الأسير المحرر خالد محيسن وفرحته بأول عيد يقضيه مع أسرته

استقبل‎ ‎الأسير‎ ‎المقدسي‎ ‎المحرر‎ ‎خالد محيسن‎ ‎عيد‎ ‎الأضحى‎ ‎هذا‎ ‎العام‎ ‎بشكل‎ ‎مختلف، فقد‎ ‎‎استقبل أكثر‎ ‎من‎ ‎‏50‏‎ ‎عيداً‎ ‎على‎ ‎مدار‎ ‎‏26‏‎ ‎عاماً‎ ‎داخل‎ ‎سجون‎ ‎الاحتلال،‎ ‎تاركاً خلفه‎ ‎زوجة‎ ‎وجنينها )‎فداء(‎ وطفلته ‎ ‎‎)‎أمينة (‎التي‎ ‎كانت‎ ‎تبلغ عاماً‎ ‎ونصف‎ ‎العام‎ ‎عندما‎ ‎دخل‎ ‎السجن.‎
هذا‎ ‎العيد‎ ‎اشترى‎ ‎الأسير‎ ‎المحرر‎ ‎محيسن‎ ‎ثياب‎ ‎‎العيد‎ ‎لزوجته وابنتيه‎ ‎وأحفاده‎ ‎الثمانية ‏ –‎الذين‎ ‎لم‎ ‎يكن‎ ‎يعرفهم‎ ‎سوى‎ ‎من‎ ‎الصور التذكارية ‏-‎ØŒ‎ ‎كما‎ ‎انه‎ ‎لن‎ ‎يظهر‎ ‎في‎ ‎‎بدلته‎ ‎البنية‎ ‎اللون‎ ‎التي‎ ‎ارتداها لسنوات‎ ‎داخل‎ ‎السجون‎ ‎الصهيونية.‎

الزوجة‎ ‎مفيدة
من‎ ‎جهتها‎ ‎تقول‎ ‎زوجته‎ ‎مفيدة‎ ‎‎محيسن: "هذا‎ ‎العيد‎ ‎غير..‎‏ واعتبره‎ ‎عيدي‎ ‎السعيد‎ ‎الأول‎ ‎منذ‎ ‎سنوات‎ ‎طويلة،‎ ‎فكنت‎ ‎اقضي أول‎ ‎أيام‎ ‎العيد‎ ‎عند‎ ‎‎أهلي،‎ ‎وفي‎ ‎اليوم‎ ‎التالي‎ ‎تزوراني" ‎فداء‎ ‎وأمينة"‎‏ وزوجاهما‎ ‎وأولادهما..‎لكن‎ ‎هذه‎ ‎السنة‎ ‎زوجي‎ ‎قد‎ ‎تحرر‎ ‎وقد‎ ‎قمت ‏بإعداد‎ ‎الحلويات‎ ‎وطبخت‎ ‎بمنزلي‎ ‎المنسف‎ ‎فرحا‎ ‎لوجوده‎ ‎معي، بعد‎ ‎أن‎ ‎كان‎ ‎العيد‎ ‎لي‎ ‎مأساة"‎ØŒ‎ ‎وتضيف: "لقد‎ ‎‎اشترى‎ ‎لي‎ ‎سيارة هدية‎ ‎العيد".

شعور‎ ‎الأسير‎ ‎المحرر‎ ‎في‎ ‎العيد
أما‎ ‎الأسير‎ ‎المحرر‎ ‎محيسن) ‎‏46‏‎ ‎عاما)‎ ‎الذي‎ ‎‎افرج‎ ‎عنه‎ ‎ضمن‎ ‎صفقة التبادل‎ ‎فيشعر‎ ‎بأنه‎ ‎ولد‎ ‎من‎ ‎جديد.. ‎فالحياة‎ ‎تغيرت‎ ‎بأكملها ‏..‎عاداتها‎ ‎وتقاليدها‎ ‎وها‎ ‎هو‎ ‎‎يتأقلم‎ ‎تدريجيا‎ ‎معها،‎ ‎وقال‎ ‎والدموع تذرف‎ ‎من‎ ‎عينيه: "نصفي‎ ‎الآخر‎ ‎تركته‎ ‎بالأسر..‎والفرحة‎ ‎تكاد تكون‎ ‎معدومة‎ ‎‎لأني‎ ‎تركت‎ ‎العديد‎ ‎من‎ ‎الأسرى‎ ‎الذين‎ ‎عشت‎ ‎معهم أكثر‎ ‎من‎ ‎‏20‏‎ ‎عاما"‎ØŒ‎ ‎وتساءل‎ ‎الأسير‎ ‎المحرر‎ ‎محيسن :"‎لماذا‎ ‎‎لم‎ ‎تشمل الصفقة‎ ‎أسرى‎ ‎أمضوا‎ ‎في‎ ‎السجون‎ ‎‏20‏ - ‎‏29‏‎ ‎عاما؟؟‎ ‎ومتى‎ ‎سيفرج عنهم؟؟‎ ‎فهذه‎ ‎الصفقة‎ ‎كانت‎ ‎أملهم‎ ‎‎الوحيد". وأضاف: "أسرتي‎ ‎التي‎ ‎تركتها‎ ‎قبل‎ ‎‏26‏‎ ‎عاماً‎ ‎ليست‎ ‎كالتي‎ ‎وجدتها اليوم..‎فعندما‎ ‎اعتقلت‎ ‎كان‎ ‎عمر‎ ‎ابنتي‎ ‎‎أمينة‎ ‎عاما‎ ‎ونصف‎ ‎فقط، وزوجتي‎ ‎حامل‎ ‎بفداء‎ ‎وكان‎ ‎عمرها‎ ‎‏19‏‎ ‎عاما،‎ ‎حيث‎ ‎عاشت‎ ‎سنوات صعبة‎ ‎جدا،‎ ‎فتربية‎ ‎‎طفلتين‎ ‎والعناية‎ ‎بوالدتي‎ ‎ليس‎ ‎بالهين، وقد‎ ‎استطاعت‎ ‎زوجتي‎ ‎تحمل‎ ‎ذلك‎ ‎العبء،‎ ‎ولنا‎ ‎اليوم‎ ‎‏8‏‎ ‎أحفاد‎ ‎لم أكن‎ ‎‎أعرفهم‎ ‎إلا‎ ‎عن‎ ‎طريق‎ ‎الصور،‎ ‎التي‎ ‎تعلق‎ ‎بجانبي‎ ‎في‎ ‎غرفة الاعتقال‎ ‎وفي‎ ‎قلبي".

سنوات‎ ‎الأسر‎ ‎القاسية‏
وأضاف‎ ‎محيسن: "السجن‎ ‎ليس‎ ‎منتجعاً‎ ‎ومكاناً‎ ‎سياحياً،‎ ‎لكنه بإرادتنا‎ ‎وإيماننا‎ ‎بعدالة‎ ‎القضية‎ ‎جعلناها‎ ‎جامعات‎ ‎‎ومدارس، فجميع‎ ‎الأسرى‎ ‎تعلموا‎ ‎وفرضوا‎ ‎على‎ ‎السجان‎ ‎العيش‎ ‎حياة كريمة". وعن‎ ‎المقاومة‎ ‎والنضال‎ ‎قال‎ ‎‎محيسن: "مجموعتنا‎ ‎كانت‎ ‎تتكون من‎ ‎‏12‏‎ ‎فرداً‎ ‎أبرزهم‎ ‎علاء‎ ‎البازيان،‎ ‎عصام‎ ‎جندل،‎ ‎علي‎ ‎المسلماني، فواز‎ ‎‎بختان..‎إضافة‎ ‎إلى‎ ‎أسرى‎ ‎قضوا‎ ‎أحكاماً‎ ‎خفيفة‎ ‎وانهوا محكوماتهم."‎

تفاؤل‎ ‎بالإفراج‎ ‎وإخفاقات
وحول‎ ‎‎الأجواء‎ ‎الأولى‎ ‎ما‎ ‎بعد‎ ‎اعتقاله‎ ‎قال‎ ‎محيسن: "في‎ ‎بداية أوسلو‎ ‎كنا‎ ‎متفائلين،‎ ‎ومعظم‎ ‎الأسرى‎ ‎كانوا‎ ‎مع‎ ‎اتفاق‎ ‎أوسلو‎ ‎‎ومع القيادة‎ ‎والثورة،‎ ‎وكان‎ ‎الأمل‎ ‎بأن‎ ‎نكون‎ ‎جزءاً‎ ‎من‎ ‎أوسلو،‎ ‎وقد‎ ‎وعدتنا القيادة‎ ‎الفلسطينية‎ ‎والشهيد‎ ‎الرمز‎ ‎‎الراحل‎ ‎ياسر‎ ‎عرفات‎ ‎بذلك، لكن‎ ‎للأسف‎ ‎لم‎ ‎يكن‎ ‎إلا‎ ‎كلاماً،‎ ‎فلم‎ ‎يكن‎ ‎أي‎ ‎بند‎ ‎بالاتفاقية‎ ‎خاصا بالأسرى".
وأضاف‎ ‎: "يعتبر‎ ‎ذلك‎ ‎إخفاقا‎ ‎كبيراً‎ ‎جداً‎ ‎بحقنا،‎ ‎فترك‎ ‎الأسرى خاصة‎ ‎الذين‎ ‎قاموا‎ ‎بعمليات‎ ‎عسكرية،‎ ‎الذين‎ ‎كانوا‎ ‎الحجارة‎ ‎‎لبناء وإنشاء‎ ‎الدولة،‎ ‎حيث‎ ‎قصرت‎ ‎القيادة‎ ‎بشكل‎ ‎كبير‎ ‎عندما‎ ‎تركتنا بالسجون‎ ‎ولم‎ ‎تستطع‎ ‎الإفراج‎ ‎عن‎ ‎أسير‎ ‎واحد‎ ‎‎خلال‎ ‎‏18‏‎ ‎عاما". وقال: "وجهنا‎ ‎عدة‎ ‎رسائل‎ ‎وكانت‎ ‎هناك‎ ‎تحركات‎ ‎ونشاطات لأهالي‎ ‎الأسرى‎ ‎عند‎ ‎القيادة‎ ‎‎الفلسطينية‎ ‎لإسماع‎ ‎صوتنا‎ ‎ØŒ‎ ‎لكن للأسف‎ ‎كل‎ ‎إفراج‎ ‎كان‎ ‎يتجاوز‎ ‎أسرى‎ ‎القدس‎ ‎والداخل،‎ ‎لكن‎ ‎لبّ القضية‎ ‎‎والأسرى‎ ‎بقوا‎ ‎في‎ ‎السجون،‎ ‎حتى‎ ‎جاءت‎ ‎صفقة‎ ‎التبادل وأفرجت‎ ‎عن‎ ‎جزء‎ ‎منهم‎ ‎لكن‎ ‎ما‎ ‎زال‎ ‎هناك‎ ‎آخرون".

الصفقة‎ ‎إنجاز‎ ‎وطني
ووصف‎ ‎الأسير‎ ‎المحرر‎ ‎محيسن‎ ‎صفقة‎ ‎التبادل‎ ‎بأنها "‎انجاز وطني"‎ مضيفاً‎ ‎أن‎ ‎السلطة‎ ‎‎اقتنعت )‎للأسف(‎بما‎ ‎يقوله الصهاينة‎ ‎عن‎ ‎أسرى‎ ‎قاموا‎ ‎بعمل‎ ‎عسكري‎ ‎بأن‎ ‎أياديهم )‎ملطخة بالدماء (‎ØŒ‎ ‎وإن‎ ‎‎أسرى‎ ‎القدس‎ ‎وال‎ ‎‏48‏‎ ‎هم‎ ‎"إسرائيليون"ØŒ‎ ‎وقد‎ ‎استجابت السلطة‎ ‎للمعايير‎ ‎الصهيونية.‎
وأكد‎ ‎محيسن‎ ‎على‎ ‎الأمل‎ ‎‎بالمفاوض‎ ‎الفلسطيني‎ ‎والرئيس محمود‎ ‎عباس،‎ ‎قائلا: "نتمنى‎ ‎منه‎ ‎أن‎ ‎يعدل‎ ‎أخطاء‎ ‎الماضي‎ ‎ويعمل عن‎ ‎طريق‎ ‎‎المفاوضات‎ ‎لإطلاق‎ ‎سراح‎ ‎الأسرى‎ ‎القدامى‎ ‎وأقدمهم الأسير‎ ‎كريم‎ ‎يونس"‎ØŒ‎ ‎واستهجن‎ ‎بقاء‎ ‎الأسير‎ ‎نائل‎ ‎‎البرغوثي‎ ‎منذ ‏34‏‎ ‎عاماً‎ ‎بالأسر".
وأوضح‎ ‎محيسن‎ ‎التخوف‎ ‎الكبير‎ ‎طوال‎ ‎فترة‎ ‎مفاوضات‎ ‎التبادل لأنه‎ ‎لم‎ ‎يتم‎ ‎‎إبلاغهم‎ ‎بأسماء‎ ‎الأسرى‎ ‎المنوي‎ ‎الإفراج‎ ‎عنهم،‎ ‎وقال‏: "لقد‎ ‎تم‎ ‎عزلنا‎ ‎عن‎ ‎العالم‎ ‎منذ‎ ‎الإعلان‎ ‎عن‎ ‎الصفقة‎ ‎بشكل‎ ‎‎كامل ولم‎ ‎نعرف‎ ‎ماذا‎ ‎يدور‎ ‎حولنا..‎فكان‎ ‎اليوم‎ ‎بسنة". وحول‎ ‎إبعاد‎ ‎الأسرى‎ ‎الى‎ ‎الخارج‎ ‎قال: "لم‎ ‎يرغم‎ ‎أي‎ ‎أحد‎ ‎‎على الإبعاد". وقال: "لقد‎ ‎وقعنا‎ ‎على‎ ‎ورقة‎ ‎بحضور‎ ‎السفير‎ ‎المصري‎ ‎قال‎ ‎انها جزء‎ ‎من‎ ‎الاتفاق‎‎ØŒ‎ ‎هي‎ ‎نبذ‎ ‎الإرهاب‎ ‎وعدم‎ ‎المشاركة‎ ‎بأي‎ ‎أعمال تنظيمية‎ ‎والحفاظ‎ ‎على‎ ‎أمن‎ ‎الكيان،‎ ‎وهناك‎ ‎أسرى‎ ‎رفضوا‎ ‎التوقيع وأفرج‎ ‎عنهم،‎ ‎‎حيث‎ ‎وعدتهم‎ ‎المخابرات‎ ‎الصهيونية‎ ‎بالملاحقة". وختم‎ ‎محيسن‎ ‎حديثه‎ ‎وقال: "أتمنى‎ ‎الحرية‎ ‎لكل‎ ‎سجين‎ ‎وكل‎ ‎أم ‏فلسطينية‎ ‎أن‎ ‎تعيش‎ ‎هذه‎ ‎الفرحة..‎وان‎ ‎يكون‎ ‎لهم‎ ‎عرس‎ ‎فلسطيني واستقبال‎ ‎جماهيري". ‏

 (المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 14/11/2011)