أم يوسف حكاية الوطن

بيت صغير في مخيم الأمعري جنوب رام الله، يجمع ما تبقى من عائلة أم يوسف حميد (63 عاما)، المكونة من عشرة أبناء، لكل منهم حكايته الخاصة، التي رسمها لهم الاحتلال، فمنهم من استشهد وأسر وجرح، بينما تحاول هي التحلي بالصبر والانتظار لعل في آخر هذا النفق المظلم بريق أمل يشرق في سمائها.
أم يوسف لا تجد ما يؤنس وحدتها سوى صور أبنائها التي تغطي جدران المنزل، فهي تجلس يوميا أمام تلك الصور تحاكي أبناءها وتحاول استحضار وجودهم، لعل حديثها هذا يخفف وحشة صدرها لضمهم، ولتبعثرهم في أحضانها لحظة حنان واحدة.
أم يوسف تحمد الله أن أبناءها اختاروا الطريق الصحيح وأصبحوا مناضلين، وقالت إنها لا تتذكر إلا طفولتهم، لأنهم كبروا في السجن. تسكت قليلا وتتنهد ثم تقول إنها لا تعلم إن كانت ستراهم أم لا. «Ù…Ù† سنتين ما شفت ولا واحد فيهم، أنا ممنوعة أمنيا من الزيارة».
وتسترق أم يوسف النظر لصورة تجمع أبناءها الـعشرة، وتقول بحسرة «Ø§Ù„مكان الوحيد الذي اجتمع فيه أبنائي هو الصورة، لغاية الآن لم يجتمعوا على مائدة واحدة أبدا. اعتقلوا جميعهم عام 2002Ù…ØŒ هذه صورة ناصر يقبع الآن في سجن عسقلان، وعمره الآن 36 عاماً، يقضي حكماً بالسجن 5 مؤبدات، وهذا نصر (34 عاماً) حكم عليه بالسجن 5 مؤبدات، وهنا شريف (32 عاما) حكم بالسجن 5 مؤبدات، ومحمد 3 مؤبدات، وهنا الشهيد المرحوم عبد المنعم اغتالته قوات الاحتلال عام 1994».
تطبع أم يوسف قبلات متلاحقة على الصورة وتقول: أبنائي الخمسة الباقون أسرى محررون، قضوا سنوات طويلة في السجن، ومنذ إطلاق سراح الأسرى في الصفقة الأخيرة ووضعي النفسي صعب، كان لدي أمل أن يكون أحدهم ضمن هذه الصفقة، كنت أذهب يوميا إلى المؤسسات والوزارات لعل قلبي يطمئن قليلا بخروج أحدهم، لكني تعلمت أن لا أشكو همي إلا لله».
ويعاني الأسير ناصر من أمراض نتيجة البلاتين المزروع في عدة أجزاء من جسده بعد إصابته بسبعة عشر عياراً نارياً في محاولة اغتياله من قبل قوات الاحتلال، حسبما أكدت أم يوسف. وقالت: «Ù„ا أعرف كثيراً عن وضعه الصحي، يقال لي إنه يعاني في هذه الأيام من البلاتين، ورفض تلقي العلاج وهو مكبل اليدين والساقين، منذ عرفت بهذا الموضوع وأنا أداوم على السهر، لا يغمض لي جفن، أستيقظ ليلاً لأدعو لهم بالفرج. ماذا يمكن لي أن أفعل؟»
لم تكتف قوات الاحتلال بتشتيت أوصال العائلة، بل قامت بهدم منزلها مرتين، الأولى عام 1994، والثانية في اجتياح 2002، وبضحكة مكسورة قالت أم يوسف إنها جربت كل أصناف المعاناة. وتساءلت إن كان هناك ما هو أصعب من أن تعيش أم وحيدة في منزلها، رغم أن لديها عشرة أبناء.
وتابعت: «ÙƒØ§Ù† لدى زوجي بضائع ومخازن، فقدها جميعها إثر هدم المنزل، ولم يفقدها وحدها فحسب، بل فقد معها عينيه حزنا على أولاده وبيته.
وقالت: حتى الجنين في بطني لم يسلم، ففي إحدى المرات كنت على وشك الولادة، فقام أحد الجنود خلال اقتحام منزلنا بدفعي على الأرض، وقال لي بغضب «Ø¹Ù†Ø¯Ùƒ عشرة أولاد وبدك كمان»ØŒ فلم أتمالك نفسي من شدة الألم. ذهبت إلى المستشفى وهناك أخبروني أن الجنين مات.
وتابعت: أصبت مرتين حينما كنت أعتصم في المناسبات الداعية للإفراج عن الأسرى. أم يوسف وغيرها من أمهات الأسرى يعشن على أمل تحقيق كلمات الشاعر الكبير محمود درويش: «ÙŠØ§ دامي العينين والكفين إن الليل زائل لا غرفة التوقيف باقية ولا زرد السلاسل».

(المصدر: صحيفة الحياة الجديدة، 01/12/2011)