ما أغلى الحياة يا هناء!‏

بقلم: د. فايز أبو شمالة

ما أغلى الحياة يا هناء! حتى أصغر الكائنات على وجه الأرض تدافع عن كيانها، وتحرص على بقائها، فكيف ‏اخترت أنت الأسيرة الفلسطينية بملء إرادتك الامتناع عن الطعام، والتضور شوقاً للحرية، بينما الجوع يقرض ‏أنسجة بنيانك، ويقوّض حياتك!‏
من الذي يغذي لديك إرادة الصبر، واحتمال وجع الجوع يا هناء شلبي؟ وما الذي يفجر لديك طاقة التحدي، ‏ويشجعك على القفز من مربع السكينة إلى فسحة التمرد؟ لماذا قررت أن تلقي بنفسك طائعة في أتون الجوع الذي ‏يسكن تحت الجلد، ولا يفارق المفاصل على مدار اللحظة؟ كيف تصمدين ودمك يعتصر الوجع مع كل نبضة ‏قلب؟ وكيف جفاك النوم وقطع اللحم الآدمي تذوب أمام ناظريك؟ ويئن عظمك بالإضراب عن الطعام مع كل ‏حركة؟.‏
عندما يصوم المسلم نهاراً واحداً عن الطعام في شهر رمضان، تظل خلايا جسمه تنادي الطعام! فكيف تمتنع ‏امرأة عربية أسيرة من تلقاء نفسها عن الطعام لأكثر من اثنين وثلاثين يوماً، يتصل ليلها بنهارها؟ ألا يعني ذلك ‏أن المرأة المسلمة قد ضاقت من وجع معنوي أشد من وجع الجوع؟ ألا يعني ذلك أن للإنسان طاقة هائلة، وقوة ‏تتفجر من الضعف طالما اعتمر قلبه بالإيمان، وآمن بعدالة قضيته؟ ألا يعني ذلك أن ذرائع البعض عن ضرورة ‏التسليم بالأمر الواقع، والاعتراف بالكيان المغتصب هي ادعاءات كاذبة، تعيش في رأس مطلقها؟ وقد تمكنت الأسيرة ‏الفلسطينية هناء شلبي من نسفها!‏
وعندما تقف فتاة فلسطينية وحيدة، أسيرة ومعزولة، وتتحدى الموت اليهودي الزاحف على كل بلاد العرب، ‏وترمي من خلف قضبان السجن حياة يحرص الآخرون عليها بكل ما يمتلكون، ألا يعني ذلك أن كثيراً من رجال ‏العرب ماتت نخوتهم، وانطفأت كرامتهم، وغابت شهامتهم، وخمدت في نفوسهم شهوة البقاء أحراراً على وجه ‏الأرض؟
وعندما تصرخ فتاة عربية في السجون الصهيونية: لا للتفتيش اليهودي المهين للمرأة العربية، ونعم للجوع حتى ‏الموت دون أن تذل المرأة العربية، ألا يعنى ذلك أن حكام العرب أغمضوا آذانهم، وشطبوا اسم المعتصم من ‏تاريخهم، وغابوا مع قيادة السلطة الفلسطينية في حاضر مقيت لا يحفظ لهم ذكراً، ولا يضمن لهم بقاءً، حتى لو ‏ادخر لهم ثروة مالية؟
وعندما تتجاوز هناء شلبي خط العجز الفاصل بين طاقة المرأة وقدرة الرجل، وتمشي واثقة على خطى السجين ‏خضر عدنان، ألا يعني ذلك أن الأسرى يتمردون على الصمت الذي لف قضيتهم، وتلفلف مع مصالح كثير من ‏قيادات منظمة التحرير الفلسطينية الذين عادوا، ونسوا أن هنالك آلاف الأسرى ما زالوا في السجون الصهيونية ‏حتى يومنا هذا؟
لقد دوت مع الإضراب المفتوح عن الطعام لهناء شلبي صرخة شعب في أذن القيادة السياسية الفلسطينية، تقول: لا ‏تقفوا عاجزين أمام مغتصب أرض فلسطين، ومغتصب كرامة شعب، ولا تقصروا القضية السياسية على وزارة ‏المالية، واستجداء رواتب الموظفين!‏
وجع الجوع ومضة فجر في عتم الليل، وهو دفق المقاومة الذي يسبق الإعصار، وهو أحزمة ناسفة معبأة ‏بالانفجار، وجع الجوع نقرٌ في أذن الساسة، وإصرار على أن فلسطين قضية شعبٍ خذلته الحدود، وأرضٌ مقدسةٌ ‏اغتصبها اليهود، ووطنٌ عزيزٌ لا بد أن يعود.‏

(المصدر: صحيفة فلسطين، 18/3/2012)