معركة الأحرار لتحرير الأسرى

د.عصام عدوان

يخوض الأسرى المناضلون في سجون الاحتلال معركة حياة كريمة أو موت، وظّفوا لها كل إمكاناتهم المادية والعقلية والنفسية، وتجهّزوا لبذل أرواحهم إذا تعنَّت العدو في مواجهتهم، وأصر على إهدار حقوقهم الطبيعية. لقد ضحى الأسرى بداية بحريتهم من أجل وطنهم، وضحوا بمتعة الأُنس بأهلهم وأحبابهم، وضحوا بأعمالهم خارج المعتقل، وتخلوا طواعية عن أعمال البشر في طلب الرزق والبحث عن الثروة والجاه، ابتغاء مرضاة الله، وتضحية من أجل أهدافهم السامية في حرية وطنهم من رجس الاحتلال. وهم في داخل معتقلهم لم يتوقفوا لحظة عن المُضي في طريق التضحية والفداء، فخاضوا الإضرابات، وتحدوا سجانيهم بكل ما يغيظه، وشاركوا في الهمّ السياسي الوطني العام.

وهم انتهاءً، خاضوا أضخم إضراب لأسرى في سجون الاحتلال، تجاوز بعضهم الشهرين مضرباً عن الطعام، متحدياً كل الإغراءات المصطنعة التي يقدمها الاحتلال لكسر إرادتهم، وثنيهم عن فعلهم النضالي العظيم. وهو في سبيل ردعهم عن الاستمرار في خطواتهم النضالية الكبيرة، يعمد إلى مصادرة مقتنياتهم، وسحب الملح وبعض الماء من غرف السجون، ومصادرة كراساتهم وكتبهم ومدوناتهم، ويُتلف هدايا أهليهم التي تمثل ذكرياتهم وتملأ وجدانهم. إنه يحاربهم حرباً لا هوادة فيها، وهم يصمدون ويتصدون بكل إمكاناتهم غير مبالين بالعواقب مهما كانت، شعارهم: "نحيا كراماً أو نموت شهداء".

فإذا قدَّم الأسرى في معركتهم كل شيء، وضحوا بكل شيء، واستخدموا كل أدواتهم، فكيف يتكافأ فعل الأحرار المقاومين خارج السجون مع فعل الأسرى؟.

إن كل فعلٍ نبذله من أجل الأسرى، لا نوظف فيه كل إمكاناتنا، ونستخدم فيه كل أدواتنا، ونضحي فيه من أجلهم بكل شيء، لا يكون فِعْلاً مكافئاً، فكلٌ ينطلق من قدراته ومن الفرص المتاحة أمامه. إنه لا معنى لوجود آلاف الصواريخ التي كدستها فصائل المقاومة الفلسطينية من أجل ردع العدو عن عدوانه، لا قيمه لها ما لم تردع العدو عن عدوانه المتواصل على أبطال الشعب الفلسطيني داخل المعتقلات والسجون. ولنا في عدونا عبرة وعظة؛ فقد شنّ عدواناً واسعاً على قطاع غزة من أجل تحرير أسير واحد له، استخدم في عدوانه آلاف الجنود ومئات الطائرات وآلاف الأطنان من القذائف، ولم يندم عن فعله ذلك إذ انتهى عدوانه دون تحقيق هدفه ودون تحرير أسيره. لقد رأى المجتمع الصهيوني أن حكومته قامت بما هو واجب عليها تجاه أبنائها، ولا عبرة عند السعي لتحقيق الأهداف الوطنية والعقائدية بالنتائج، إذ يقوم المرء بواجبه دون البحث المطوَّل في العواقب والنتائج.

لا يجوز أن يكون عدونا الذي هو أحرص الناس على حياة أكثر حرصاً منا على تحرير أسراه مهما كلف الثمن. ولنا في ذلك درسٌ وعبرة. وعلى فصائل الشعب الفلسطيني، ولاسيما فصائل المقاومة - تنسيق جهودهم عاجلاً لخوض معركة تحرير الأسرى بغض النظر عن نتائجها، فما علينا إلا الفعل، والله يتولى النتائج. "فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَّ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَّ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللهَّ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللهَّ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ" (الأنفال 18 – 17).

(المصدر: صحيفة فلسطين، 25/4/2012)