الأسيرة هناء الشلبي..لا تلوموا الضحية

بقلم عيسى قراقع
 
علقت الأسيرة هناء الشلبي إضرابها المفتوح عن الطعام ليلة 30 آذار بعد 43 يوما متواصلات احتجاجا على اعتقالها الإداري التعسفي، وذلك مقابل الإفراج عنها وإبعادها إلى قطاع غزة لمدة ثلاث سنوات، وبموافقة شخصية من قبلها.
قررت هناء الشلبي أن تبقى حية أمام مشروع موت صهيوني وفي ظل عدم اكتراث ولا مبالاة مارستها سلطات الاحتلال وجهازه القضائي بحقها طيلة فترة إضرابها حتى تدهور وضعها الصحي بشكل خطير، وأصبحت معرضة لموت فجائي حسب تقرير لجنة أطباء حقوق الإنسان.
الملحمة الأسطورية لهذه المرأة تجاوزت حدّ المعقول، فمنذ اليوم الأول من تاريخ اعتقالها بتاريخ 16/2/2012 أخذت قرارا أن تتحرر من قيد الاعتقال الإداري الذي اكتوت بعذابه وناره طيلة عامين ونصف قبل تحررها في صفقة شاليط، وقررت أن تنتصر لكرامتها التي أهينت على يد المحققين خلال استجوابها في معسكر سالم الصهيوني، حيث تعرضت للإذلال والتفتيش العاري والضرب وبطريقة وحشية وقاسية.
هناء الشلبي اختارت الحياة، بعد أن رأت الموت الصهيوني يتدلى أسود فوق سريرها في مستشفى الرملة ... صمت بارد، سخرية السجانين، وعزلة وجفاف وذوبان جسد من سحاب وضباب.
هناء الشلبي المرأة المجروحة المكلومة الفقيرة، تشتبك لوحدها، وتصرخ لوحدها، وتضرب بجوعها وإرادتها قضبان السجن، تحاول أن تستدعي العالم ليرى الأحياء يموتون في الظلام، ينهضون ويسقطون، يبحثون عن المساواة العصية بين ضحية وضحية، وعما تبقى فيهم من بقايا شبح يبحث عن اسمه في الزمان والمكان.
هناء الشلبي كتبت رسالتها إلى الغائبين وتركت صورتها على حائط المشفى تتدلى مع البرابيش والأبيض الخانق والهواء البارد، وكان جسدها الهزيل هو كلامها، وكلامها هو جسدها، وفي الحالتين كان الاحتلال يقبع فوق رأسها بدباباته وآلياته وملابسه الفولاذية.
لا تلوموا الضحية، أزهارها هي الباقية، دمها الذي اختلط بدمنا وترابنا وعجزنا هو الباقي، انتصرت على أسطورة الاحتلال الصهيوني الذي خضع لضغط الجوع الوردي، وقد ردت هناء القدر الصهيوني الذي لا يرد، بجوعها الذي يشبه الشجر العتيق، مؤمنة أن فجرا واسعا يجلس على شرفة الآتي.
لا تلوموا الضحية التي اختارت قسرا أن تبعد عن مسقط رأسها بعد أن انتظرت المجتمع الدولي ومؤسساته الحقوقية ثلاثة وأربعين يوما ولم يمد لها سلّم النجاة، لم يزرها وهي تحتضر في المسافة بين الحرية والموت، وظلت تحفر في قبرها كي ينطلق الماء، وانتظرت كي يصل أي أحد، فقررت أن تبدأ رحلة أخرى من المنفى إلى الذات وتعود إلى المعنى مولودة من جديد.
لا تلوموا هناء الشلبي التي تعرضت للإبتزاز، ومورس عليها الاغتراب، فقد وضعت حدا لنهاية غير سعيدة من أجل بداية سعيدة، هي المريضة المذبوحة الموضوعة أمام امتحان المعجزة، وهي التي كشفت ستر الاحتلال، وماتت أكثر من مرة من أجل العودة إلى البيت.
هناء الشلبي، حكاية مفاوضات بين الحرب والسلام، وقد انتصر سلامها الإنساني على حربهم العنصرية، صورتها احتلت السماء وصورتهم ظلت في غبار الساحة تتعثر بالأشلاء وبقايا الدماء.
هناء الشلبي أشهرت الأمل في وجه الألم، وإن كسروا فيها جزءا من حلمها وأمنياتها، فقد ظل فيها حلما آخر يواصله الأسرى في السجون والمعسكرات، والآن بدأ الجميع يسمع صوتا هو ضجيج الحرية.
لا تلوموا الضحية، بل خذوا منها أوجاعها وانشروها في فضاء الدنيا، وأعيدوها إنسانة طبيعية، وعندما تستيقظ الضحايا ستجدون هناء الشلبي تلوح بمنديلها في مدينة جنين عروسا وفدائية.
 
(المصدر: وكالة فلسطين اليوم، 7/4/2012)