رسالة إضراب الأسرى الوحدوية هل وصلت أم ضلت العنوان؟!‏

بقلم: الدكتور حسن عبد الله

الإضراب المفتوح عن الطعام الذي يخوضه الأسرى في معتقلات الاحتلال، حمل عدداً من الرسائل، وفي مقدمتها أن الأسير الفلسطيني قادر على قلب الطاولة، عندما يتعلق الأمر بكرامته، مستنداً الى تجربة طويلة ملحمية سطرتها الحركة الأسيرة عل مدى خمسة وأربعين عاما. ولعل الرسالة الأهم التي أرسلها الأسرى للسياسيين على الساحة الفلسطينية، أن الحركة الأسيرة تستطيع في لحظات الحسم توحيد مواقفها، ولو تطلب الأمر تدرجاً وجهداً خاصاً. حيث أن انضمام أفواج جديدة للإضراب في الأيام الأخيرة، يؤكد أن الانقسام حول الإضراب، قد تقلص الى حد كبير، وأن أسرى حركة "فتح" في عدد من المعتقلات يتلاحمون مع بقية الأسرى، كيف لا؟ وأسرى هذه الحركة وفي محطات مهمة من التجربة، كان لهم دور طليعي في التخطيط للإضرابات والاستمرار بها حتى تحقيق أهدافها.
صحيح أن الانقسام الذي يعصف بالساحة الفلسطينية كان له انعكاساته وتداعياته في المعتقلات، إلا أن الأسرى بحسهم الوطني والوحدوي، ونظراً لوجودهم في الخنادق المتقدمة من الصراع، استطاعوا لجم هذه التداعيات والحد من انعكاساتها، بل والانتقال من وضع التصدي لأمراض الانقسام المتسللة من الخارج، الى توحيد الصفوف ومن ثم الهجوم الجماعي في معركة الأمعاء.
والحقيقة أن من جرّب الإضرابات المفتوحة عن الطعام، يدرك تماما انها التجربة الأصعب والأقسى والأكثر مأساوية في التجارب الإنسانية، لكنها تصبح خياراً اضطرارياً يرتقي بالأوضاع من مرحلة الى مرحلة أفضل، بعد أن تحقق الإضرابات مطالب الأسرى العادلة والمشروعة. إضافة إلى أن الإضرابات تصلِّب البنيان التنظيمي والوطني للأسرى على اختلاف فصائلهم، بخاصة وان معركة الأمعاء تعمل على تجنيد واستنفار كل الطاقات والإمكانات، بمعنى أن أي ترهل يعتري الجسم الأسير نتيجة سنوات الاعتقال يصبح في خبر كان.
إن الأسرى الذين أبدعوا وثيقتهم الوحدوية التي لو تم تطبيقها وتنفيذها، لما دخلنا هذا النفق المظلم من الانقسام والتشرذم وتشتيت الطاقات وبعثرتها، بينما الوطن مستباح والاقتصاد مدمر والاستيطان يبتلع الأرض. لقد جاءت الوثيقة كخلاصة لتجربة وحدوية غنية عميقة جسدها الأسرى وطوروها من محطة الى أخرى، حيث يمكن القول ببساطة شديدة إن الحركة الوطنية في الخارج يمكنها الاستفادة من المفاهيم والتجسيدات الوحدوية للحركة الأسيرة منذ العام 67 وحتى الآن، لأن الحركة الأسيرة أدركت منذ اليوم الأول، أن أي انقسام في صفوفها، هو مدخل لضرب الجميع وإخضاع الكل الوطني لمشيئة وإرادة السجان. لذلك فإن الإضراب المفتوح عن الطعام الذي يدخل مرحلة صعبة وحساسة، يشكل صرخة مدوية يطلقها الأسرى في آذان قيادات الفصائل في الخارج، أن أنقذوا الساحة من الانقسام، وتحرروا من الذات الفئوية، وتمسكوا بحبل الوحدة الوطنية، لا تتركوه يفلت من أيديكم، فالوحدة هي مفتاح القوة والعزة والكرامة. وإذا لم يلتقط المعنيون هذه الرسالة – الصرخة، وظل حديثهم عن الإضراب، مجرد جمل وشعارات، فإن الأسرى بإصرارهم ونضالهم الدؤوب سيحققون مطالبهم في المحصلة النهائية، لكن الساحة في الخارج ستظل غارقة في الانقسام دون تحقيق أي شيء، وبذلك فإن الكلام الحماسي والكبير، والاستعداد اللفظي الإنشائي لإنهاء الانقسام، سوف لا يتجاوز الفقاعات التي تنتفخ وتتلاشى في رمشة عين.

 

(المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 29/4/2012)