ثماني ملاحظات على صفقة تبادل الأسرى

 

منذ‎ ‎ما‎ ‎يزيد‎ ‎عن‎ ‎واحدٍ‎ ‎وثلاثين‎ ‎عاماً وأنا‎ ‎أعيش‎ ‎تجربة‎ ‎الأسر‎ ‎بتفاصيلها‎ ‎وبكل‎ ‎ما فيها‎ ‎من‎ ‎كبرياء‎ ‎وعزة‎ ‎وثبات‎ ‎‎وصمود‎ ‎وآلام وآمال‎ ‎ومعانيات‎ ‎وتحديات،‎ ‎عاصرتُ‎ ‎وعشتُ وشاركتُ‎ ‎وقُدتُ‎ ‎مواجهاتها‎ ‎وإضراباتها، ‏ومازلتُ‎ ‎أذكر‎ ‎يوم‎ ‎التاسع‎ ‎عشر‎ ‎من‎ ‎آب‎ ‎عام ‏1994‏‎ ‎وأنا‎ ‎أُودع‎ ‎زملائي‎ ‎وأحبتي‎ ‎في‎ ‎السجن وقد‎ ‎ودَعتهم‎ ‎جميعاً‎ ‎‎باكياً‎ ‎ومعاهداً‎ ‎إياهم أن‎ ‎أُواصل‎ ‎النضال‎ ‎إلى‎ ‎جانبهم‎ ‎وأن‎ ‎أكون صوتهم،‎ ‎وأحمد‎ ‎الله‎ ‎أنني‎ ‎وبعد‎ ‎أكثر‎ ‎من سبعة‎ ‎‎عشر‎ ‎عاماً‎ ‎على‎ ‎خروجي‎ ‎من‎ ‎السجن الذي‎ ‎أمضيتُ‎ ‎فيه‎ ‎أربعة‎ ‎عشر‎ ‎عاماً‎ ‎مازلتُ وفياً‎ ‎لمن‎ ‎هم‎ ‎أهلاً‎ ‎للوفاء،‎ ‎فقد‎ ‎‎ظلوا‎ ‎وسيبقوا الأولوية‎ ‎بالنسبة‎ ‎لي‎ ‎في‎ ‎كل‎ ‎موقعٍ‎ ‎رسميٍ‎ ‎أو شعبيٍ‎ ‎أشغلته،‎ ‎وبحكم‎ ‎متابعتي‎ ‎ومعاصرتي للعديد‎ ‎من‎ ‎‎صفقات‎ ‎التبادل‎ ‎التي‎ ‎أحفظ عن‎ ‎ظهر‎ ‎قلب‎ ‎تفاصيلها‎ ‎وتواريخها‎ ‎وأسماء من‎ ‎خرجوا‎ ‎فيها.. ‎أتوقف‎ ‎اليوم‎ ‎أمام‎ ‎صفقة ‏التبادل‎ ‎وقفة‎ ‎جوهرية‎ ‎من‎ ‎حق‎ ‎المواطن‎ ‎أن يعرفها،‎ ‎وكذلك‎ ‎إن‎ ‎كان‎ ‎أخوتي‎ ‎وأخواتي المحررين‎ ‎الذين‎ ‎أُهنئهم‎ ‎على‎ ‎‎تحررهم‎ ‎من الأسر،‎ ‎وهم‎ ‎الآن‎ ‎أحرار‎ ‎قادرين‎ ‎على‎ ‎التعبير عن‎ ‎فرحهم‎ ‎ومواقفهم،‎ ‎فإنَ‎ ‎هناك‎ ‎من‎ ‎هم في‎ ‎الأسر‎ ‎في‎ ‎‎زنازين‎ ‎العزل‎ ‎وفي‎ ‎غياهب السجون‎ ‎من‎ ‎لا‎ ‎تتوفَر‎ ‎لديهم‎ ‎الفرصة‎ ‎مثلنا للتعبير‎ ‎عن‎ ‎مواقفهم.. ‎فإنَني‎ ‎أرى‎ ‎من ‏واجبي‎ ‎أن‎ ‎أكون‎ ‎لسان‎ ‎حالهم،‎ ‎فهي‎ ‎مسؤولية وطنية‎ ‎وأخلاقية‎ ‎وضميرية‎ ‎وسيسألني‎ ‎عن ذلك‎ ‎رب‎ ‎العالمين‎ ‎يوم‎ ‎لا‎ ‎‎ينفع‎ ‎مالا‎ ‎ولا‎ ‎بنون، إلا‎ ‎من‎ ‎أتى‎ ‎الله‎ ‎بقلبٍ‎ ‎سليم.‎‏ ومن‎ ‎الأهمية‎ ‎بمكان‎ ‎التوضيح‎ ‎وبأنني إذ‎ ‎أعتز‎ ‎وأفتخر‎ ‎بفتحاويتي‎ ‎‎وانتمائي لحركة‎ ‎تحمل‎ ‎على‎ ‎أكتافها‎ ‎تاريخاً‎ ‎مجيداً من‎ ‎البطولات‎ ‎والتضحيات‎ ‎صنعها‎ ‎عشرات الآلاف‎ ‎من‎ ‎الشهداء‎ ‎ومئات‎ ‎الآلاف‎ ‎من الأسرى،‎ ‎فإنني‎ ‎هنا‎ ‎لا‎ ‎أُعبر‎ ‎عن‎ ‎موقف حركة‎ ‎فتح‎ ‎لأنني‎ ‎أولاً‎ ‎لا‎ ‎أشغل‎ ‎أي‎ ‎موقعٍ ‏في‎ ‎أيٍ‎ ‎من‎ ‎مؤسساتها،‎ ‎وثانياً‎ ‎لأن‎ ‎الحركة‎ ‎لها أٌطرها‎ ‎وقيادتها‎ ‎والناطقين‎ ‎باسمها،‎ ‎وثالثاً فإنَ‎ ‎سيادة‎ ‎الرئيس‎ ‎محمود‎ ‎‎عباس‎ ‎قد‎ ‎بارك الصفقة‎ ‎منذ‎ ‎اللحظة‎ ‎الأولى‎ ‎للإعلان‎ ‎عنها وتذكروا‎ ‎أنه‎ ‎أيضاً‎ ‎رئيساً‎ ‎لحركة‎ ‎فتح‎ ‎ثم إنَ‎ ‎مستشاره‎ ‎‎السيد‎ ‎نمر‎ ‎حماد،‎ ‎قد‎ ‎قال في‎ ‎مقابلةٍ‎ ‎للجزيرة‎ ‎يوم‎ ‎الثلاثاء‎ ‎الموافق الثامن‎ ‎عشر‎ ‎من‎ ‎أكتوبر "‎يوم‎ ‎التبادل"‎‏ أنَ‎ ‎‎مُنتقدي‎ ‎الصفقةهم‎ ‎أصواتٌ "‎نشاز"‎‏ وبصفتي‎ ‎رئيساً‎ ‎لنادي‎ ‎الأسير‎ ‎الفلسطيني الذي‎ ‎هو‎ ‎امتدادٌ‎ ‎أصيلٌ‎ ‎لتجربة‎ ‎‎الحركة الأسيرة‎ ‎وجزءٌ‎ ‎لا‎ ‎يتجزأ‎ ‎منها،‎ ‎ولأنني‎ ‎لا أتطلع‎ ‎لأحدٍ‎ ‎أن‎ ‎يخلع‎ ‎علي‎ ‎منصباً‎ ‎أو‎ ‎مالاً‎ ‎أو مكانةً‎ ‎لا‎ ‎من‎ ‎سيادة‎ ‎‎الرئيس‎ ‎ولا‎ ‎من‎ ‎قيادة فتح‎ ‎ولا‎ ‎من‎ ‎السيد‎ ‎خالد‎ ‎مشعل‎ ‎أو‎ ‎قيادة حماس )‎مع‎ ‎الاحترام‎ ‎طبعاً‎ ‎لهم‎ ‎جميعاً(‎‏ فإنني‎ ‎‎سأواصل‎ ‎عرض‎ ‎رأيي‎ ‎على‎ ‎الرأي‎ ‎العام الفلسطيني‎ ‎الذي‎ ‎أحترمه‎ ‎وأُجله‎ ‎وأُقدره، وهو‎ ‎الذي‎ ‎يُقرر‎ ‎ما‎ ‎إذا‎ ‎كان‎ ‎‎صوتي‎ ‎نشازاً‎ ‎أم‎ ‎أنه صوت‎ ‎من‎ ‎تجري‎ ‎المحاولات‎ ‎لكتم‎ ‎صوتهم !‎‏ ولتحويلنا‎ ‎إلى‎ ‎جوقةٍ‎ ‎من‎ ‎المُطبلين‎ ‎والمُزمرين ‏والمُنافقين... ‎وقد‎ ‎تعلمتُ‎ ‎في‎ ‎مدرسة‎ ‎السجن أن‎ ‎لا‎ ‎أكون‎ ‎منهم،‎ ‎Ùˆ‎ ‎تعلَمتُ‎ ‎في‎ ‎السجن‎ ‎أيضاً أن‎ ‎لا‎ ‎أخدم‎ ‎أحداً‎ ‎‎لشخصه وإنما‎ ‎أن‎ ‎أخدم‎ ‎شعبي‎ ‎وأنسجم‎ ‎مع‎ ‎عقلي وضميري.‎‏ وتوخياً‎ ‎للدقة.. ‎فإنني‎ ‎أرى‎ ‎أنَ‎ ‎عملية جلعاد‎ ‎شاليط‎ ‎‎هي‎ ‎من‎ ‎شقين: ‎
أولا:‎الشق العسكري‎ ‎العملياتي،‎ ‎وهنا‎ ‎فإنني‎ ‎أنحني أمام‎ ‎عظمة‎ ‎أولئك‎ ‎الذين‎ ‎خطَطوا‎ ‎ونفَذوا ‏وحافظوا‎ ‎على‎ ‎جلعاد‎ ‎شاليط،‎ ‎لمدة‎ ‎خمس سنوات،‎ ‎أما‎ ‎الشق‎ ‎السياسي‎ ‎التفاوضي‎ ‎فهو الذي‎ ‎سأتناوله‎ ‎بالنقد‎ ‎بسبب‎ ‎‎الأخطاء الكبيرة‎ ‎التي‎ ‎شابت‎ ‎هذه‎ ‎الصفقة:‎‏ أولاً: ‎رفع‎ ‎سقف‎ ‎توقعات‎ ‎الأسرى وعائلاتهم‎ ‎‎والمواطنين‎ ‎بشكلٍ‎ ‎عام،‎ ‎وذلك من‎ ‎خلال‎ ‎سلسلة‎ ‎البيانات‎ ‎والتصريحات الرسمية‎ ‎الصادرة‎ ‎عن‎ ‎أُطر‎ ‎وقيادات‎ ‎حركة ‏حماس.‎ Ø¥Ø¶Ø§ÙØ© Ø¥Ù„Ù‰‎ ‎الوعود‎ ‎الشخصية لعائلات‎ ‎الأسرى‎ ‎ورسائل‎ ‎وصلت‎ ‎السجون لأشخاصٍ‎ ‎مُحدَدين‎ ‎من‎ ‎‎كافة‎ ‎التنظيمات.‎‏ ممَا‎ ‎تسبَب‎ ‎في‎ ‎حالة‎ ‎إحباطٍ‎ ‎أو‎ ‎صدمةٍ لكل‎ ‎هؤلاء.‎
ثانيا ‎‎:‎الموافقة‎ ‎على‎ ‎الإبعاد...‎‏ ويعلم‎ ‎الشعب‎ ‎الفلسطيني‎ ‎أنَ‎ ‎الإبعاد عقوبةً‎ ‎لجأ‎ ‎إليها‎ ‎الانتداب‎ ‎البريطاني والاحتلال‎ ‎الصهيوني‎ ‎الذي‎ ‎‎أبعد‎ ‎مئات الكوادر‎ ‎المناضلة‎ ‎على‎ ‎مدار‎ ‎سني‎ ‎النضال الفلسطيني،‎ ‎وقد‎ ‎استمعتُ‎ ‎وقرأتُ‎ ‎شهاداتٍ لبعض‎ ‎الأخوة‎ ‎‎الذين‎ ‎وصفوا‎ ‎الإبعاد‎ ‎بأنه أقسى‎ ‎عقوبة.. ‎ورأيتُ‎ ‎بأم‎ ‎عيني‎ ‎أخوةً مناضلين‎ ‎وقد‎ ‎اغرورقت‎ ‎عيونهم‎ ‎بالدموع ‏وهم‎ ‎يُودعوننا‎ ‎في‎ ‎السجون‎ ‎أثناء‎ ‎تنفيذ عمليات‎ ‎الإبعاد،‎ ‎إضافةً‎ ‎إلى‎ ‎أنَ‎ ‎أكثر‎ ‎من قائدٍ‎ ‎في‎ ‎الصف‎ ‎الأول‎ ‎في‎ ‎حماس‎ ‎‎قال‎ ‎على الملأ‎ ‎بأننا‎ ‎لن‎ ‎نقبل‎ ‎بأن‎ ‎نُحول‎ ‎صفقة‎ ‎التبادل إلى‎ ‎صفقة‎ ‎إبعاد.‎
ثالثا: ‎قيادة‎ ‎الصف‎ ‎الأول‎ ‎أو‎ ‎رموز ‏المرحلة – ‎أو‎ ‎أمراء‎ ‎المقاومة‎ ‎كانوا‎ ‎ووفقاً لحماس‎ ‎أداة‎ ‎قياسٍ‎ ‎لنجاح‎ ‎الصفقة‎ ‎وطالما أُعلن‎ ‎بشكل‎ ‎صريح‎ ‎أنَ‎ ‎هؤلاء‎ ‎‎يمثلون‎ ‎خطاً أحمراً‎ ‎لا‎ ‎كُمين‎ ‎تجاوزه. ‎لكننا‎ ‎وجدنا‎ ‎أنَ الصفقة