المحرر منصور ريان بعد 19 عاما من الأسر محاضر في جامعتي الإسلامية والأمة

19 عاما‎ ‎قضى‎ ‎الأسير منصور‎ ‎عاطف‎ ‎ريان‎ ‎خلف‎ ‎القضبان‎ ‎في‎ ‎رحلة تحدي‎ ‎وإرادة‎ ‎رغم‎ ‎انه‎ ‎حوكم‎ ‎‎بالسجن‎ ‎مدى‎ ‎الحياة، فقد‎ ‎واصل‎ ‎تمسكه‎ ‎بالتعليم‎ ‎والدراسة‎ ‎سواء‎ ‎في المجال‎ ‎الثقافي‎ ‎الواسع‎ ‎أو‎ ‎الإسلامي‎ ‎الشرعي، وحصل‎ ‎على‎ ‎بكالوريوس‎ ‎امتياز‎ ‎‏85‏% ‎عام‎ ‎‏2007‏‎ ‎في العلوم‎ ‎السياسية‎ ‎والعلاقات‎ ‎الدولية،‎ ‎وكذلك‎ ‎على ‏ماجستير‎ ‎بمعدل‎ ‎‏83‏‎ ‎في‎ ‎النظم‎ ‎الديمقراطية المعقدة"‎ØŒ‎ ‎وبكالوريوس‎ ‎آخر‎ ‎لم‎ ‎ينته‎ ‎درس‎ ‎منها ‏3‏‎ ‎سنوات‎ ‎في‎ ‎‎الشؤون‎ ‎الصهيونية،‎ ‎بل‎ ‎انه‎ ‎أتقن اللغات‎ ‎العبرية‎ ‎والانجليزية‎ ‎والروسية‎ ‎والعربية.‎‏ وعلى‎ ‎مدار‎ ‎‏19‏‎ ‎عاما‎ ‎لم‎ ‎يفقد‎ ‎‎الأمل.
وفي‎ ‎آخر لقاء للأسير‎ ‎اعتقاله‎ ‎في نيسان‎ ‎الماضي،‎ ‎قال: "‎أنا‎ ‎دائما‎ ‎متفائل‎ ‎ومؤمن‎ ‎‎وبشدة بالقضاء‎ ‎والقدر‎ ‎وان‎ ‎النصر‎ ‎سيكون‎ ‎حليفنا‎ ‎في النهاية،‎ ‎أثق‎ ‎بشعبي‎ ‎وبقيادتي‎ ‎وبعدالة‎ ‎قضيتنا صحيح‎ ‎أن‎ ‎‎السجن‎ ‎مؤلم‎ ‎لكن‎ ‎علينا‎ ‎إبقاء‎ ‎رؤوسنا مرفوعة‎ ‎دائمة‎ ‎وعالية‎ ‎وان‎ ‎نصبر،‎ ‎فقد‎ ‎جعل‎ ‎الله النصر‎ ‎جوادا‎ ‎لا‎ ‎يكبو‎ ‎‎وصارما‎ ‎لا‎ ‎ينبو‎ ‎وجندا‎ ‎لا يهزم‎ ‎وحصنا‎ ‎لا‎ ‎يهدم‎ ‎فهو‎ ‎والنصر‎ ‎إخوان‎ ‎شقيقان وللصابرين‎ ‎معية‎ ‎من‎ ‎الله‎ ‎تعالى‎ ‎‎"‎والله‎ ‎مع الصابرين" ‎وأنا‎ ‎على‎ ‎ثقة‎ ‎أن‎ ‎الحرية‎ ‎قريبة‎ ‎لنا ولشعبنا‎ ‎كله"‎ØŒ‎ ‎وفي‎ ‎‏18‏- ‎‏10‏‎ ‎،تحقق‎ ‎حلم‎ ‎منصور ‏الذي‎ ‎أفرجت‎ ‎حكومة الكيان‎ ‎عنه‎ ‎ضمن‎ ‎صفقة" ‎الوفاء للأحرار "‎ØŒ‎ ‎ولكنها‎ ‎رفضت‎ ‎السماح‎ ‎له‎ ‎بالعودة لمسقط‎ ‎رأسه‎ ‎‎قرية‎ ‎قراوة‎ ‎بني‎ ‎حسان‎ ‎قضاء‎ ‎سلفيت وابعد‎ ‎الى‎ ‎قطاع‎ ‎غزة.‎

 ‏19‏‎ ‎عاما‎ ‎في‎ ‎السجن
 Ø³: ‎قضيت‎ ‎في‎ ‎سجنك‎ ‎أكثر‎ ‎من‎ ‎‎حريتك‎ ‎كيف مرت‎ ‎عليك‎ ‎سنوات‎ ‎السجن‎ ‎الطويلة‎‎ØŸ
ج: يمكن‎ ‎وصف‎ ‎حياة‎ ‎الأسير‎ ‎داخل‎ ‎السجن من‎ ‎جهتين‎ ‎‎:‎الأولى‎ ‎علاقته‎ ‎بباقي‎ ‎إخوانه‎ ‎الأسرى، والثانية‎ ‎العلاقة‎ ‎المتوترة‎ ‎مع‎ ‎السجان‎ ‎وإدارة السجون.‎ في‎ ‎الأولى‎ ‎الذي‎ ‎‎يحكم‎ ‎علاقة‎ ‎الأسير بباقي‎ ‎الأسرى‎ ‎الثقة‎ ‎والإخوة‎ ‎في‎ ‎الألم‎ ‎والمعاناة معا‎ ‎على‎ ‎تثبيت‎ ‎كل‎ ‎منا‎ ‎أخيه‎ ‎أمام‎ ‎هذا‎ ‎الابتلاء ‏العظيم‎ ‎والمحنة‎ ‎الكبيرة‎ ‎وقوانين‎ ‎متفق‎ ‎عليها بين‎ ‎الأسرى‎ ‎داخل‎ ‎التنظيم‎ ‎الواحد‎ ‎وحتى‎ ‎بين التنظيمات،‎ ‎وهذه‎ ‎‎القوانين‎ ‎المكتوبة‎ ‎تسمى"‎‏اللوائح‎ ‎الوطنية"‎بهدف‎ ‎التعايش‎ ‎الطبيعي داخل‎ ‎قلاع‎ ‎الأسر‎ ‎وتنظيم‎ ‎الحياة‎ ‎اليومية‎ ‎‎داخل الأقسام‎ ‎وبني‎ ‎التنظيمات‎ ‎وكيف‎ ‎نواجه‎ ‎هجوم إدارة‎ ‎السجون‎ ‎علينا‎ ‎إفشال‎ ‎خططهم‎ ‎لكسر‎ ‎إرادتها.‎‏ هناك‎ ‎‎بالسجن‎ ‎لجان‎ ‎مختلفة‎ ‎داخليا، ‎ ‎شخصيا اهتممت‎ ‎بنفسي‎ ‎كثيرا‎ ‎في‎ ‎المجال‎ ‎الثقافي‎ ‎والديني والسياسي‎ ‎والحمد‎ ‎الله‎ ‎انه‎ ‎‎وفقني‎ ‎على‎ ‎النجاح جامعيا‎ ‎وقرأت‎ ‎كتب‎ ‎كثيرة‎ ‎في‎ ‎كل‎ ‎المجالات‎ ‎حتى الجغرافية‎ ‎والتاريخية‎ ‎والأدبية‎ ‎والفنية‎ ‎‎والوطنية والفكرية.‎‏ أما‎ ‎العلاقة‎ ‎مع‎ ‎السجان‎ ‎فهي‎ ‎متوترة‎ ‎وفي‎ ‎حرب مستمر، ‎ ‎لأنه‎ ‎يعمل‎ ‎حسب‎ ‎سياسة‎ ‎مخطط‎ ‎لها ‏مسبقا‎ ‎بهدف‎ ‎تحطيم‎ ‎معنوياتنا‎ ‎وكسر‎ ‎إرادتنا، ويحاول‎ ‎باستمرار‎ ‎حرماننا‎ ‎من‎ ‎ابسط‎ ‎حقوقنا المشروعة‎ ‎ويرفض‎ ‎‎تطبيق‎ ‎اتفاقية‎ ‎جنيف‎ ‎الخاصة بالأسرى. ‎اقسى‎ ‎لحظات‎ ‎الاعتقال‎ ‎الإهمال‎ ‎الطبي للمرضى‎ ‎،وعمليات‎ ‎القمع‎ ‎‎والتفتيش‎ ‎والنقل المستمر‎ ‎ال‎ ‎ذي‎ ‎يعتبر‎ ‎جزء‎ ‎من‎ ‎الموت‎ ‎البطيء وهي‎ ‎إرهاق‎ ‎لأهل‎ ‎الأسير‎ ‎ونذكر‎ ‎بمقولة‎ ‎‎رئيس وزراء‎ ‎الكيان الصهيوني" ‎مناحيم‎ ‎بيغن" :"‎إذا‎ ‎أردتم إرهاق‎ ‎الأسير‎ ‎فنقلوه". ‎ أضف‎ ‎لذلك‎ ‎العقوبات الجماعية‎ ‎‎والفردية‎ ‎ØŒ والتفتيش‎ ‎العاري‎ ‎بهدف‎ ‎إهانة الأسير‎ ‎وتحطيم‎ ‎إرادته‎ ‎طبعا‎ ‎كل‎ ‎هذه‎ ‎الأساليب فشلت‎ ‎في‎ ‎كسر‎ ‎معنوياتنا‎ ‎‎فنحن‎ ‎الأسرى‎ ‎حفرنا جدران‎ ‎السجن‎ ‎بأظافرنا‎ ‎وقطعنا‎ ‎قضبان‎ ‎الحديد برموشنا‎ ‎وحطمنا‎ ‎أسوار‎ ‎السجن‎ ‎بدموعنا‎ ‎‎وكنا دائما‎ ‎الأقوياء.‎

س: ‎ماذا‎ ‎تعني‎ ‎لك‎ ‎حقيقة‎ ‎وجودك‎ ‎قسرا‎ ‎‏19‏ عاما‎ ‎في‎ ‎السجن‎‎ØŸ
ج: هي‎ ‎دون‎ ‎شك‎ ‎الم‎ ‎‎ومعاناة‎ ‎وموت‎ ‎بطيء، كنت‎ ‎في‎ ‎البرزخ‎‎ØŒ‎ ‎لم‎ ‎أكن‎ ‎على‎ ‎قيد‎ ‎الحياة‎ ‎لأرزق ولا‎ ‎ميت‎ ‎فأحاسب،‎ ‎كنا‎ ‎في‎ ‎القبور‎ ‎‎وعندما‎ ‎جاءت اسمانا‎ ‎في‎ ‎الصفقة‎ ‎زحزحنا‎ ‎من‎ ‎السجن‎ ‎الى‎ ‎الحياة الدنيا‎ ‎عندما‎ ‎ترى‎ ‎الأسرى‎ ‎في‎ ‎النقب‎ ‎مكان‎ ‎‎التجميع تشاهدهم‎ ‎كأنهم‎ ‎من‎ ‎الأجداث‎ ‎يخرجون .‎تلك السنوات‎ ‎هي‎ ‎حرب‎ ‎مع‎ ‎الاحتلال‎‎ØŒ‎ ‎حرب‎ ‎إرادات‎ ‎من ‏ينتصر‎ ‎ومن‎ ‎أقوى‎ ‎ومن‎ ‎اثبت‎ ‎في‎ ‎مواقفه،‎ ‎‏19‏‎ ‎سنة إرهاق‎ ‎لأهلي‎ ‎وخصوصا‎ ‎والدي‎ ‎الذين‎ ‎يشاهدوني اكبر‎ ‎واكبر‎ ‎‎واكبر‎ ‎أمام‎ ‎أعينهم‎ ‎على‎ ‎الزيارات والشعر‎ ‎يشيب‎ ‎والتجاعيد‎ ‎على‎ ‎الوجه‎ ‎ومع‎ ‎ذلك كله‎ ‎كانت‎ ‎ال‎ ‎‏19‏‎ ‎عاما‎ ‎ابتلاء‎ ‎‎من‎ ‎الله‎ ‎وقد‎ ‎وفقني‎ ‎الله بالثبات‎ ‎والصبر‎ ‎والحمد‎ ‎الله‎ ‎رب‎ ‎العالمين‎ ‎وخرجت من‎ ‎السجن‎ ‎دون‎ ‎أي‎ ‎مرض‎ ‎والصحة‎ ‎‎ممتازة‎ ‎وبشهادات جامعية ØŒ‎ ‎وأريد‎ ‎أن‎ ‎اشكر‎ ‎أسرة‎ ‎صحيفة "‎القدس"‎‏ التي‎ ‎شكلت‎ ‎صوت‎ ‎وضمير‎ ‎الأسرى‎ ‎ومنحتنا مساحات‎ ‎واسعة‎ ‎لإيصال‎ ‎رسالتنا‎ ‎والتعامل‎ ‎معنا ليس‎ ‎كأرقام‎ ‎وإنما‎ ‎تاريخ‎ ‎من‎ ‎المشاعر‎ ‎النبيلة،‎ ‎لكل ‏أسير‎ ‎منا‎ ‎قصته‎ ‎واسمه‎ ‎ولكل‎ ‎شخص‎ ‎منا‎ ‎مشاعر وقلب‎ ‎يغضب‎ ‎ويفرح‎ ‎يتألم‎ ‎أو‎ ‎يبتسم‎ ‎يكبر‎ ‎ويزداد جيلا‎ ‎‎وحتى‎ ‎يموت‎ ‎خلف‎ ‎القضبان.‎

س:‎متى‎ ‎بلغت‎ ‎رسميا‎ ‎أن‎ ‎اسمك‎ ‎في‎ ‎الصفقة وماذا‎ ‎كان‎ ‎شعورك‎‎ØŸ
وقت‎ ‎الصفقة‎ ‎‎كنت‎ ‎في‎ ‎سجن‎ ‎جلبوع‎ ‎قسم ‏4‏‎ ‎غرفة‎ ‎‏10‏‎ ‎وكنا‎ ‎في‎ ‎إضراب‎ ‎مفتوح‎ ‎عن‎ ‎الطعام في‎ ‎اليوم‎ ‎الثالث،‎ ‎وقد‎ ‎سمعنا‎ ‎أخبار‎ ‎‎الصفقة من‎ ‎المحطات‎ ‎المحلية‎‎ØŒ وبدأنا‎ ‎نتابع‎ ‎والسجن‎ ‎على هوته‎ ‎وبدأت‎ ‎تظهر‎ ‎الأسماء‎ ‎من‎ ‎الراديو‎ ‎وكأننا‎ ‎يوم ‏القيامة‎ ‎وكل‎ ‎شخص‎ ‎يأخذ‎ ‎كتابه‎ ‎وقد‎ ‎سمعت‎ ‎اسمي من‎ ‎الراديو‎ ‎وفورا‎ ‎سجدت‎ ‎لله‎ ‎شكرا،‎ ‎ثم‎ ‎قرأت‎ ‎سورة ياسين،‎ ‎‎وجلست‎ ‎على‎ ‎سريري‎ ‎وبدأت‎ ‎أفكر‎ ‎هل‎ ‎هذه حقيقة‎ ‎سيكون‎ ‎فرج‎ ‎وحرية‎ ‎أو‎ ‎نحن‎ ‎نحلم؟، أخبار الصفقة‎ ‎قلبت‎ ‎كل‎ ‎‎كياني‎ ‎حتى‎ ‎نسيت‎ ‎أسماء‎ ‎الأشياء بالغرفة‎ ‎ولم‎ ‎اظهر‎ ‎فرحتي‎ ‎كاملا‎ ‎لوجود‎ ‎أسير‎ ‎آخر قديم‎ ‎بسام‎ ‎أبو‎ ‎سنينة‎ ‎ولم‎ ‎يأتي‎ ‎‎اسمه‎ ‎إلا‎ ‎ليلا وعندما‎ ‎سمعت‎ ‎اسمه‎ ‎في‎ ‎الراديو‎ ‎مبعد‎ ‎الى‎ ‎غزة أخبرته‎ ‎فورا،‎ ‎عمت‎ ‎الفرحة‎ ‎الكبيرة‎ ‎والحمد‎ ‎الله.

(المصدر:صحيفة القدس الفلسطينية)‎