي مقدمتها العودة، فلن نتنازل ولن نخضع لواقع الإبعاد وستبقى عيوننا تحدق نحو الوطن حتى العودة والحرية. مبادئ وأهداف كرس أبو السعود حياته لتحقيقها منذ التحاقه بصفوف الجبهة في ريعان الشباب في مسقط رأسه وبلدته بيت فوريك عام 1982، مؤكدا أنه لم ينس لحظة كل ذرة تراب من أرضها التي ينزرع حبها في قلبه ينبض حنينا وشوقا للعودة ويبشره رغم الإبعاد بان الحلم لن يموت بل تجدد في كل لحظة حتى في سنوات الأسر التي سطر فيها ملاحم البطولة والصمود والأمل.

من الذاكرة
عبر مسيرة كفاح وتضحية ترتبط بجذور عائلته المناضلة، لم يتردد أبو السعود يوما في تأدية واجبه، وعندما يجوب إرجاء دمشق ووسط أجواء الاحتفال والاستقبال بين رفاقه وأبناء شعبه ما زالت ذاكرته تعيش لحظات المحطات التي لن تمحوها الذاكرة، فرغم زواجه وما رزق به من أبناء قرر أن يواصل المعركة، ويقول: "آمنت بالجبهة وطريقها ولم أتردد في العمل في إطارها العسكري السري، خاصة وأن ارتباطي الوجداني والعقلي بالجبهة تعمق وتجذر داخل السجن خلال اعتقالاتي بفضل رفاق أتذكرهم بفخر وخصوصاً الشهيد الرفيق إبراهيم الراعي. كان نشاطه العسكري موجهاً لاصطياد الجنود والمستوطنين ونجح في تشكيل خلية سرية استمرت أكثر من 4 سنوات بفضل تمرس وإبداع في أساليب العمل السري، وأطلق الاحتلال على خليته حينها اسم (خلية المسدس الشبح) لأن كل عملها كان يستند إلى استخدام مسدسين اثنين لا غير، وفي 23/ 5/1987 تمكنت قوات الاحتلال من كشف القضية واعتقلوني وبعد رحلة تحقيق قاسية حكمت بالسجن المؤبد.

أيام لا تنسى
يقول: "يوم اعتقالي كانت ابنتي الكبرى في الثالثة عشرة، والصغرى بعمر أسبوعين وبينهما ثالثة من الذكور، ولن أنسى أبدا أنهم اعتقلوا زوجتي ومعها طفلتنا الرضيعة للضغط عليّ أيام التحقيق والتعذيب لنزع معلومات واعترافات مني، فمن الشبح إلى الحرمان من النوم والضرب المتواصل وحمامات الماء البارد والساخن والهز وغيرها من الأساليب الهمجية، بالإضافة لاعتقال المقربين من أهل وأصدقاء وشركاء عمل، ويذكر أبو السعود كيف حرم من النوم ثمانية أيام كاملة في معتقل المسكوبية مع أشكال التعذيب، متذكراً تجربة الشهيد إبراهيم الراعي الذي صمد عاماً كاملاً في أقبية التحقيق انتهت باغتياله على يد محققي الاحتلال بعدما أرسى نهجا وفكرا وتقليدا راسخا في صفوف أبناء الجبهة في فلسفة المواجهة خلف القضبان والتي آخذت أشكالا نضالية هامة بعد استشهاده.

محطات أخرى
لم ينل الحكم وهدم المنزل من معنويات وعزيمة أبو السعود الذي تحول من محارب سري إلى قائد بارز في الحركة الأسيرة وفي الجبهة الشعبية، وبينما واصل دوره النضالي والقيادي، فانه يفخر بما سطرته زوجته المناضلة من شموخ ووفاء ودعم ومؤازرة له، ويقول: "أصبحت مدرسة نضالية بكل معنى الكلمة، ناضلت معي وخاضت معارك التحدي على بوابات السجون وفي حياتها اليومية وصمدت أمام أحلك الظروف وبفضلها تخرج جميع أبنائي من الجامعات وأصبحوا آباءً وأمهات حيث يبلغ عمر حفيدتي الكبرى الثامنة عشرة، ورغم كل القهر والإبعاد يتحقق حلمنا وأملنا وسأرى أبنائي وأعانق أحفادي ونواصل المشوار مع زوجتي حتى نحقق كل الآمال والأهداف".

الحياة في السجن
ويستحضر أبو السعود واقع الأسر وتجربة المعتقلين وطبيعة العلاقات داخل السجن، ويقول: "إن حياة الأسير تمر بمراحل مختلفة وهي مرتبطة بالحياة السياسية وصراعاتها وتقلباتها، والعالقات كانت أكثر ترابطاً وانسجاماً في مرحلة الانتفاضة الأولى، وتراجعت بعد أوسلو حيث تغيرت نوعية المعتقلين أثناء الانتفاضة الثانية، ولكن دوما كانت إرادة الأسير أقوى من السجان في كل المحطات والمعارك ورغم الصمود والقوة والإيمان تمر في حياة الأسير دوما محطات إنسانية مؤلمة أشدها قساوة وفاة قريب لأسير ما فهي اللحظات التي لا تنسى، متذكراً الاحتضان والاهتمام من قبل رفاق السجن، ولقد فقدت والدتي، وأخي، وابن أخي الذين استشهدوا أثناء الانتفاضة الثانية، كانت والدتي تقول لي في كل زيارة: "المهم أنك تروّح وأنا طيبة"، لكنها توفيت عن عمر يناهز 73 عاماَ.
تلك اللحظة لم ينسها وما زال أبو السعود يتذكر لحظات علم بوفاة والدته ويقول: "في الذكرى 17 لاعتقالي، وصل خبر وفاة أمي إلى رفيق في سجن مجدو فأرسل خبراً إلى سجن عسقلان حيث كنت، وقام الرفاق بإرسال ورقة مع ضابط السجن كتب فيها: نعزيك بوفاة الوالدة وعندما سلمني الورقة وقرأتها، تركت الرفاق يكملون عشاءهم ثم قلت لهم: تعالوا أحكيلكم عن أمي. وأكثر لحظات حزني أن جميع أولادي تزوجوا ولم أحضر زفاف أي منهم، تلك شكلت مشقة نفسية كبيرة لكل أسير، وأتمنى أن لا يعيشها أحد بعد الآن وتبيض السجون ويفرح كل أسير بأبنائه في كل محطة ولحظة من حياتهم. ومن المحطات الهامة يتذكر أبو السعود، لحظة اعتقال الأمين العام أحمد سعدات ورفاقه واختطافهم من سجن أريحا، ويقول: سيطر شعور من الألم والغضب على الأسرى الرفاق ورغم ألمنا لاعتقال الأمين العام وإدراكنا للأثر السلبي على الجبهة والنضال الوطني عموماً، إلا أن دوره في السجون وقيادة منظمات الجبهة الأسيرة مع القائد عاهد أبو غلمة كان كبيراً جداً لرفع معنويات الأسرى وتنظيم صفوفهم، وهيكلة البنية الحزبية في الأسر. ومن اللحظات القاسية استشهاد الأمين العام أبو علي مصطفى وحالة الغضب والحزن التي اجتاحت الأسرى ثم حالة الفرح يوم الرد.

الإضراب الأخير
ولأنه أحد مخططي وقادة الإضراب الأخير في السجون قبل تحرره، يتحدث أبو السعود عن تفاصيل تلك المعركة، ويقول: "هذا الإضراب لم يأتِ وليد اللحظة، بل بدأ التفكير به منذ أكثر من عامين من خلال القائدين أحمد سعدات وعاهد أبو غلمة في سجن هداريم، والتفكير بالإضراب جاء بالتنسيق مع جميع الفصائل التي أكدت استعدادها للانخراط فيه كرد فعل على فشل إضراب 2004، وقد حاولت إدارة السجون إقناع الأسرى وتثبيت فكرة فشل سلاح الإضراب، ولكن إصرار الرفاق أفشل مساعي الاحتلال ونفذ الرفاق إضراباً تكتيكياً في شهري نيسان وأيار استمر 9 أيام بينما تم تأجيل الإضراب الاستراتيجي لغاية شهر أيلول وكانت المطالب تتمثل أساساً في إنهاء العزل وتحسين شروط الحياة واستعادة حق التعليم وفرضت الظروف السياسية تأجيل الإضراب ليوم 27 أيلول، وقد بُلغت جميع الفصائل وطلب الرفاق مشاركتها ولكن للأسف لم ينجح الرفاق في جذب إجماع حول الإضراب لأسباب لعلها باتت معروفة اليوم. في اليوم الثاني من الإضراب عاقبت إدارة السجون أبو السعود بالعزل وعن ذلك يقول: "قبل الإضراب بيوم حضر ضابط استخبارات المنطقة الجنوبية إلى سجن بئر السبع وسألنا عن الإضراب وأبلغته بوجود فرصة أخيرة لهم مدتها يوم واحد لفك عزلة المعزولين وإلا فإن الإضراب سينطلق غداً، وسلمناهم رسالة الإضراب مساءً، وهم حاولوا تجاهل إضرابنا يوم 27 ولكن يوم 28 شنوا حملة تفتيش على كل منظمات الجبهة في السجون ثم قاموا بترحيلي إلى سجن (إيلا) وهو سجن جديد خاص بالجنائيين تتعهده شركة أمنية، وأنا أول سجين سياسي أزج فيه، وقد تمكنت من توصيل رسالة عبر سجين للأسرى وأبلغتهم بمكاني، حيث جرت محاولات يائسة من الاحتلال لكسر إضرابي عن الطعام الذي استمر ليوم تنفيذ الصفقة.
وقال أبو السعود: "إننا في الجبهة كباقي الحركة الأسيرة لم يتم التشاور معنا إطلاقاً في مسألة القوائم وأية قضايا متعلقة بالصفقة والأسماء والعملية كانت مفاجئة للجميع، رغم انه كانت لدينا معلومات عن إدراج كل آسرانا المعتقلين قبل عام 2000". رغم توقيع الصفقة وإدراج اسمه، استمرت حكومة الكيان في عقاب أبو السعود وعزله للضغط عليه لإصدار قرار فك الإضراب، ويقول: "ولكني رفضت التراجع عن خيار الاضطراب حتى عندما أبلغوني بالإفراج عني والذي تأخر عن باقي الأسرى وكان تفكيري يتركز حول مصير الإضراب والأسرى والأمين العام سعدات وهل اسمه ضمن المفرج عنهم، وكان مؤلماً أن أبو غسان سيبقى في أسر الاحتلال، وقد ظننا في البداية أنها لعبة لكسر الإضراب، وعندما تأكدت لم أكن قادراً على الفرح بسبب بقاء أبو غسان في المعتقل وحاولت أدارة السجون استغلال تنفيذ الصفقة للتشويش على إضراب الأسرى وإجهاضه، ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً، كون الإضراب معداً له بدقة وله برنامج ومطالب واضحة منفصلة عن صفقة التبادل".

الإبعاد وسوريا
وأشار أبو السعود إلى أن موضوع الإبعاد لم يكن واضحاً لأي أسير، وقال: "لو كان الخيار لي سأذهب إلى منزلي في الضفة، وهذا الموضوع لم يطرح معنا على الإطلاق، عندما وصلنا النقب قالوا إنه من الممكن أن نذهب إلى غزة، ثم قالوا لنا أننا سنخرج إلى المنفى وكانت الخيارات تركيا أو قطر، قلت لنفسي ماذا سأفعل هناك، ولكن عندما وصلنا إلى مصر تبين أن سوريا خيار إضافي، ففضلت القدوم إلى سوريا حيث رفاقي ولارتباطي بها عاطفياً كوني زرتها أيام شبابي، ولا شك يوجد معايير لدى الاحتلال، متعلقة بالنشاط داخل السجون والأشخاص الذين يعتبر وجودهم في الوطن مزعجاً له، وهذا هو سبب اختيار أسماء المبعدين. وبين فرحة التحرر والسفر الطويل والوصول لدمشق ما زال أبو السعود يعيش الألم والمعاناة بسبب استمرار اعتقال باقي الأسرى، وقال: "في كل لحظة نعيش في الم وحزن كبير لا أنسى وجوه وعيون رفاقي وأخوتي في الأسر، بعضهم قضى أكثر من ربع قرن أمثال الأبطال وليد الدقة، ورشدي أبو مخ، و كريم يونس وغيرهم الكثير، وأمل أن يتم تحريرهم قريباً، ونعاهدهم أننا لن نتوقف عن طريقنا حتى التحرير والنصر، فعيوننا على كل أسير ولن يغمض لنا جفن حتى الإفراج عن آخر أسير".

 (المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 20/11/2011)