الأسير خضر عدنان... موعد على زرد السلاسل مع بان كي مون

بقلم: عيسى قراقع
وزير شؤون الأسرى و المحررين

وصل الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون الى فلسطين، في الوقت الذي وصل فيه الأسير خضر عدنان الى اليوم السادس والأربعين من الإضراب المفتوح عن الطعام احتجاجا على اعتقاله إدارياً والمعاملة الوحشية والقاسية التي تعرض لها خلال اعتقاله واستجوابه. المسافة بين خضر عدنان وبان كي مون قريبة جدًا، ولا يفصلهما سوى سائل حامض يتقيأه الأسير خضر بعد أن أنهكه الجوع الطويل، وقطرات دم تسيل من وجهه وشفتيه بعد أن تعرض للضرب خلال استجوابه في مستوطنة دوتان، وسيل من الشتائم القذرة والمعاملة المنحطة التي وصلت إلى نتف لحيته وشاربه على يد المحققين.
لا يحتاج بان كي مون إلى مجهود كبير ليلتقي بالأسير خضر عدنان سوى تجاوز أسلاك شائكة وأبواب مغلقة وأنبوب يضخ محلولاً في وريده الجاف وتحريك الظلم والظلام من المكان، حتى يرى خضر على عجلته المتحركة جالساً بين الحياة والممات في انتظاره على سرير المستشفى.
بان كي مون الذي استطاع أن يرى عائلة الجندي الصهيوني الأسير السابق جلعاد شاليط في زيارته السابقة، استطاع أيضا أن يرى ويشاهد إنسانا يخوض معركة عادلة ضد قرار الاعتقال الإداري التعسفي منتصرا لحقه الإنساني وكرامته بعد أن عجزت قرارات الأمم المتحدة أن تنتصر للإنسان الأسير في صراعه اليومي مع السجانين وفي أقبية الظلام.
على زرد السلاسل والجوع يحاول الأسير خضر عدنان أن يلتقي مع بان كي مون ممثل العدالة الإنسانية في العالم، ليفتح له ملفات الآلاف من الأسرى الإداريين أطفالا ونساء ونوابا زجوا وفق قوانين بائدة وعنصرية سنوات طويلة في سجون ومعسكرات الاحتلال، رهائن لقرارات أمنية غير قانونية، واستهتاراً بالشرعية الدولية ومواثيقها وقراراتها، يجدد لهم الاعتقال عدة مرات، لا يستطيعون فيها الدفاع عن أنفسهم لأن الملفات سرية ومغلقة، ولا يعرفون مصيرهم ومتى سيطلق سراحهم.
على زرد السلاسل يقرأ خضر عدنان مئات القرارات الدولية وأحكامها ونصوصها التي تدعو الى تطبيق القانون الدولي الإنساني على الأسرى في سجون الاحتلال، هذه القرارات التي لم تجد إرادة دولية لتنفيذها، تصطدم بالجدران الاحتلالية في دولة فوق القانون، تنتقم من الأسرى وتحشرهم وقودا لقوانينها وإجراءاتها العسكرية الظالمة.
الأسير خضر عدنان الفرد في جماعة، والجماعة التي تعذبت وذبحت من الوريد إلى الوريد، الذي أعلن الجوع سلاحاً أخيراً كي يتحرك الهواء في الزنازين المغلقة، وتتحرك الشمس على الأجساد المتعفنة، وتتحرك القرارات الدولية من صمتها ووهجها الباهت، أعلن أنه حان الوقت لتوفير الحماية الدولية والقانونية لآلاف الأسرى القابعين في السجون، وأن السلام العادل لا يحتاج الى مكتشفين إذا أمعنوا النظر بين الحق والباطل، بين جرافات المستوطنين وحقول الزيتون الخضراء.
ليأت بان كي مون الى محكمة عوفر، يقول الأسير خضر عدنان، وليستمع الى القضاة الصهاينة الذين قرروا تثبيت اعتقاله الإداري، سيجد محكمة صورية وشكلية تشبه المسرحية، ويجد القاضي يقرأ في ملف سري أعده جهاز الشاباك ، ومن خلاله يعلن القرار، ويجدني جالساً لا أملك شيئا سوى براءتي، ويجد المحامي حائرا محاصرا كأنه يقي عن رأسه إطلاق الرصاص.
يسمع بان كي مون عن قوانين طوارئ منذ الانتداب البريطاني غطاءً لمحاكمتي، ويسمع مبررات أمنية ولدولة مهووسة خائفة تنظر الى كل فلسطيني أنه قنبلة موقوتة يجب احتجازه حتى ينفجر قهرا أو يموت في غيابه ومصيره المجهول، ولن يسمع ذكر أي مادة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو اتًفاقيات جنيف أو العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، سيعود بان كي مون بعد المحكمة الى مقره في الأمم المتحدة ليعلن في خطاب تاريخي أنه جاء من قاعة حرب يحمد الله أنه نجا ولم يعتقل.
الأسير خضر عدنان يطلب موعدا مع بان كي مون، ليأت الى السجون والزنازين الانفرادية ويرى المعزولين منذ عشر سنوات: أحمد المغربي وحسن سلامة وعاهد أبو غلمة ومحمود عيسى وجمال أبو الهيجا وغيرهم. وليأت إلى مستشفى سجن الرملة ليرى المشلولين والمعاقين: منصور موقدة وناهض الأقرع ومعتصم رداد وعلاء حسونة ومحمود سلمان وخالد الشاويش ورياض العمور، ليأت ليرى نواب الشعب الفلسطيني المنتخبين شرعيا مقيدين مهانين: مروان البرغوثي وأحمد سعدات وعزيز الدويك وحسام خضر و حسن يوسف وجمال الطيراوي، وليجلس ليلة واحدة في سجن عسقلان حتى يرى قوات نحشون كيف تقتحم غرف الأسرى وتعتدي عليهم وتشبحهم في منتصف الليل حتى الصباح.
على زرد السلاسل وفي دولة الاحتلال، دولة اثنين وعشرين سجن ومعسكرا، يتحرك الأسير خضر عدنان بجوعه ومرضه ورايته الإنسانية ليقابل بان كي مون الذي منع من زيارة السجون، لم يأخذ تصريحا من حكومة اسرائيل ليراه حيا، لا في زنزانة ولا على شبك غرفة الزيارة ولا في مشفى، لتكون بذلك زيارته لفلسطين ناقصة كأنه لم يأت.

(المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 3/2/2012)