المحررون المقدسيون بين مطرقة الملاحقة وسندان الحالات الطارئة

بعد مضي نحو شهر على الافراج عن أسرى القدس في صفقة وفاء الأحرار، استدعت المخابرات الصهيونية معظم الأسرى ال 16 الذين تم تحريرهم إلى مدينة القدس لتمارس ضدهم انواعًا من التهديد الصارخ والواضح والمبطن بأنه سوف يتم اعتقال كل من يخالف القرارات التي فرضت عليهم إذا لم يوقعوا على استلام ما يسمى بأمر الحالات الطارئة لعام 1948 باسم نائب رئيس الحكومة ووزير الداخلية الصهيوني الياهو يشاي، ونصه: ("أنظمة حالات طارئة – الخروج لخارج البلاد لعام 1948 أمر منع الخروج من الدولة لأسباب أمنية " حسب صلاحيتي حسب بند الحالات الطارئة – الخروج لخارج الدولة – 1948 وبعد أن اقتنعت بانه يوجد شك ملموس بان خروج " إبراهيم عبد أحمد مشعل "- احد الذين تسلموا الامر – خروجه من البلاد قد يؤدي إلى الضرر على أمن الدولة، أنا آمر بذلك بمنعه من الخروج من دولة الكيان حتى قرار آخر"). أمر هذا يعطى للسيد مشعل حتى تاريخ 26/11/2011.
وقد أدى التعهد الذي فرض على عدد من الأسرى المحررين قبل الإفراج عنهم، وأمر الحالات الطارئة الذي فرض بعد التهديد بالاعتقال إلى القلق والبلبلة حيال هذه الإجراءات المجحفة بحقهم، دون معرفة قانونية هذه التعهدات والأوامر من جهة، ومن جهة أخرى فحوى الاتفاقية التي أبرمت من أجل الإفراج عنهم، وهل هذه الاجراءات تأتي ضمن صفقة التبادل أم لا.
وللاطلاع على مدى قانونية هذا الأمر يقول المحامي فادي القواسمي: "إن قانون الطوارئ يمنح وزير الداخلية ووزير الدفاع والحكومة في الكيان صلاحية وضع القيود على أي إنسان بحجة الأمن، ويمكن الاستنتاج أن كل الشروط التي تم إبلاغ الأسرى بها عند الافراج عنهم لم تكن صادرة عن رئيس الدولة، وبالتالي لم تكن مُلزمة لهم لذلك وجدت سلطات الاحتلال الحاجة إلى إصدار هذه الأوامر ضد الأسرى وفقا لقانون الطوارئ، لمعاقبتهم في حال مخالفة الأوامر الواردة في القرار، وهذا النوع من القرار وفقا للقانون يحق للمتضرر أن يقوم بتقديم اعتراض عليه لوزير الداخلية، وإذا رفض الاعتراض من الممكن التوجه للمحاكم الادارية من أجل تقديم استئناف على قرار وزير الداخلية.
أما بالنسبة لصفقة التبادل فقال: "ما تبين لنا وما سمعناه من المحررين أن مصلحة السجون حاولت إجبار الأسرى على التوقيع على وثيقه تتضمن موافقتهم على شروط لإطلاق سراحهم وهي: "أن الأسير في حالة ارتكابه لأي مخالفة جنائية عقوبتها المنصوص عليها بالقانون أكثر من ثلاثة شهور يجوز لسلطات الاحتلال إعادة اعتقاله من أجل تمضية ما تبقى من حكمه، وتم تحديد الفترة الزمنية في هذا الموضوع لثلاث سنوات من يوم الإفراج أو إلى امتداد الفترة المتبقية للأسير من حكمه الأقصى بينهم، فالمحكوم بالمؤبد معناه أن الشرط موضوع عليه مدى الحياة وأغلبية المحررين المقدسيين بقي من محكوميتهم أكثر من ثلاث سنوات، لذلك لا نستطيع تحديد أن هذه الشروط وفقا للقانون الصهيوني ملزمة أو لا، لأننا لا نعرف أن هذه الشروط صادرة عن رئيس الدولة في إطار العفو أو شروط وضعتها المخابرات الصهيونية، فإذا هي شروط صادرة عن المخابرات ليس لها قيمة وغير ملزمة، وإذا صدرت عن رئيس الدولة لا يوجد حاجة للحصول على موافقة الأسير أو التوقيع عليها، الوحيد الذي له صلاحية وضع الشروط رئيس الدولة، من ناحية أخرى نتساءل هل يحق لرئيس الدولة أن يضع أي شرط يراه مناسبا ؟.أم هناك معايير لوضع الشروط، ولكن بإمكان الأسرى المحررين طلب نسخة من قرار العفو، ودعا القواسمي إلى عدم ترك الأمور دون توضيح قانوني، فلا يمكن للأسير أن يستمر بالحياة دون أن يعرف ما هي الشروط المفروضة عليه.
وعلق وزير القدس السابق خالد أبو عرفة على هذه الاجراءات بقوله: "كان من الواضح أن هناك ثغرة كبيرة بخصوص توقيع الأسرى المحررين على تعهدات قدمتها مصلحة السجون الصهيونية، وكان ينبغي كما هو متفق عليه أن لا يتعهد المحررون بأية أمور كبرت أو صغرت، والثغرة تكمن في أنه لم يعمم على المحررين من قبل الطرف الفلسطيني المفاوض عدم التوقيع على أي تعهد تعميما واضحا وصريحا، لذا استغلت دولة الكيان هذا وقدمت هذه الأوراق ليوقع عليها الأسرى، فمنهم من وقع ظنا منه أن هذا الأمر ضمن شروط الصفقة ومنهم من لم يوقع، وقال أبو عرفة أن الطرف المصري من جهته يتحمل مسؤولية الأمر كونه على علاقة مباشرة بقيادة الأسرى داخل السجون، ومثل ذلك منظمة الصليب الأحمر الدولي التي تتحمل مسؤولية مباشرة وكبيرة. وأضاف: "الآن فإن مخالفة ما تم الاتفاق عليه يوجب على الأطراف المختلفة والدولية على وجه الخصوص التقدم بشكوى لدى المؤسسات الحقوقية والانسانية بأن هناك جريمة في حق الأسرى المحررين، مما يتوجب على الطرف الصهيوني الاعتذار الرسمي، ويوجب على الأطراف المختلفة الانتباه الشديد والاحتياط لسلوكيات المفاوض الصهيوني، ويتوجب أن تقوم منظمة الصليب الأحمر والمؤسسات الحقوقية والانسانية المحلية والدولية بعقد مؤتمر محلي ودولي، لتوضيح اتفاقية صفقة الأسرى وحقوق المحررين، والاستعداد التام لحمايتهم وتمكينهم من العودة إلى الحياة الطبيعية وسط أهلهم وشعبهم.
وأكد أبو عرفة أن أي اشتراطات صهيونية على الأسرى المحررين مرفوضه بالكامل خاصة وأن بعض هذه الشروط مدعاة للسخرية، فقد هددت المخابرات الأسير المحرر بإعادة اعتقاله لقضاء بقية حكمه الذي قد يصل لأحدهم إلى عام 2099، لذلك على الطرف الصهيوني أن يضمن أولاً أن يعيش الأسير المحرر إلى هذه الفترة من الحكم.
من جانبه قال رئيس لجنة أهالي الأسرى والمعتقلين المقدسيين أمجد أبو عصب أن ما يحصل هو استمرار لعملية الملاحقة بحق أسرانا المحررين، كمنعهم من السف
ر أو التوجه للضفة الغربية حتى نهاية محكومياتهم، مع العلم أن معظمهم حكم بالسجن مدى الحياة. وطالب الراعي المصري بالتدخل الفوري لوضع حد لهذه الاجراءات الظالمة كما طالب الفصائل التي كانت آسرة للجندي شاليط أن تبين بشكل واضح فحوى الاتفاقية.
من ناحيته قال مدير نادي الأسير بالقدس ناصر قوس: "هذه ضربه لصفقة التبادل التي قامت بها دولة الكيان والمقاومة الفلسطينية، ونحن نرفض هذه الاجراءات ولدينا تخوف من تنفيذ الخطوة الثانية من صفقة التبادل التي تقر بالافراج عن 550 أسير ونطالب الذين قاموا بهذه الصفقة إعلان موقفهم تجاه هذه الخطوات التي تقوم بها دولة الكيان، لأننا لا نعلم فحوى الاتفاق الذي حصل.
وقال المحرر إبراهيم مشعل: "للأسف الشديد أننا تركنا للجانب الصهيوني أن يعرض علينا ما يريد، في ظل غياب الجانب الآخر المفاوض الذي لم يعطنا أي معلومات عن الاتفاقية وما تم فيها، وهنا أعتقد أنه إخفاق وكان يجب التأكيد عليه كشرط عدم التعرض للأسرى، حتى لا يستغل الجانب الصهيوني هذه المسألة". وأضاف: "قبل يوم من الافراج عنا من السجن فرضوا علينا التوقيع على تعهد، وقد أكد القنصل المصري كلام الجانب الصهيوني، حيث قال ما دام قد طلبوا منك توقيع التعهد، فإذًا هذا ضمن الاتفاق، مشيرا أنه قبل الافراج بيوم واحد استدعت المخابرات الأهل، واشترطت عليهم عدم القيام بمظاهر احتفالية، وغيرت مواقع تسليم الأسرى لتشتيت تجمع المواطنين الذين حضروا لاستقبالهم، وتقدمت سيارة المخابرات سيارة المحرر حتى وصلت لمدخل منطقة سكناه". وقال: "لقد تلقيت يوم الاثنين الماضي اتصالا هاتفيا من المخابرات وطلبوا مني الحضور للمسكوبية، ووضعوا أمامي أمراً موقعا من وزير الداخلية، حينها طلبت إحضار محاميّ، فرفضوا بشدة وهددوني بالاعتقال، واستدعوا قوة من أجل وضعي في الزنزانة، بعدها وقعت على الورقة رغما عني، وكتبت تحت التوقيع أنني وقعت تحت التهديد بوضعي بالزنزانة، وتقضي الورقة بمنعي من السفر مدى الحياة كذلك عدم الدخول للضفة الغربية. وقسم كبير من أهلي يقطنون فيها، وشقيقتي إذا ناديت عليها من بيتي تسمعني ولا اقدر الوصول إليها".
أما المحررة سناء شحادة فقالت: "لقد اتصلوا معي واستدعوني للتوجه إلى المسكوبية يوم الاثنين الماضي، فتوجهت برفقة أشقائي، ولكنهم رفضوا إدخالهم معي، وقد تعرضت لتفتيش دقيق حتى أنهم فحصوا الحذاء، وبقيت نحو الساعتين في غرفة "4" وهناك عرض علي قائد منطقة مخيم شعفاط وعناتا ثلاثة أوراق باللغتين العربية والعبرية، تقضي بأني ممنوعة من مغادرة البلاد والتوجه للضفة الغربية حتى عام 2026ØŒ حينها قلت له أن بيتي في قلنديا ولكني أقيم حالياً عند شقيقي في مخيم شعفاط فأجابها الضابط لن تمنعي من التوجه لمخيم قلنديا لأنه يعتبر ضمن منطقة القدس، ولكنك ممنوعة من دخول رام الله ونابلس والخليل وبيت لحم وغيرها. وأضافت: "لقد رفضت التوقيع على الورقة وقلت للضابط لقد وقعت على تعهد قبل الافراج عني رغما عني وأنا غير راضية عن ذلك، حينها هددني بأن هذا قرار رئيس الدولة إذا لم توقعي عليه نعتقلك، فأجبته أريد أن أسأل محامي حيال هذه الورقة فرفض، ثم وقعت وسلمني قبل مغادرتي ورقة تلزمني الحضور كل شهر للمسكوبية للتوقيع". وتابعت: "والأمر لم يقتصر على ذلك بل قامت قوات كبيرة من الجيش ليلة الأربعاء 23 – 11 – 2011 بمداهمة منزلنا في مخيم قلنديا وتحطيم الباب الرئيسي، علماً أن أخي يقطن بجواره فسألوه عن مكان وجودي وماذا أعمل..ØŸ وأخذوا بالتحقيق معه لمدة ساعتين من الواحدة ليلا حتى الثالثة، ثم سلموه استدعاء لي للمقابلة في عوفر بتاريخ 28 – 11 – 2011ØŒ حينها قال له شقيقي أني أقطن بالقدس كيف سأذهب إلى عوفر، فقال له بإمكانها التوجه إلى مركز شرطة النبي يعقوب. ويذكر أن سناء شحادة  Ù‚ضت بالأسر عشر سنوات من حكم خمسة مؤبدات.
ولدى استدعاء المحرر ناصر عبدربه عرضت عليه المخابرات الصهيونية أمر الطوارئ لعام 1948 بند 6 والذي يقضي بعدم مغادرة البلاد خارج حدود الكيان، وطلب منه التوقيع عليها فرفض، مشيراً انه يريد استشارة محام للاعتراض قانونيا، وطالب ناصر وزارة الأسرى ونادي الأسير الفلسطيني تولي ملف الأسرى المحررين المقدسيين الذين تعرضوا لهذه الاجراءات.

(المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 27/11/2011)