الأسيران كفاح طافش وعصام أبو السباع سنوات من الكفاح والنضال من أجل الوطن والقضية

 Ø¨ÙŠÙ† ذكرى إنطلاقة الانتفاضة الثانية وخطاب الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة وإعلان توقيع اتفاق صفقة التبادل، تبقى قضية الأسرى الحاضر الأقوى في الوجدان الفلسطيني والذاكرة التي تؤرخ لتاريخ لم ينته وما زالت صفحاته مفتوحه لتروي صور البطولة لرجال أسماهم غسان كنفاني "رجال تحت الشمس" ولم يتوقفوا حتى اليوم عن قرع الجدران لتصل سفنهم المهاجرة نحو مرافىء أحلام لن تموت حتى لو صارعوا أسماك القرش بامعائهم الخاوية.

الأمهات المناضلات
لكن محطات النضال لا تقتصر على الأسرى بل لأمهاتهم صور من التضحية والبطولة ما تعجز عن وصفه كلمات، المواطنه أم كفاح والدة الأسير"كفاح نصر الدين طافش" قضت 22 عاماً من عمرها على بوابات السجون التي لم يسلم منها أحد من أسرتها خلال انتفاضة الأقصى فولدها لؤي كفاح الذي ما زال يواصل نضاله في مدرسة الحكيم وابو علي مصطفى، بينما تشاركه والدته بطريقتها دعمه ومؤازرته في معركة الامعاء الخاوية، فهي وكريمتها رندة لا تبرحان خيمة الاعتصام ويشاركن الجميع دعوات وأمنيات الحرية للأسرى والنصر في معركتهم.
ومن خبرتها وتجربتها النضالية، تقاوم أم كفاح الدموع وهي تقبض بصور كفاح الذي تعتز به، وتقول: "إنه مناضل حقيقي لا يزال صابرا ومناضلا ويخوض مع رفاقه معركة الأمعاء الخاوية.
وتضيف: "لكني قلقه جدا عليه فهو ممنوع من الزيارات ومنذ الإضراب انقطعت أخباره ولم نعلم عنه أي شيء، ورغم كل ذلك أصلي ليل نهار أن يمكنهم الله ويثبتهم ويمدهم بالصبر والقوة لتحقيق مطالبهم، فهم أصحاب قضية عادلة ولن نقبل أن تنال الادارة من كرامتهم، ونحن معهم بالإضراب".
أم كفاح التي شاركت أمس بالإضراب عن الطعام قالت: "إذا لم تنته المعركة سنكون معهم في إضراب واحد فأرواحنا قبل أرواحهم ولكن المؤلم غياب مؤسسات حقوق الإنسان، وإننا نطالب المجتمع الدولي أن يترجم شعاراته ويهتم بما يواجهه أسرانا من موت بطيء في السجون لدفاعهم عن كرامتهم وحريتهم فقط ولأنهم يريدون الحياة ككل البشر".

حياة الحرية
 ÙˆÙ„عشقه للحرية، ورغم اعتقاله انضم كفاح (28 عاماً) لقائمة المبدعين وأبطال أدب السجون فقد تعلم في جامعة غسان كنفاني التي التحق فيها صغيرا على مقاعد الدراسة عندما انتمى للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فوهب حياته للنضال في صفوفها وكرس قلمه لايصال الرسالة والهدف، تتذكره والدته لتتحدث بشموخ إن "كفاح الرابع في أسرتنا المكونة من 6 أنفار، ومنذ صغره آمن بأفكار الجبهة الشعبية، وعلى مقاعد الدراسة في مدرسته والجامعة العربية الامريكية كان حريصا على دراسته ومواصلة طريق النضال، فلسطين في قلبه والحزب روحه وحياته، ومنذ صغره تميز عن اقرانه بوعيه وروحه الوطنية وحبه للعلم، وبعد نجاحه في الثانوية في الفرع العلمي تحدينا كل الظروف ليواصل دراسته، وتضيف: "كان حنونا ومخلصا ووفيا دوماً كان يحلم بلحظة تخرجه ليساندي ويساعدني في حياتنا الصعبة"ØŒ إن كفاح كان ناشطا بفضل ذكائه في المؤسسات الشبابية في جنين وحصل على شهادات تفوق في مدرسته من مركز شارك ومركز فتيان جنين، وتميز بطيبته وعلاقته الاجتماعية التي جعلت الجميع يحبه لأنه كان يحرص على تلمس هموم الجميع ومساعدتهم وحل مشاكلهم".

طريق الجبهة
مع إندلاع انتفاضة الأقصى، لبى كفاح النداء ولكنه لم يكن يجيد سوى لغة مقاومة الاحتلال والصمت حتى لم يلحظ عليه أحد أي نشاط بما فيهم والدته، وتقول: "كان يعمل بشكل سري وهكذا هم الأبطال لأن هدفهم الوطن والقضية ورسالة العطاء وليس التباهي أمام الكاميرات والإعلام، وكانت صدمتي كبيرة عندما حاصرت قوات الاحتلال منزلنا واعتقلته فجر 17/5/2006 وهو لايزال على مقاعد الدراسة في الجامعة الامريكية، وتعرض لكل صنوف التعذيب لعدة أشهر بين الجلمة والمسكوبية ولكنه وصمد وتحدى الاحتلال الذي انتقم منه بالحكم عليه بالسجن 8 سنوات لانتمائه للجبهة الشعبية".
وتضيف: "واعتقلته قوات الاحتلال في نفس الفترة شقيقه لؤي الذي حكم بالسجن 3 سنوات بنفس التهم وخلال فترة اعتقاله لم يسمح لهما باجتماع الشمل سوى لعدة شهور، لكن كفاح تعرض للعزل والتنقل وما زال ممنوعا من زيارة شقيقه منذ الإفراج عنه بذريعة المنع الامني.

مبدع في السجن
وحرص كفاح على استغلال فترة السجن للدراسة والكتابة، وتقول والدته: "يمتلك ابني روح إلهام وإبداع وأحاسيس مرهفه تجاه شعبه وقضيته وروحا وطنية ونظرة وتجربة وفكرة خلاقة لذلك يقضي الوقت في كتابة القصص والمقالات التي تنشر في  ØµØ­ÙŠÙØ© القدس وقد فاز في المرتبة الثالثة في القصة القصيرة في الدراسات الفلسطينية والمرتبة الثانية في مسابقة أسرى الحرية في قصة" أما بعد" وله عدة قصص منها العصفور وأصالة" Ùˆ"رشقا من الرصاص" واقوم بالعمل لجمعها في كتاب واحد وآمل أن أوفق في انجاز ذلك.

عزل واضراب
ورغم معنوياتها العالية تتحدث بألم عن وضع ابنها في ظل الإضراب، وتقول: "كفاح حاليا في عزل سجن "اوهليكدار" في بئر السبع، يواصل الإضراب المفتوح عن الطعام مع كافة الأسرى، قلوبنا معه تدعوا له ولكل الأسرى بالنصر والانتصار، فمنذ اعتقل لؤي وكفاح لم نر طعما للفرح إن كان في الاعياد أو في رمضان أو حتى المناسبات، رغم إنه يحرص على التواصل معي في الأعياد برسائله الجميلة وفي عيد الام أرسل لي رسالة بعنوان"الى امي" نشرت في صحيفة "القدس" وكانت أجمل هدية منحتني القوة والصبر والامل".

خنساء فلسطين
وفي رواية أخرى تشكل عنوانا آخر من المعاناة فالحاجة لطيفة أبو السباع من مخيم جنين تجسد نموذجا لخنساء فلسطين التي استشهد زوجها ونجلها واعتقل كل ابنائها ومازالت تواصل مسيرة الصمود والنضال مع أسيرها عصام محمد مسعود أبو السباع أبرز قادة كتائب شهداء الأقصى وكلها أمل أن يتحقق حلمها بتحرره وعودته لمنزله وعائلته التي بدد الاحتلال أفراحها وحولها لأحزان باستهداف أولادها واحدا تلو الاخر، فبينما كانت لا تزال تبكي الابن استشهد الأب، أما غياب عصام فيثر الحزن والدموع التي لا تتوقف لديها.
وفي منزلها الذي أعيد بناؤه بعدما دمره الاحتلال في مجزرة مخيم جنين، لا تتوقف عن الدعاء لعصام، وعندما يبدأ الحديث عنه تخنق الدموع كلماتها فتعجز ولا تجد سوى الصلاة والدعاء.
ويقول نجلها فاروق: "رغم أنها قضت عمرها على بوابات السجون، وصمدت وتفانت من أجل أبنائها فإن أمي تعيش أياما عصيبة وحزينه بعدما فقدت احبتها وأحبتنا، وهي تقاوم الأمراض لانها تعيش على امل واحد هو تحرر عصام الذي امضى في سجون الاحتلال سنوات، وحياتها تقضيها بين القبور وعلى بوابات السجون ومنذ إعلان الأسرى الإضراب أصبحت اكثر خوفا وقلقا.

عائلة مناضلة
عائلة ابو السباع التي لجأت لمخيم جنين بعد النكبة، تعتبر من العائلات المناضلة التي قدمت الشهداء والجرحى والأسرى على مذبح الحرية، والمحرر فاروق كان له نصيب من الاعتقال ومحطات النضال في مدرسة الشهيد زياد العامر القائد المؤسس لفتح، ومن خيمة الاعتصام حيث يشارك يوميا أهالي الأسرى ونادي الأسير ولجنة الأسير الفعاليات المؤازرة للأسرى يقلب صفحات من حياة شقيقه الأسير عصام (30 عاماً). ويقول: "إنه الأخ العاشر في عائلتنا المكونه من 13 فردا، على مقاعد الدراسة التابعة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين تعلم دروس النضال وأتقن فنون التضحية في سبيل وطن علمنا والدنا أن نعيش مناضلين في سبيل حريته وحتى لا نعيش أبد الدهر لاجئين، لذلك كان تفكير عصام في صغره يختلف عن الآخرين، فمع دراسته لم يتردد عن تأدية واجبه الوطني والنضال".
ويضيف فاروق: "ما ميزه عمله بصمت، وعندما كان في سن 12 عاما شكل مجموعة من أشبال حركة فتح في الانتفاضة الأولى، كان بطلا معطاء دوما وفي مقدمه الصفوف يحرض على مقاومة الاحتلال، ولم يتأخر عن مسيرة أو مهرجان أو اعتصام وطني أو لأجل الأسرى.

استشهاد القائد Ø£Ø¨Ùˆ عرب
في تلك المرحلة يتذكر فاروق، أن الاحتلال بدأ بملاحقة شقيقه يوسف ابو السباع  Ø§Ù„ملقب "بأبو عرب" مؤسس مجموعات النسر الأحمر التابعة للجبهة الشعبية في الضفة الغربية، ويقول: "صغيرا بدأ مسيرته النضالية وانخرط في الجبهة ومع اندلاع الانتفاضة استهدفته قوات الاحتلال وحرمتنا منه، كان فدائيا بطلاً من الطراز النادر يعشق الشهادة ورفض الاحتلال".
ويضيف: "في25/6/1992، حاصرت قوات الاحتلال يوسف واثنين من زملاءه في النسر الأحمر مصطفى جوابرة وعلي سوالمة من منطقة عصيرة الشمالية قضاء نابلس، وذلك في بلدة عرابة، ورفضوا الاستسلام وخاضوا معركة طويلة انتهت باستشهادهم".

الانتفاضة الثانية
شكل رحيل يوسف صدمه لوالدته وعائلته ولكنها صبرت واعتزت بنضالاته، وتابع اشقاؤه السير على خطاه الوطنية، ويقول فاروق: "مع اندلاع الانتفاضة الثانية شارك عصام في المقاومة، والتحق سرا بكتائب شهداء الأقصى ولم يتردد في المشاركة في المواجهات المسلحة مع الاحتلال وخلال معركة مخيم جنين شارك عصام في مقاومة الاحتلال والدفاع عن أرض المخيم ليعتقل هو Ùˆ29 من زملائه المقاتلين وفي آخر يوم من المعركة في  11/4/2002ØŒ تم اعتقالهم وانسحبت قوات الاحتلال من المخيم وهي كانت المجموعة الأخيرة التي نجت من الموت وقاتلت حتى الرصاصة الاخيرة في المعركة".
لكن في تلك المجزرة ودعت عائلة أبو السباع عميدها الفدائي الأول الحاج محمد الذي كان سر بطولة أبنائه، ويقول فاروق: "أبي كان دوما يحفز اخوتي على مقاومة ورفض الاحتلال وهو من زرع فيهم روح الثورة وحب الوطن والاصرار على حق العودة، وخلال مجرزة المخيم لم يراعوا كبر سنه، فاطلقت قناصة جيش الاحتلال النار عليه أمام منزلنا واغتالته في اليوم الثالث من مجزرة المخيم عن عمر يناهز 73 عاما وكانت صدمتنا كبيرة لأن جثمانه دفن تحت أنقاض المخيم وعثرنا عليه أشلاء مبعثرة ".

التحقيق والحكم
بين صدمة اعتقاله وفرحة نجاته من المجزرة واستشهاد الوالد، عاشت عائلة أبو السباع الخوف والقلق على مصير عصام الذي انقطعت اخباره لمدة 4 شهور، ويقول فاروق: "انقطعت أخباره ولم نعرف في أي سجن حيث تعرض للتعذيب القاسي، وتنقل من عزل لآخر حتى حوكم بالسجن 19 عاما بتهمة العضوية في قيادة كتائب الاقصى والمشاركة في معركة مخيم جنين ومقاومة الاحتلال الذي استمر في استهدافه بالعزل والنقل من سجن لآخر إضافة لحرمانه من أبسط حقوقه الزيارة.

معاناة الزيارات
شقيقه فاروق لم ير عصام منذ 11 عاما، علما أنه هو الآخر اعتقل بعد شهرين من اعتقال شقيقه وأمضى عام وافرج عنه. ويقول: "لم يبق جهة إلا وقدمت لها شكوى أو طلب ولكنهم رفضوا وما زالت أمنيتي أن أزوره، وكذلك أخي شادي فلم يتمكن أحد من زيارته منذ 4 سنوات وهو كان معتقلا مع عصام وحكم بالسجن لمدة 5 سنوات والتقوا مع بعضهم لفترات قصيرة، كما واعتقل شقيقي سميح، وخلال الانتفاضة استشهد ابن عمي القائد نزيه ابو السباع في عملية اغتيال، كما استشهد ابن عمي القائد أكرم ابو السباع، بينما أمي دفعت الثمن مضاعفا من شدة الحزن والبكاء فهي تعاني من الضغط والسكري والمفاصل.

تحدي بالتعليم
الحكم والسجن لم يؤثرا على عصام، وواصل نضاله مع الأسرى. ويقول فاروق: "نقل مؤخرا لسجن مجدو وبموازاة نشاطه التنظيمي والنضالي أكمل دراسة الثانوية العامة وحصل عليها بنجاح وانتسب للجامعة العبرية تخصص علوم سياسية ولكنه الآن موقوف عن التعليم بسبب حرمانهم من اكمال دراستهم، فالاوضاع في السجون قاسية لذلك نحن معهم في إضرابهم ومعركتهم وصمودهم. ونتمنى من الرئيس محمود عباس التمسك بموقفه، فلا مفاوضات قبل تبييض السجون من كل الأسرى ليتحقق حلمنا وحلم أمي التي تنتظر لحظة بلحظة عناق نجلها وتحرره، فهي قدمت الزوج والإبن شهداء وتتمنى أن تعيش مع باقي أبنائها بحرية دون قيود أو سجون.

(المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 14/10/2011)