الاسير وليد دقة يكتب حكاية "حارس البحر"

في سجنه "جلبوع" يستقبل "حارس البحر" الأسير حافظ قندس ابن يافا عامه الجديد والأخير كونه ينهي محكوميته البالغة 28 عاما في 2012-5-15، ووسط لوحات الصمود التي مازال يسطرها وصمته عن كل ما تعرض له ووالدته الصابرة الحاجة فاطمة المغربي التي انتظرت عودته في كل صفقة ولكنه لم يعد، فإن رفيق دربه في النضال والأسر والحلم الأسير وليد دقه من باقة الغربية في الداخل قرر أن يكسر حاجز الصمت، ويعبر عما عجز أو قرر أن يحتفظ به الأسير قندس ووالدته لنفسه من أحزان ومعان وكلمات وتساؤلات مع تكرار خذلانه المرة تلو المرة، وتركه وأسرى الداخل، يواجهون مصيرهم تماما كما تركوا يافا تواجه مصيرها بمفردها.

حكاية حارس البحر
في سجنه، الأسير وليد دقة المحكوم بالسجن مدى الحياة والذي ناله نفس الظلم والمصير والمعاناة التي مازالت ترافق أسرى الداخل منذ اوسلو حتى اليوم، لا يختلف وضعه كثيرا، فهو يستقبل عاما جديدا خلف القضبان يرسم أحلام الحرية وبطولات الصمود، لذلك يشارك المحتفلين بالعام الجديد، افراحهم بسرد تفاصيل جديدة يتحدث فيها عن حكاية "حارس البحر"، الذي يجيب على سر لتساؤلات الجميع حول كيف صمدت يافا هذه الثكلى، وحافظت على جمالها وعروبتها، ولم تستسلم لأبراج تل الربيع، رغم كل ما أثقلت به من عبرانية، وما فقدته من أبناء وشهداء وأسرى ولاجئين، فحافظت على مداخلها ومخارجها من دوار الساعة حتى الميناء.
فأبقى، هذا العمران، أهلها يشددون على مخارج الحروف، لتظل لغة الضاد هويتهم؟. ومضي يقول: "قصة "حارس البحر"، التي لن تجدوها في المكتبة العربية؛ فهي قصة منعت عربيا وفلسطينيا، ويسجن كل من يحاول جمعها وتدوينها أو طباعتها، لهذا تجدوننا نهربها لكم من السجن فكرة، إذ أنه أكثر حرية من أوطان يحكمها طغاة، كما لن تجدوها في المقررات المدرسية، لأنها تفضح وتكشف الواقع المر لمن قابلوا الصمود والتضحية والوفاء، بالتنازل وعدم الوفاء، فلم يتمكنوا من تحقيق الحلم كي تستعيد عروس المتوسط بطلها من السجون الاسرائيلية". المناضلة فاطمة وبين العام الجديد، وما سبقها من محطات الالم التي صبر فيها حافظ ووليد وكل اسرى الداخل، يقول الأسير الكاتب دقة: "إن قصة حارس البحر، حافظ نمر قندس، ستسمعونها من والدته المناضلة، فاطمة المغربي، فهي تقص عليكم حكايتها، وحكايته مع المقبرة الإسلامية، والأوقاف، وجامع حسن بك، وصمود أهل يافا أمام مخططات التهويد، وسياسة تضييق الخانق لإجبارهم على الهجرة خارج مدينتهم".
فاطمة المغربي ويافا بقيتا تواجهان وحيدتين في معركة تحرير حارس البحر. وأضاف: "لم يكن الخامس عشر من أيار عام 1984 مجرد يوم آخر يمر في حياة أسرة نمر قندس (أبو حمزة) وزوجته فاطمة المغربي، ففي هذا التاريخ، وقبل أكثر من سبعة وعشرين عاما ونصف العام، بدأت مسيرة النضال وفصل جديد في التحدي المليء بالعذاب والألم لأسرة قدمت أعز وأغلى ما عندها، وفاء ودفاعا عن يافا، ومقدساتها، ومقابرها، وأوقافها العربية والإسلامية". النكبة والوفاء وليد المعتقل منذ 25 - 3- 1986، يمزج بقلمه المبدع بين الذكرى والوفاء، فيعيد للأذهان سرد تاريخ لم تنسه ملفات الحركة الاسيرة، والوالدة المغربي وكذلك حافظ وكل اسرى الداخل، ويقول: "في هذا اليوم الذي يصادف ذكرى النكبة الفلسطينية، اعتقل حافظ، وانقلبت حياة فاطمة المغربي مرة أخرى رأسا على عقب، فهي التي عايشت النكبة عام 48، عاشت نكبتها الخاصة التي فقدت خلالها زوجها وابنها إبراهيم، بعد أن خطفوا من حضنها حافظ لعشرات السنين، فكان عليها أن تربي بقية أبنائها وبناتها، وأن توفر لهم إلى جانب الكرامة الوطنية والإنسانية، العيش الحر الكريم".
وأضاف: "كانت فاطمة المغربي مثل يافا صامدة صابرة رغم الج راح، مرابطة على أرض الأجداد، لا تفارق البحر، أو قل أصبحت يافا كفاطمة المغربي، فهما متشابهتان، وجهان لمشهد ووطن فلسطيني واحد، فكما يافا ظلت أمينة لعروبتها، بقيت فاطمة المغربي أمينة لما ضحى به ابنها حافظ من حرية وعنفوان الشباب، من أج ل أن تبقى يافا عربية فلسطينية، إسلامية ومسيحية".

محطات في الطريق
ويؤرخ الاسير دقه، صفحات اخرى من سجل رفيق دربه، ويقول: "حكم حافظ في البداية بسبعة عشر عاما، وبعد سنوات، ومع تفجر الانتفاضة الأولى، استجاب حارس البحر، كعادة حافظ في عطائه لنداء هذه القيادة، رغم أنه هو الأسير الذي لا يمكن لومه لظروفه فيما لو لم يفعل، وقد كان بذلك يسطر صفحة أخرى جديدة من النضال لا لذاته فقط، وإنما لأسرة بكاملها حيث اعتقلت والدته وشقيقه إبراهيم، وكان على حافظ أن يتحمل شدة التعذيب وآلام الحزن على والدته التي أصبحت سجينة، إلا أنه تحمل وصبر صبر الصحابة والأنبياء، ولم يتأفف ولم يتذمر لحظة واحدة على مصيره هذا، فقد خبأ له القدر ما هو أشد وأصعب، فجاء خبر مقتل إبراهيم في سجن شطة الذي أحاطت ظروف قتله ملابسات غامضة، تشير إلى تورط جهات مسؤولة، لا يستبعد حافظ أنها رتبت لاغتيال شقيقه".
وأضاف: "وما أن مرت أشهر قليلة حتى تلقى خبر وفاة والده، نمر قندس، الذي لم يحتمل جسده شدة الحزن والصدمة من مقتل ولده إبراهيم، فبقيت أم حافظ، فاطمة المغربي، وحيدة في معركتها، تتنقل ما بين مدافن الموتى ومقابر الأحياء في السجون، بعد أن أضافت محكمة صهيونية عشر سنوات أخرى لحكمه الأصلي".

حكم جديد
وقال الاسير دقه: "أيقن حافظ مبكرا، بعفويته وتلقائيته المعهودة، وقبل غيره من الأسرى، أن خيبة الامل بعد التخلي عن اسرى الداخل خلال إفراجات أوسلو تلزمه بالبحث عن طريق للتحرر، فاتخذ قراره بأن لا ينتظر "فرجهم" الذي لن يأتي، وأن يضع حدًّا لعذابات والدته، حتى لو كلفه الأمر فعل المستحيل. وقد قام فعلاً بما يمكن أن ينطبق عليه وصف المستحيل، حين نفذ عملية هروب جماعية من السجن في وضح النهار، وتحت سمع وبصر السجانين، الذين فتحوا له بأيديهم بوابات السجن، إلى أن أحبطت العملية في اللحظة الأخيرة، بعد أن اكتشفتها إدارة السجن، حيث كانت يفصل بين حافظ والحرية خطوات، هو باب السجن الأخير". واستدرك: "أضافت المحكمة الاسرائيلية لحكمه عامًا آخر، ليصل حكمه الإجمالي إلى ثمانية وعشرين عامًا، أمضى منها حتى الآن أكثر من سبعة وعشرين عامًا ونصف العام، فمسيرة حافظ ووالدته فاطمة المغربي النضالية، التي أوجزناها، والتي يحتاج كل فصل فيها، لا سيما "الهروب"، لكتاب خاص، أو ربما سيناريو سينمائي".
إن هذه المسيرة بكل ما حملت من آلام، وآمال، وخيبات أمل، ووفاء منقطع النظير، قوبل بعدم وفاء وخذلان، لم تنل من عزيمة هذا المناضل البطل، وظل حارسا أمينا ليافا وبحرها، طوال سنوات أسره".

الموعد الجديد
في صفقة شاليط، كان الامل كبيرا بتحرير حافظ رغم انه لم يتبق سوى فترة محدودة ووليد الذي قضى في سجنه اكثر مما عاش في منزله، ولكن شطبت اسماءهما مجددا، وليد يستقبل عامه الجديد اسيرا، بينما يستعد ورفاقه لموسم فرح للاحتفاء بحافظ بعد رحلة الصبر، فإشراقه العام الجديد تقرب من اليوم الموعود، فقد بدا يستعد لحرية دون منة من احد مع اكمال محكوميته كاملة، لذلك كتب رفيقه وليد يقول: "حارس البحر على موعد مع عناق الحرية مجددا، يعانق فاطمة المغربي، الأم الصابرة، الصامدة والمناضلة المثابرة، لكن حافظ ظل يحمل غصة في حلقه، وجرحا في قلبه، وما زال، ألمه أشد من السجن وأقسى من أي ألم يحز فيه ويذبحه ليل نهار، ألم لخصه دوما بالسؤال الذي ردده طوال سنوات اعتقاله: "لماذا تخلوا عنا؟ لماذا تركونا في السجن نواجه مصيرنا لوحدنا؟" لقد كنا أكثر الناس وفاء وعطاء، فلماذا تركوني وأهلي ويافا وحيدين؟ لماذا تركوا فاطمة المغربي تعاني وتتعذب وحيدة؟ لماذا؟".

(المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 2/1/2012)