هناء الشلبي تلقي بتهمها على تخمة السجان

بقلم: ريما كتانة نزال
عندما ضاقت الدنيا بنار "هناء الشلبي" الدائمة، حزمت أمرها لاقتحام طغمة السواد والعسكر.. ومضت في تجربتها دون تعليق الآمال.. لكنها راهنت أن تصادف حريتها، وقررت أن تلقي بتهمها على تخمة السجن والسجان.
الصبية معتادة على الانتفاض على مآزقها. فمنذ اللحظة الأولى للحياة صرخت خوفاً من خذلان رئتها لدى استخدامها الأول. ومنذ ذلك اليوم.. ما فتئ ذلك الإحساس غير المفهوم بالخوف يتملكها، ولا تجد لمجابهته سوى صرخة مدوية تعلن عن إرادة ذاتها للحياة.
"هناء" فتاة عاديّة ولديها عاداتها البسيطة وأحلامها الصغيرة، تحلم ثوب أبيض وحلقات ذهبية.. وببيت صغير ضم روحها ونصها الملوَّن.
فجأة يتغير المسار، ليحمل النص مفردات الحرب والسجن، وتنسحب البساطة لصالح ألوان المصطلحات المعقدة. "هناء" العادية اجتاحها تغيير ما جعلها تراقب مسوح الأسلاك الشائكة والبيوت الغريبة، وتتابع انتشار السرطان في فضاء الحرية، وتطل على أثر استئصال الشرايين على البيئة المصابة بالتضييق والحصار.
وتستمر الصبية في إمعانها ومراجعتها التاريخية لعناقيد هزائمنا الكونية والذاتية..
بيتت الصبية أمرها وجهزت تربتها لإطلاق الصحوة.. بدأت تتمرن على التفكير خارج السرب، وعلى مهارات القفز عن الحواجز العالية، وكيفية قلب دفة السفينة وقيادتها من القاع إلى مستقر الأرض الطيبة.
 ÙˆØ§Ø³ØªØ¹Ø§Ø¯Øª الفتاة إطلاق صرخة الحياة في وجه الخوف والصمت؛ وتمردت على الأنماط الرتيبة، ابتداءً بكسر قوالب حظها الأنثوي العاثر، وبإعلان تحفظها على الدارج في ميادين التمييز، والمطالبة بإعطاء الفرص المتماثلة والأجر المتساوي للإبداع النضالي، وانتهت بكتابة بيان التمرد على الثابت والمألوف في الأدوات والأشكال.. وفي آخر قائمتها دعت إلى مقاومة العادات المستنسخة والركوب في خطف قطار الحريات بانقلاب أبيض.
الفكرة التي ولدت من لحظة احتراق مفاجئة، تخمر وميضها عبر زمن لم تكتشف كنهه قبل أن يحلّق في فضائها، ومنها تعلمت أن تغتنم الفرصة لدى هبوب نسائمها، وأن تسير على خطى صاحب الطريقة "خضر عدنان"، واختيار الطريق الصعب على مفترق الطرق.
على مفترق السجن اخترقت "هناء" الأطر المغلقة، رافضة التعاطي مع الأبواب الدوارة.. ووسط دهشتنا جميعاً.. وقبل التقاط أنفاسنا حسمت خيارها وعزمها على تعرية مراوغة السجان، وبدأت في الطَرق على قيودها بمطرقة إيمانها، وفي التوجه إلى قذف لوائح اتهامها العلنية على تخمة سجون الاحتلال وعربدته وملفاته السرية.
مع بدء شحوب وهزال الصبية، لا تملك سوى دعواتنا على منحنى الخوف والموت، أن ينعم عليها الله بالصبر والقوة، وأن يفتت فولاذ قيود جسدها الهش والضعيف، وان يمدها بالزاد الروحي الذي يغنيها عن مرارة الاستسلام، ويعينها على جفاف قشرتها وخواء أمعائها.
يا "هناء" : مع استمرار فراغ الجوف وتصحر الجلد، سيرجع صدى صوت المجتمع ليرتقي إلى حجم التضحية فلكل شيء وقت، كلما اشتدت أزمتك تتمزق حلقة من قيدك، وكلما جف ريقك تُسقى قيمة مطمورة، وحين يطحنك الوهن تُروى رئاتنا وتدوي صرختها في وجه الموت، وحين يجللك الحزن.. سيورق ربيعك ويزهر من قلب السجون، فحين يشتد الشجن يمزِّق ويروي ويورق..
قدمت هناء ما عليها تقديرا لوعيها وقيمتها، عرَّفت بنموذجها المقاوم. وهي تنتظر منا ما يفوق الدهشة بالبطولة والتضحية، تنتظر منا مراجعة الذات الطافحة بالهزائم والإقلاع عن إدمانها.. لتعود النفوس إلى فطرتها وتنتصر غريزة حب البقاء، وتعود "هناء" إلى طبيعتها وتطوق معصمها وإصبعها بالحلقات الذهبية.. وتكون قد ساهمت في إسدال ستائر الاعتقال الإداري..
وسطرت جملة اعتراضية تبدأ من سيرة شعب عادل بين الحرية والفناء.

(المصدر: صحيفة الأيام الفلسطينية، 4/3/2012)