الشهداء يحضرون أفراح الأسرى... أحمد أبو البهاء تمنى الشهادة ونالها

بصوره وأحاديثه وذكرياته حضر الشهيد أحمد حسين أحمد زيدان "‎ابوالبهاء "‎حفل زفاف شقيقه ورفيق دربه محمد الذي بكى وهو يحدق في وجوه الحضور، وقال: "انها أصعب لحظات عمري، ‏كنت دوما أتمنى أن تأتي اللحظة التي نفرح فيها سويا بزفاف مشترك ولطالما رسمنا أحلاما وآمالا مشتركة ولكنه رحل وهو في ريعان الشباب، ورغم أنني افخر واعتز ببطولاته ونضالاته ولكنني أتألم لأنني فقدت أخا ورفيق درب وفي كل لحظة أتذكره، وكلما شاهدت احد رفاقه يشاركنا الفرح أو يقوم بتهنئتي بالزواج ابكي وأتألم، لا يوجد احد يعوضني عن أخي ويسد مكانه.‎
العريس محمد اصغر أبناء العائلة، أصر على أن يحضر الشهيد بصوره التي زينت منصة الحفل والتي حملها رفاق دربه وإخوانه وهم يتذكرون محطات خالدة من مسيرته النضالية، وقال العريس: "أكثر لحظة مؤلمة عندما عانقتني والدتي وهي تقول وينك يا أحمد، كبر أخوك محمد وأصبح عريسا، لحظتها انهرت وبكيت بمرارة، ولا نملك سوى الدعاء لله العلي القدير ليتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، فقد تمنى الشهادة دوما وناضل في سبيلها وتحققت له في معركة مشرفة سنبقى نذكرها للأبد.‎‏ واغرورقت عينا أم البهاء بالدموع رغم أهازيج الفرح في منزلها الذي تسكنه الأحزان ‏منذ رحيل أحمد قائد كتائب شهداء الأقصى في مخيم جنين، وقالت: "لا يوجد معنى للفرح حتى لو كان العريس ابني، فغياب أحمد اثر بي وأحزنني، ورغم إنني مؤمنة بقضاء الله وقدره، ولي الفخر بكل ما قدمه ابني من بطولات ولم ولن نندم عليها، ولكن يبقى قلب الأم يختلف خاصة في المناسبات، ففي حفل زفاف محمد والعيد لم تفارقني صور أحمد الذي اختار طريق النضال منذ صغره، الشباب في سنه كانوا يفكرون في العمل والزواج والمستقبل، أما أحمد فحياته كانت فلسطين وروحه النضال وعندما كنت أقول له ارحمني من نار العذاب خاصة بعد إصابته وأريد أن افرح بك، كان يقول لي لا تقلقي ففرحي لن يكون له مثيل، لم أكن اعلم انه يعني بالعرس مسيرة تشييع جثمانه شهيدا، فقد واصل طريق النضال والمقاومة وزفه أهالي المخيم كما تمنى عريسا لفلسطين في مسيرة كبيرة.‎
حملت الوالدة التي تجاوزت العقد الخامس صورة الشهيد أحمد في حفل زفاف نجلها محمد، وقبلتها وهي تبكي وبينما كان الجميع يحتفل توجهت الوالدة لضريح نجلها في ‏مقبرة شهداء مخيم جنين وجلست لجانبه تقرأ القرآن الكريم وتزف له نبأ زفاف محمد، وفي لحظات الاحتفال، لم تتوقف الوالدة الصابرة التي نالت نصيبها من رصاص الاحتلال أيضا، عن الحديث عن أحمد الابن الثاني في عائلتها المكونة من ‏9‏ أنفار، وقالت: "في مخيم جنين ولد وعاش وتربى وتأثر بما مارسه الاحتلال بحق شعبه وأطفال فلسطين من جرائم، وفي أسرتنا المناضلة التي قدمت الكثير من التضحيات ‏تجذرت لديه روح الانتماء للوطن والقضية فترك مقاعد الدراسة والتحق بصفوف المقاومة ورغم صغره، ترك المنزل وتخلى عن كل حياته وأصبح قائدا ميدانيا في صفوف حركة فتح، كان دوما في مقدمة الصفوف في الاشتباكات ومع انطلاقة انتفاضة الأقصى التحق سرا بكتائب شهداء الأقصى.‎‏ وبتأثر واعتزاز قال شقيقه محمد: "‎أدرج اسم أحمد على قائمة المطلوبين ورفض تسليم نفسه وواصل طريق المقاومة، Ùˆ في أحد الأيام وخلال توغل جنود الاحتلال في مخيم جنين شارك مع مجموعة من المقاومين في التصدي لهم وخلال الاشتباكات أصيب بعيار ناري في صدره وتم نقله مباشرة الى مستشفى جنين الحكومي في وضع صحي خطير جدا وحاول ‏الاحتلال اقتحام المستشفى لاعتقاله ولكنه جوبه بمواجهة قوية، ونجا أحمد من الموت بأعجوبة وما كاد يستعيد قوته وعافيته حتى امتشق سلاحه وأبى إلا أن يكمل طريق النضال والمقاومة، وأصيبت والدتي ب ‏5‏ رصاصات من عيار ‏250‏ أطلقتها دبابة صهيونية، وإحدى الرصاصات كانت بجانب الأذن وأخرى برقبتها ‏وباقي الرصاصات في كتفها الأيمن ونجت والدتي من الموت بأعجوبة، واستمر علاجها لفترة طويلة في الأردن والعراق وإيران ورغم ذلك لم تنجح العمليات الجراحية وهي الان لا تسمع بأذنها اليمنى ويدها اليمنى أيضا مشلولة.‎
وتقول الوالدة: "إن أحمد نجا من الموت في عدة محاولات اغتيال، ولكنهم استمروا في مداهمة منزلنا والضغط على أسرتنا فاعتقلوا باكورة أبنائي بهاء - ‎‏29‏ عاما- ‎ ومكث شهرين في سجن سالم، كما داهموا منازل أقربائنا بحثا عنه واستهدفوا منزل خاله عدنان الهندي احد قادة حركة فتح ورئيس اللجنة الشعبية للخدمات في المخيم والذي عانى طويلا من سياسات الاحتلال، فقد اعتقل خلال الانتفاضة الأولى مرات عديدة وبلغت مجموعة اعتقالاته ‏14‏ عاما، وكذلك شقيقي محمد اعتقل في ‏2002‏ وحكم ‏7‏ سنوات، وطارد الاحتلال صهري خليل مصباح ابرز قادة كتائب شهداء الأقصى الذي اعتقل عام ‏2003‏ ويقضي حاليا حكما بالسجن لمدة ‏20‏ عاما، كما أصيب ابني محمد برصاص الاحتلال في قدميه‏‏ØŒ ولم يمض يوم في حياتنا دون معاناة وألم واستهداف من الاحتلال ولكننا صامدون ولن نتخلى عن أهدافنا والمبادئ والرسالة التي ‏ضحى ابني أحمد في سبيلها، والتي ستتحقق يوما بإذن الله تعالى.‎
وكان أحمد على موعد مع كمين للاحتلال ‏عام ‏2004‏ØŒ وتقول والدته: "خلال الليل تسللت الوحدات الخاصة لأزقة المخيم، وحاصرت أحمد في احد المنازل ورفض الاستسلام رغم أن المنطقة تحولت لساحة معركة.. ‎عشرات الجنود تساندهم الطائرات واستمر احمد في المقاومة والاشتباك معهم لمدة ساعة ونصف حتى نفذت ذخيرته واستشهد، وعندما شاهدته في ثلاجة مستشفى جنين لم احتمل فقدانه، كان كالطفل نائما وهالة نور تشع من وجهه واحمد الله الذي انزل علي الصبر ‏والسكينة وألهمني المعنويات العالية وكتمت دموعي خوفا على زوجي وأبنائي وزغردت في مسيرة تشييعه ولكن قلبي يبكي ويتألم كل يوم لأننا لم ولن ننسى أحمد الشاب طيب القلب الخلوق المحب لوطنه، لقد طلب الشهادة ونالها، فباركت له بها وسألت الله أن يعوضني صبرا ولكن لن يعوضني أحد عن ابني.‎

 (المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 13/11/2011)