4 أسرى من الداخل الفلسطيني يدخلون عامهم الحادي والعشرين في السجون الصهيونية

تمضي الأيام وتدور عجلة الزمن وتصر الحاجة سعدة اغبارية ومعها زوجة ابنها المحررة منى قعدان على الصمود والصبر بانتظار تحرر خطيبها الأسير إبراهيم حسن محمود اغبارية وشقيقه الأسير محمد ورفيق دربهم ابن خالهم الأسير سعيد جبارين وابن عمومتهم يحيى اغبارية الذين دخلوا مؤخرا عامهم الـ 21 في الأسر المتواصل بعدما شطبت حكومة الكيان أسماءهم من كل الصفقات والإفراجات.
وفي منزل العائلة في قرية مشيرفة في الداخل، لا تتوقف الوالدة الصابرة عن الدعاء لحريتهم لتواجه الألم والأمراض بما تملكه من إيمان وأمل، وقالت: " كنت أتمنى أن تأتي ذكرى اعتقالهم وهم أحرار، ولكن مرة أخرى شطب الاحتلال أسماءهم من صفقة الوفاء للأحرار ليستمر مسلسل العقاب والانتقام الذي لم يتوقف منذ اعتقالهم، فهناك استهداف كبير لهم كونهم من أسرى الداخل الذين آمنوا بقضية شعبهم ولم يتقاعسوا عن تأدية الواجب ورغم سنوات العذاب المريرة ما زالوا مع اخوانهم في الحركة الأسيرة صامدين مؤمنين بفجر الحرية وحتمية الانتصار".
الوالدة التي تجاوزت العقد السابع، حرصت على تزيين واجهة منزلها بصور الأسرى الأربعة لتبقى ذكراهم حية، وبين أسرتها وأحفادها لا يغيب ذكرهم لحظة واحدة، وقالت: "أعتز دوما بصمودهم وثباتهم رغم حزني لفراقهم وشوقي لعناقهم قبل أن يمضي قطار العمر، وليل نهار أصلي ليتحقق حلمي الوحيد برؤيتهم أحرارا دون قيود، فابني إبراهيم من مواليد عام 1968 وهو الثاني في أسرتنا المكونة من 7 أنفار، أما محمد فهو مواليد عام 1968 ويعتبر الرابع في أسرتنا، وارتبطوا منذ صغرهم بعلاقة وطيدة مع ابن خالهم سعيد وقريبنا يحيى".
وأضافت: "في شبابهما برزت لديهما روح الانتماء والوفاء للقضية الفلسطينية وتأثرا كثيرا بما كانت ترتكبه دولة العدو من ممارسات بحق أبناء شعبهم في الضفة، إضافة إلى أنهم تميزوا بالأخلاق العالية والتضحية والشجاعة وحب الخير ومساعدة الناس".
فجر تاريخ 27 - 2- 1992، يوم محفور في ذاكرة الحاجة الصابرة فقد كانت آخر مرة تعانق فيها أبناءها وتراهم بلا قيود، وقالت: "استيقظنا على الجيش الصهيوني يحاصر منزلنا، اقتحموه وفتشوه ثم انتزعوا إبراهيم وكان في سن (23 عاما) ومحمد (22 عاما) واعتقلوهما دون إبداء الأسباب، في نفس الوقت كانت قوات أخرى معززة تعتقل يحيى وسعيد، وجرى نقلهم للتحقيق والتعذيب لتبدأ رحلة المعاناة على بوابات السجون جراء استهدافهم والهجمة الشرسة التي تعرضوا لها كونهم من فلسطيني الداخل". وأضافت: "أشهر طويلة من التحقيق انتهت بالحكم عليهم بالسجن مدى الحياة بتهمة تنفيذ عملية "المناجل"، الهجوم على معسكر الجيش المعروف باسم جلعاد لصالح حركة الجهاد الاسلامي والتي نفذت قبل عشر أيام من اعتقالهم".
ورغم تقدم السن بها، والأمراض التي أصيبت بها جراء الحزن والبكاء، تحتفظ ذاكرة الحاجة سعدة بأسماء السجون ومواقعها فلم يبقى سجن صهيوني إلا واحتجز فيه ابناؤها ورفاقهم، وقالت: "رغم صدمه الحكم القاسي، لم يؤثر عليهم وكانت معنوياتهم عالية، وصمدوا واستمروا في تأدية دورهم وواجبهم النضالي مع الحركة الأسيرة وفي التصدي لمحاولات الاحتلال التجزئة والتفرقة بين أسرى الداخل والقدس والجولان والأراضي المحتلة وشاركوا في كل معارك الحركة الأسيرة التي أصبحوا من قادتها وعمدائها".
وأضافت: "ورغم التضحيات والبطولات تتالت النكسات في حياتنا والاحتلال يتحكم بمصيرهم، فكنا ننتظرهم في كل صفقة وعملية افراجات ولكن طال الانتظار ومنذ أوسلو حتى اليوم مازال الاحتلال يسلب حياتهم ويحرمنا فرحة لقائهم ولكننا لم ولن نتخلى عن الأمل".
صور الصمود والبطولات والتضحيات وروح الأمل هي التي شجعت المحررة منى قعدان من بلدة عرابة قضاء جنين على الموافقة دون تردد على الارتباط بالأسير إبراهيم المحكوم بالسجن المؤبد 3 مرات إضافة لـ 15 عاما، وقالت: "بدأ ارتباطنا أواسط عام 1999 عقب اعتقالي الأول، عندما أرسل إبراهيم من معتقله إلى شقيقي طارق طالبا يدي رغم أنه لم يشاهدني ولم يتحدث لي، وأبلغه أنه يعرفني جيداً من خلال ما طالعه عني من أخبار عقب اعتقالي الأول في 15 - 2- 1999 ". وأضافت: "في ذلك الوقت أبلغ إبراهيم أسرته وأخي أنه معجب بدوري ونضالاتي وصمودي ومواقفي لذلك قرر خطبتي دون تردد رغم أنه محكوم بالسجن المؤبد".
وتابعت: "كان الأمر مفاجئا لأخي ولكنه أبلغني وعائلتي وفي البداية فوجئت خاصة وأنه لا يعرفني ولا أعرفه شخصيا رغم أني أعرفه عبر ما كان ينشر عنه بعد عمليته ومواقفه وصموده في السجون، والذي حيرني أكثر مسالة حكمه ولكن بعد التفكير والتشاور مع أهلي وافقت لأنني كنت على قناعة أنه من حق كل إنسان الحياة والتخطيط لمستقبله رغم السجن والقيود، وتشجعت بسبب ما سمعته عن مواقفه الوطنية والإنسانية المشجعة ودوره ومآثره فابلغه أخي بالموافقة فحضرت عائلته من أم الفحم وطلبتني رسميا وجرى قراءة الفاتحة وقدم طلبا لإدارة السجون لعقد القران ولكنها عرقلت ذلك".
اعتقلت منى إداريا مرة ثالثة في 2- 7- 2007، وخلال تلك المرحلة تحقق حلمها وإبراهيم، وقالت: "بعد 354 يوما من اعتقالي، نقلتني إدارة السجون إلى قاعة محكمة الصلح في الناصرة دون إبلاغي السبب، وهناك قابلت أسرة خطيبي الأسير إبراهيم ولكن السجانين أحاطوا بي ومنعوني من الحديث معهم وحتى مصافحتهم وبقينا ننتظر نصف ساعة وأنا في غاية القلق والتوتر حتى فوجئت ببوابة أخرى تفتح من الاتجاه الثاني ودخل منها خطيبي الأسير إبراهيم مقيدا، وكانت مفاجئة كبيرة لي فهذه المرة الأولى التي اشاهد فيها خطيبي وجها لوجه وكذلك هو رغم مرور فترة على خطبتنا بسبب اعتقاله".
وأضافت: "أجلس السجانون إبراهيم على مقعد وهو مقيد وفصلوا بيننا بشكل متعمد رغم أن المسافة لا تتعدى سوى بضعة أمتار، ولكني شعرت ان هناك جدارا كبيرا يفصل بيننا تكون من الجنود والكلبشات ولكني من شدة الفرحة نسيت كل شيء ومما زاد من فرحي عندما أبلغتنا المحكمة أنني أحضرت وإبراهيم إثر الدعوى التي تقدم بها والتي وافقت عليها المحكمة وقررت عقد قراننا ولتحقيق الحلم الذي انتظرناه على مدار سبع سنوات".
وقالت منى: "كانت لحظات لن أنساها رغم المعاناة التي كابدتها بعدما استدعيت من إدارة السجن ونقلتني للمحكمة دون ابلاغي بالسبب، وهذا يؤكد مدى الكراهية والحقد الكبير الذي يكنونه لنا فهم أرادوا أن ينغصوا علينا لحظات الفرح وحرماننا من الفرحة التي طالما انتظرناها، ورغم مأساوية الموقف كوننا مكبلين ومحاصرين بالجنود ارتسمت الفرحة على وجوهنا جميعا عندما بدأ القاضي بمراسم عقد القران فما كاد ينهي المراسيم حتى تعالت أصوات الأهازيج في قاعة المحكمة كتحدي للسجانين باكتمال هذه الفرحة رغم أن الجنود كانوا يحاولون التنغيص علينا، فقد تعمدوا الوقوف أمامي وأمام إبراهيم وعندما انتهت المراسيم طلبنا من المحكمة السماح لنا بتبادل دبل الخطوبة فوافقت ومنحتنا مهلة ربع ساعة".
تبادل إبراهيم ومنى التهاني وعاشوا كما قالت: "فرحة أجمل لحظات العمر في حياتي وتمنيت وإبراهيم أن يتوقف الزمن ونحن نتبادل التهاني والحديث لأول مرة، فكان سعيد جدا وشكرني على موافقتي على الاقتران به رغم حكمه القاسي، وقال لي أنه سعيد لأن بداية احلامه بدأت تتحقق وهو يبشرني بقرب التحرر وزوال هذه القيود، وكان حريص على رفع معنوياتي والتعبير عن تقديره لمواقفي وصمودي وصبري واستعدادي للتضحية". وأضافت: "أما أنا فأكدت لخطيبي أني فخورة به، واعتز بارتباطي به وبمواقفه البطولية وصموده رغم رحلة الاعتقال القاسية، وكنت حريصة على رفع معنوياته وقلت له هذه القيود والسجون لن تدوم وسنلتقي مهما طال الظلم فهو إلى زوال لتكتمل الفرحة".
أفرج عن منى في اعتقالها الثالث، ولكن منذ تحررها وحتى اعتقالها الرابع منعت من زيارة خطيبها، وقالت: "فور الإفراج عني بدأت بترتيب امور حياتنا وتجهيز أوضاعنا وكلنا أمل أن يجتمع الشمل وتتكسر تلك القيود في صفقة التبادل التي كان يجري الحديث عنها والتي منحتنا أملاً كبيرا خاصة في ظل الوعود التي قطعت لعائلة زوجي ولنا بأن اسمه مدرج في الصفقة وسيكون مع كل القدامى في رأس قائمة المحررين." وأضافت: "تجرعت ألم منعي من الزيارات، رفضوا منحي تصريحا لأني أسيرة سابقة وأدرج اسمي ضمن قائمة الممنوعين أمنيا".
خلال الانتظار، كانت منى وشقيقها طارق على موعد مع اعتقال جديد، وقالت: "أخي الشيخ طارق يعتبر من قادة حركة الجهاد الاسلامي وأمضى خلال الانتفاضتين 12 عاما في السجون، وبعد توقيع اتفاق المصالحة في القاهرة اعتقلته قوات الاحتلال في 4- 5- 011، وفي 30 - 5 داهمت قوات الاحتلال منزلنا واعتقلوني وبينما حكم أخي بالسجن 15 شهرا، جرى تحويلي للاعتقال الإداري بعدما عجزوا عن إدانتي بأية تهمة".
وأضافت: "كانت صدمتنا القاسية رحيل والدتي خلال اعتقالي وأخي طارق في 22 - 7- 2011، ولكن صبرنا وتسلحنا بالأمل مع الحديث عن توقيع الصفقة وكان لدي أمل كبير بتحرر إبراهيم ومحمد ويحيى وسعيد وكل القدامى".
حررت صفقة وفاء الأحرار التي وقعت بين حركة "حماس" والكيان، منى في المرحلة الثانية ولكنها لم تشمل إبراهيم والباقين، وقالت: "كانت صدمتي كبيرة عندما علمت أن إبراهيم وباقي الأسرى القدامى لن تشملهم الصفقة حتى فقدت طعم ومعنى الفرحة عندما أبلغوني أن اسمي مدرج، وبكيت بحسرة ومرارة عندما عدت لمنزلنا بينما مازال إبراهيم ورفاقه وأخواتي الأسيرات لينا الجربوني التي أمضت 10 سنوات وورود القاسم وخديجة أبو عياش وهن من الداخل في السجن". وأضافت: "في كل لحظة أعيش ألم لا تصفه كلمات وزوجي وشقيقه يدخلون عامهم الجديد في الأسر، ولكن نعاهدهم أن نبقى على العهد وبذل كل جهد مستطاع حتى يتحقق أملنا وحلمنا والخلاص من تلك السجون، فموعدنا مع الفجر قريب وهذه السجون الى زوال، لقد جهزت بيتنا لفرحتنا التي تأجلت ولكن أملي بالله كبير ليتحقق دعاءنا ونحتفل بفرحة فلسطين بحريتهم جميعا".

(المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 9/3/2012)