تداعيات صفقة التبادل

 

بقلم: حمادة فراعنة

باختيار اللواء يورام كوهين، مديراً للمخابرات الصهيونية "الشين بيت"، يكون الكيان الصهيوني قد أكملت تعيين قادة حلقاتها الأربع لأجهزتها العسكرية والأمنية في ظل تحالف اليمين مع اليمين المتطرفوهيمنتهما على مركز صنع القرار السياسي الأمني في الكيان الصهيوني.
فقد تم تعيين اللواء بيني جانتس رئيساً للأركان وقائداً للجيش. واللواء تمير فريدو رئيساً لجهاز الأمن الخارجي "الموساد". واللواء أفيق كوخافي للاستخبارات العسكرية "أمان" وهؤلاء مع مدير المخابرات هم القيادات الحقيقية التي تحكم الكيان الصهيوني وتحميها، وتضع خططها وبرامجها التوسعية وتنفذها، أو يمكن القول إنهم الشركاء الحقيقيون الذين لا يحتاجون لتصويت الكنيست ورأي أغلبية الحكومة، فقرارهم هو المرجع، أو هو المأخوذ به، وهم الذين يملكون "الفيتو" لصد أو إحباط أي قرار سياسي أمني اقتصادي.
في عهد حكومة أولمرت كاد الاتفاق السياسي لصفقة تبادل الأسرى بين تل أبيب وحركة حماس يصل لنهاياته، وكاد التوقيع يتم لولا عدم موافقة رئيس "الشاباك" في حينه يوفال ديسكين ومعه رئيس "الموساد" مئير دغان، اللذين رفضا الموافقة على الصفقة، التي كان يحتاجها رئيس الوزراء إيهود أولمرت لسببين في ذلك الوقت:
الأول : Ù„مواصلة مفاوضاته مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بهدف التوصل إلى تسوية في ضوء مفاوضات "أنابوليس" برعاية الرئيس الأميركي جورج بوش ووزيرة الخارجية كونداليزا رايس لها، ولذلك كان بحاجة لصفقة التبادل لتغطية المفاوضات.
الثاني:  لتعزيز دوره الداخلي وإنجازاته والتغطية على تجاوزاته المالية. وفشلت صفقة التبادل التي توصل إليها مفوّض رئيس الوزراء، هداس، مع حركة حماس وبموافقة قائد الجيش إشكنازي الذي أيّد الصفقة وقبل نتائجها سلفاً.
نتنياهو الذي أصبح رئيساً للوزراء، اشترط سلفاً على من وقع عليهم الاختيار لإدارة المخابرات "الشين بيت" وجهاز الأمن الخارجي "الموساد"، الموافقة سلفاً على قبول صفقة التبادل مع حركة حماس، ولذلك حينما تم إعلان تعيين يورام كوهين رئيساً للمخابرات، بثت الإذاعة العبرية العامة خبراً قالت فيه إن المدير الجديد ل "الشين بيت" "يؤيد إنجاز صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس لاستعادة الجندي جلعاد شاليت" وبشرت أهله بمضمون موافقة كوهين على شرط تعيينه مديراً للمخابرات.
قادة الأجهزة العسكرية والأمنية الصهيونية، يؤمنون "بأرض إسرائيل" ولذلك لا مجال في ظل القيادة السياسية والعسكرية والأمنية الحاكمة في الكيان الصهيوني التوصل إلى تسوية واقعية تقوم على حل الدولتين وفق خطوط الهدنة للعام 1967ØŒ ÙØ§Ù„حل بالنسبة إليهم يقوم على عدة عوامل:
أولاً:
 Ù„ا أطماع صهيونية في قطاع غزة، ولذلك يمكن إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة.
ثانياً: Ù…ا تبقى من الضفة الفلسطينية يتم ضمه لقطاع غزة، بعد اقتطاع ثلاثة مناطق جغرافية هي :1- القدس. 2- الأراضي الواقعة غرب الجدار.3- الغور بعد بناء الجدار الشرقي بعمق 15 كيلو متراً على امتداد نهر الأردن ليحول دون وجود حدود أردنية فلسطينية، بل مجرد معابر أردنية فلسطينية مُسيطر عليها.
القيادة الأمنية الصهيونية الجديدة ليست لديها عقدة حركة حماس، ولديها الاستعداد للتعامل مع حركة حماس سواء كانت شريكاً في القيادة الفلسطينية أو تقف على رأس القيادة الفلسطينية، ومبرراتها في ذلك تقوم على عاملين:
أولهما : Ø§Ù„تزام حماس بوقف العمل المسلح كما تفعل حالياً منذ استيلائها على السلطة في قطاع غزة عبر الحسم العسكري في حزيران 2007ØŒ وردعها ومنعها أي عمل مسلح تقوم به فصائل المقاومة الأخرى، وهو عامل يُسجل فيه لحركة حماس انضباطها وتجديدها الدوري للهدنة عبر الوساطة المصرية، وحينما ترددت في ذلك في نهاية العام 2008ØŒ كان الاجتياح الصهيوني في عهد أولمرت والذي أثمر مرة أخرى على موافقة حماس وإذعانها لقبول الاقتراح المصري بعمل التهدئة.
ثانيهما:  التوصل إلى صفقة التبادل وقبول حماس تقديم تنازلين كانت تتمسك بهما وهما:
أولاًاستثناء أبرز قيادات حماس من شمولهم بالصفقة وهم إبراهيم حامد، عبد الله البرغوثي، حسن سلامة، عباس السيد، جمال أبو الهيجا، معاذ بلال، إضافة إلى أحمد سعدات أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومروان البرغوثي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح.
ثانياً: Ù‚بول الإبعاد عن فلسطين، أو إبعاد بعضهم إلى قطاع غزة وهم من سكان الضفة الفلسطينية.
حركة حماس فلسطينياً تملك ورقتين في غاية الأهمية وهما:
أولاً : Ø³ÙŠØ·Ø±ØªÙ‡Ø§ المنفردة على قطاع غزة وصمودها طوال فترة الحصار السابقة منذ الانقلاب عام 2007ØŒ وحتى يومنا هذا.
ثانياً : Ù†ØªØ§Ø¦Ø¬ الانتخابات التشريعية التي أعطتها الأغلبية البرلمانية، وبذلك غدت رقماً فلسطينياً لا يمكن تجاهله.
حركة حماس سعت لأن تكون البديل وفشلت، وسعت لأن تكون الشرعية وأخفقت، طوال الفترة الماضية، ولهذا فهي تسعى اليوم عبر1- التهدئة مع الكيان الصهيوني. 2- سيطرتها المنفردة على قطاع غزة.
3- نتائج الانتخابات الماضية وهذا سبب رفضها للانتخابات المقبلة لخشيتها فقدان الأغلبية التي تملكها. 4- صفقة التبادل التي استعادت من خلالها جزءاً من شعبيتها المفقودة، فقد فقدت شعبيتها بسبب وقف عملياتها المسلحة ضد الصهاينة، وهي بذلك تتساوى مع حركة فتح، وقبولها الهدنة مع الصهاينة وهي بذلك تتساوى مع السلطة الوطنية الائتلافية في رام الله.
حركة حماس الآن في وضع اختبار صهيوني أميركي أوروبي، وستتسع منافذ التحرك والاتصالات بينها وبين الأوروبيين والأميركيين بهدف الاقتراب من تفاهمات متبادلة، وفق الطريقة التي سار بها الأميركيون والأوروبيون مع منظمة التحرير في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، من أجل أن تكون حماس شريكاً في المشهد الفلسطيني وجزءاً من القرار السياسي، وهذا ما يسعى إليه خالد مشعل وأغلبية قيادات حماس، وبالحوار مع المصريين كان أحد أهداف وفي قلب مطالبهم تبني القاهرة تسويق حماس، أولاً فلسطينياً لترتيب صفقة واتفاق مع الرئيس محمود عباس وثانياً مع الأوروبيين والأميركيين، وثالثاً وأخيراً مع الصهاينة.
ثمة مستجدات وتحديات تواجه الرئيس الفلسطيني وحركة فتح والائتلاف الوطني الذي يقود منظمة التحرير وسلطتها الوطنية، في ضوء كل هذه الوقائع والتداعيات فماذا هم فاعلون ؟؟.

(المصدر: جريدة الأيام الفلسطينية، 23/10/2011)