الحركة الأسيرة بين الماضي والحاضر في صالون الأحد الثقافي

قارن أسرى محررون في صفقة التبادل الأخيرة بين الظروف الإعتقالية والحالة التي تعيشها الحركة الأسيرة في السجون والمعتقلات الصهيونية بين البدايات والسنوات الأخيرة وخاصة بعد اتفاقيات أوسلو وحالة التراجع والانكماش التي تمر بها الحركة الأسيرة التي تتأثر بالحالة السياسية والنضالية في الخارج. وأجمع الأسرى المتحدثون في صالون الأحد الثقافي "المكتبة العلمية" بالتعاون مع نادي الصحافة المقدسي على أن حالة الإحباط الحالية ورغم قسوتها لم تؤد إلى رفع الراية البيضاء أو الاستسلام أمام قهر المحتل والسجان.
ودعا المحررون إلى ضرورة التمسك بعاصمتنا القدس والوقوف في وجه كافة محاولات التثبيط وانتقدوا القصور حيال القدس من رصد ميزانيات ضئيلة إلى غياب الاهتمام بالمؤسسات الثقافية والتعليمية والإعلامية وضرورة دعم صمود القدس بكل السبل والوسائل وعدم الاكتفاء بكلام الإنشاء الفضفاض.

المحرر علي مسلماني
وأكد الأسير المحرر علي المسلماني الذي أمضى 29 عاما قيد الأسر والاعتقال وتم تحريره مؤخرا أن نضالات الرعيل الأول من الأسرى نجحت في اكتشاف الذات الفلسطينية والبدء في تكوين التنظيمات والأطر النضالية والإعتقالية بعد أن كان الأسرى وحيدين دون قوانين أو محامين أو صليب أحمر يقفون بلحمهم الحي أمام جبروت مديرية السجون الصهيونية. واستعرض بعجالة أهم الإضرابات ومعارك الأمعاء الخاوية التي خاضها الأسرى من إضراب نفحة عام 1980 وإضراب عام 1984 والتي أدت إلى تبلور الحركة الأسيرة وتحقيق إنجازات مادية كثيرة إلى جانب المحافظة على كرامة الأسير من خلال لوائح وأطر وقوانين انضباطية ولجان داخلية فعالة، بحيث تتم معالجة أية إشكالات داخلية بين الأسرى بشكل ديمقراطي ومن خلال الحوار البناء. وأضاف أن الحركة الأسيرة قفزت مع إضراب عام 1992 قفزة نوعية من خلال تحقيق المزيد من الإنجازات والوصول إلى ما يشبه حكما ذاتيا في السجون والتي جاءت من خلال تضحيات جسام وسقوط أسرى شهداء وجرحى إلى درجة أن رائحة الغاز المستخدم ضدهم بقيت عالقة على قضبان نوافذ السجن مدة ستة اشهر.

لا تثقيف مرحلة ما بعد أوسلو
وأشار المسلماني إلى أن مرحلة ما بعد أوسلو شهدت ما يمكن تسميته ثورة مضادة على كل المفاهيم والقيم التي تربينا عليها بحيث أن سلسلة برامج التوعية والتثقيف ومنع أن يكون هناك أسير أمي قد أصيبت بحالة إحباط وترهل في سياق متداخل مع مراوغات إدارة السجون ولعبها على عملية تصنيف خبيثة للمعتقلين لدق اسفين بينهم. ونوه إلى ظاهرة تهريب البلفونات إلى داخل المعتقلات بعد عام 2000 والتي تزامنت مع استحداث وزارة للأسرى. وما رافق ذلك من تدفق آلاف الأسرى في الانتفاضة الثانية وتزايد حدة الصراع على الغذاء والهواء والدواء وكل المكتسبات التي حققها الأسرى بالدم والعرق واللجوء إلى الإضراب المفتوح عن الطعام الذي هو حالة تمرد على قوانين إدارة السجون وفي نفس الوقت تحد للنفس ومتطلبات الجسد والامتناع عن الزيارة وما رافق ذلك من طفرة في بناء سجون جديدة "حوالي سبعة سجون" لاستيعاب الكم الهائل من الأسرى ومحاولة العودة إلى سياسة التفتيش العاري وضرب الأسرى وهم عراة أو ما يسمى «Ø­ÙÙ„Ø© الاستقبال» ووضع الحاجز الزجاجي العازل أثناء الزيارات وبقيت الحالة الإعتقالية بين مد وجزر في أعقاب إضراب عام 2004 الذي فشل في تحقيق أهدافه إلى أن تم أسر الجندي الصهيوني جلعاد شاليط.

لا عنفوان بعد أوسلو
وقال الأسير المحرر ناصر عبد ربه أننا سرنا على هدي الرعيل الأول من الأسرى حيث كانت الحركة الأسيرة في صعود دائم إجمالا إلى أن وصلنا مرحلة أوسلو حيث نشأ وضع يتسم بالتراجع, واصفا مراحل النهوض الجزئي والمتواصل منذ السبعينيات وتطوره في الثمانينيات وبداية التسعينيات من خلال خوض معارك الأمعاء الخاوية حيث شكل إضراب 1992 حالة مهمة في تثبيت الروح الوطنية والتنظيمية لدى جموع الأسرى في كافة المعتقلات إلا أن أوسلو غيرّت حالة العنفوان هذه, إلا أنه لم يتم الخروج عن النظام العام الذي يضبط واقع الأسرى ولكن حدثت عمليات تخلي عن الحالة الثقافية ومحاولة الإدارة النفاذ إلى صفوف الأسرى من خلال تقسيمات جغرافية وما إلى ذلك لكسر إرادتهم. ومن المعروف أن الحالة في الخارج تعكس نفسها على داخل السجون. كما حصلت حالة من ظواهر التفريق و التمييز بين الأسير القديم الذي هو دقة قديمة والأسير الجديد المتأثر بمظاهر الحداثة والعصرنة وما شابه إضافة إلى عدم التزام بعض الأسرى بتعريف أنفسهم ضمن الأطر التنظيمية المعروفة في السجون وإنما إلى أجهزتهم الأمنية مثلا رغم المفارقة المذهلة وهي أن الأسرى الجدد الذين لم يتشربوا بعد التجربة الإعتقالية قد صمدوا في الإضراب وأثبتوا عكس الانطباع السائد عنهم وأشار إلى مدير مصلحة السجون المدعو يعقوب غانوت الذي أعطى صلاحيات أوسع للسجانين لفرض مجموعة من العقوبات وحرمان الأسرى من مكتسباتهم السابقة ومحاوله تعزيز المناطقية بين الأسرى لتفتيت وحدتهم النضالية وصولا إلى عزل أسرى حماس عن أسرى فتح وهكذا لتحويل السجون إلى "ممالك وإقطاعيات" متنافرة كل منها له مطالبه المنفردة من مصلحة السجون وسجل عبد ربه صحوة نضالية لأسرى معتقل رامون بينهم 400-500 مؤبد الذين قادوا عملية احتجاج تستحق الإشادة بها عندما تصدوا للسجانين والإدارة وبدءوا بطرق وقرع أبواب السجن بعنف.

تجربة ديمقراطية حقيقية
ورأى محمود جدة الأسير المحرر السابق في عملية التبادل عام 1985 أن قرابة مائتي أسير قضوا في التحقيق أو نتيجة الإهمال الطبي في تاريخ الحركة الأسيرة الفلسطينية وأن بدايات عملية الأسر كانت معزولة عن العالم ولكنها بالتجربة والممارسة اليومية تطورت وتعملقت إلى أن وصلت إلى أفضل تجربة ديمقراطية يعيشها الأسرى وكانت في سجن الرملة على سبيل المثال وتطرق إلى نوعية الطعام في البدايات التي كانت شحيحة وقليلة وإمكانية تعرضها لمحاولة تلويث وغياب الأقلام والكتب وعالم الثقافة بشكل صارم وانعدام الرسائل بين الأهل ولكن بعد نضالات سمح بإدخال الكتب وزيارة الصليب الأحمر, معرجا على معاناة الأسرى اليومية من ظروف اعتقال سيئة جدا إلى الضرب والتفتيش العاري والتصدي له بإصدار أمر للأسرى بالرد الفوري وإذا لم يفعلوا تتم معاقبتهم من الأسرى أنفسهم، وهو ما نجح في وقف الضرب والمحافظة على كرامة الأسرى من خلال التعامل مع السجانين.

التضامن الخارجي
وركز الكاتب والأسير السابق محمد خليل عليان على أهمية التضامن الخارجي مع نضالات الأسرى وكيف كان الأسير سابقا يتحول بيته إلى مزار في حالة نادرة من التضامن القوي والمؤثر وتراجع وخفوت هذه الظاهرة رغم الحفاوة البالغة التي يقابل بها الأسرى المحررون لدى وصولهم إلى مدنهم وقراهم ومخيماتهم وأشار إلى دور الكوادر السياسية والفكرية في التأسيس للثقافة الوطنية من خلال انتهاج أساليب بدائية وسرية في البدايات للتغلب على ظاهرة منع الكتب والأقلام والرسائل وغير ذلك من وسائل اتصال مع العالم الخارجي ووضع برامج تثقيفية وتعليمية في كافة تخصصات العلم واللغات وإصدار المجلات والترجمات والمنشورات والبيانات وغير ذلك. ونوه إلى تجربة الحركة الأسيرة بعد أوسلو من خلال كتاب المناضل حسام خضر"الاعتقال والمعتقلون" وكيف أن الأسير قبل أوسلو كان أقوى شكيمة وأكثر تحديا ووعيا وثقافة رغم أن الظروف الإعتقالية كانت أسوأ.

(المصدر: صحيفة الحياة الجديدة، 03/01/2012)