الأسرى وتدويل الملف

بقلم/ د. يوسف رزقة

قلنا في مقال سابق إن تجارب التاريخ ومقررات الفقه الإسلامي تحكي وجوب أن يكون ملف الأسرى ملف (قيادة وأمة) معاً، وأكدت التجارب أنه حين يكون في هذا المستوى عن علم وإحساس بالمسئولية يكون أقرب للحل، وأشفى للنفس، وأبعث على الثقة، وحين يكون في مستوى أدنى يسكنه الاضطراب، ويغلفه النسيان، ويغزوه التسويف، ويصير ملف مناسبة ومهرجان.
لم يحظ ملف الأسرى من قادة أوسلو وملف المفاوضات بهذه المنزلة، لذا ما زال في المعتقلات المئات ممن سجنوا قبل توقيع اتفاقية أوسلو، لأن الملف لم يكن ملف قيادة أرسلت الأسير إلى السجن، ولكنه كان ملفا إنسانياً يعتمد على صدقات الطرف الصهيوني.
حين يبكي القائد من أجل السجين، وحين يمتنع عليه النوم بسبب الأسير، وحين يتماهى في المعاناة مع أسرة الأسير، عندها نقول إن الملف على أجندة الحل، وإن القيادة تستحق الثقة والبقاء، وإلا فلا ؟!.

ومن مقتضيات ما نطالب به سؤال نطرحه على أنفسنا وعلى مستويات القيادة يقول: كيف نتحول بالملف من المحلي إلى الدولي؟!. وهنا نود أن نذكر من يعنيهم الأمر فنقول اقرؤوا تجربة (شاليط) وكيف استطاعت دولة الكيان أن تتحول به إلى ملف دولي أممي بامتياز، حتى بات (جلعاد شاليط) أشهر أسير في العالم، وتحدثت في أمره كل الشخصيات العالمية والدولية من بان كي مون، إلى أوباما ومروراً بكل قادة الاتحاد الأوروبي، بل وصل إلى أن كل الصحف والمجلات والفضائيات قد اتخذته موضوعاً إخبارياً وحوارياً وتحليلياً، إلى أن تم الإفراج عنه في صفقة التبادل، وتلقت دولة الكيان التهاني من كل أنحاء العالم.

المسألة هنا لا تتعلق باليهودية كمبرر وحيد، بل أيضا كان وراء شاليط قيادة وشعب جعلوا من ملفه ملف قيادة وشعب، فكان مقدماً دائماً على أجندة القيادة، وفي أجندة الأحزاب، وفي أجندة المجتمع المدني.
لذا نجحوا في جعله ملفاً دولياً، استقطب ضغوطاً هائلة على حماس وعلى حكومة هنية، وتوسط في أمره العالم كله تقريباً.

وفي المقابل لم ننجح نحن فلسطينياً وعربياً وإسلامياً في تدويل ملف الأسرى لا لتحرير الأسير الفلسطيني من الأسر، فالتحرير له وسائل أخرى، وإنما لتوفير ظروف حياتية إنسانية له في المعتقل بحسب القوانين الدولية وقوانين الصليب الأحمر، لقد فشلنا فلسطينياً في التدويل، ولم نستقطب حتى الآن ضغوطاً دولية حقيقية على الاحتلال لمعاملة الأسرى معاملة إنسانية بحسب القانون الدولي، لأن قادتنا لم يفعلوا شيئاً، ولأن سفاراتنا غائبة عن المشهد، ولأن إعلامنا لا يهتم بالأسير إلا حين يضرب عن الطعام، أو تقع به بلوى أو مصيبة قتل أو إحراق، ومجتمعنا المدني لا يتناول ملف الأسير إلا من حيث كتابة تقرير إحصائي محايد باهت بلا لون ولا طعم ليكون مقبولاً في المؤسسات المانحة والنظيرة في المجتمعات الأوروبية.

الفلسطيني هو المسئول الأول قبل العربي وقبل المسلم في تحمل هذه المسئولية والقيام بواجبات التدويل، لتخفيف المعاناة، وحين أقول الفلسطيني، أعني القائد، والعالم، ورجل المال والاقتصاد، ورجل الإعلام، والطالب، والرجل، والمرأة، ورجال الثقافة، وكتاب المقال، باختصار أعني الأمة.

الأمم تتأثر بحركة الأمم عادة، والحضارات تتأثر عادة بحركة الحضارات، ومن يغِب عن الحركة لا يلتفت إليه الناس.

(المصدر: صحيفة فلسطين، 25/4/2012)