عائلة صدوق تراجيديا فلسطينية بين النكبة والشهادة والاعتقال

بينما‎ ‎كان الأسير‎ ‎المحرر‎ ‎علاء‎ ‎عبد‎ ‎الكريم‎ ‎صدوق يستعد‎ ‎لإتمام‎ ‎حفل‎ ‎‎زفافه‎ ‎المقرر‎ ‎اليوم الجمعة‎ ‎غارت‎ ‎قوة‎ ‎عسكرية‎ ‎صهيونية إلى‎ ‎منزل‎ ‎عائلته‎ ‎الكائن‎ ‎في‎ ‎شارع‎ ‎الصف ‏بمدينة‎ ‎بيت‎ ‎لحم‎ ‎فجر‎ ‎الأربعاء‎ ‎أي‎ ‎قبل يومين‎ ‎من‎ ‎موعد‎ ‎الزفاف‎ ‎واعتقلت‎ ‎شقيقيه رضا‎ ‎ومنتصر‎ ‎ونقلتهما‎ ‎الى‎ ‎‎جهة‎ ‎غير‎ ‎معلومة، إذ‎ ‎لم‎ ‎تشفع‎ ‎كافة‎ ‎النداءات‎ ‎والمطالبات‎ ‎من قبل‎ ‎الشقيقين‎ ‎والوالدة‎ ‎لضباط‎ ‎الجيش الصهيوني‎ ‎‎الذين‎ ‎نفذوا‎ ‎مهمة‎ ‎الاعتقال بالتريث‎ ‎لغاية‎ ‎إتمام‎ ‎زفاف‎ ‎الشقيق‎ ‎علاء والذي‎ ‎كان‎ ‎قد‎ ‎أمضي‎ ‎تسع‎ ‎‎سنوات‎ ‎في سجون‎ ‎الاحتلال‎ ‎وأفرج‎ ‎عنه‎ ‎قبل‎ ‎نحو‎ ‎العام وسيقومون‎ ‎بتسليم‎ ‎نفسيهما‎ ‎بعد‎ ‎المشاركة‎ ‎في الزفاف‎ ‎‎التي‎ ‎كانت‎ ‎تنتظره‎ ‎العائلة‎ ‎على‎ ‎أحر من‎ ‎الجمر‎ ‎لا‎ ‎سيما‎ ‎وان‎ ‎أفراح‎ ‎العائلة‎ ‎قليلة جدا‎ ‎وتكاد‎ ‎تكون‎ ‎معدومة‎ ‎من‎ ‎‎جراء‎ ‎استهداف العائلة‎ ‎من‎ ‎قبل‎ ‎قوات‎ ‎الاحتلال‎‎ØŒ فباعتقال‎ ‎الشقيقين‎ ‎رضا‎ ‎ومنتصر‎ ‎يرتفع عدد‎ ‎الأشقاء‎ ‎المعتقلين‎ ‎الى‎ ‎ثلاثة‎ ‎حيث يقضي‎ ‎الشقيق‎ ‎الثالث‎ ‎عز‎ ‎الدينفترة محكوميته‎ ‎البالغة‎ ‎خمس‎ ‎سنوات.‎
‏العريس‎ ‎علاء‎ ‎احتفل‎ ‎لوحده‎ ‎مع‎ ‎والدته بزفافه‎ ‎بينما‎ ‎كان‎ ‎والده‎ ‎وهو‎ ‎أسير‎ ‎محرر‎ ‎قد توفي‎ ‎قبل‎ ‎العامين،‎ ‎أما‎ ‎شقيقه‎ ‎‎الأكبر‎ ‎نضال فقد‎ ‎استشهد‎ ‎مع‎ ‎بداية‎ ‎انتفاضة‎ ‎الأقصى في‎ ‎العام‎ ‎‏2001‏‎‎ØŒ‎ ‎وها‎ ‎هو‎ ‎الزفاف‎ ‎يمر‎ ‎بصمت حسب‎ ‎ما‎ ‎‎قرره‎ ‎علاء‎ ‎حيث‎ ‎قال‎ ‎أنه‎ ‎كان‎ ‎بين نارين‎ ‎إما‎ ‎تأجيل‎ ‎الزفاف‎ ‎وهو‎ ‎خيار‎ ‎صعب ويقود‎ ‎الى‎ ‎المجهول‎ ‎خاصة‎ ‎أنه‎ ‎لا‎ ‎‎يعرف‎ ‎احد كم‎ ‎ستدوم‎ ‎فترة‎ ‎الاعتقال‎ ‎أو‎ ‎الانتظار‎ ‎ولذلك كان‎ ‎لا‎ ‎بد‎ ‎من‎ ‎إجرائه‎ ‎وبصمت‎ ‎لان‎ ‎الحزن‎ ‎هو المخيم‎ ‎‎وليس‎ ‎الفرح،‎ ‎وما‎ ‎جرى‎ ‎في‎ ‎حفل‎ ‎زفافي انه‎ ‎تعبير‎ ‎مكثف‎ ‎عما‎ ‎تفعله‎ ‎قوات‎ ‎الاحتلال ‎‎بحق‎ ‎شعبنا‎ ‎إذ‎ ‎‎تترك‎ ‎بصماته‎ ‎في كل‎ ‎مكان‎ ‎وزاوية‎ ‎حيث‎ ‎حرمتنا‎ ‎من‎ ‎الفرحة بعد‎ ‎أن‎ ‎كنا‎ ‎نعد‎ ‎أنفسنا‎ ‎لهذا‎ ‎الفرح‎ ‎وهو‎ ‎الأول لنا‎ ‎منذ‎ ‎‎أكثر‎ ‎من‎ ‎‏15‏‎ ‎عاما.
وقال: " ‎كنت‎ ‎أود‎ ‎أن يكون‎ ‎يوم‎ ‎زفافي‎ ‎عرس‎ ‎فلسطيني‎ ‎يدخل البسمة‎ ‎لعائلة‎ ‎قدمت‎ ‎وضحت‎ ‎منذ‎ ‎‎سنوات طويلة‎ ‎ولكي‎ ‎أمحو‎ ‎قليلا‎ ‎من‎ ‎المآسي‎ ‎والمعاناة التي‎ ‎ألمت‎ ‎بوالدتي‎ ‎وعائلتي‎ ‎ولكن‎ ‎تفاجئت بأن‎ ‎الاحتلال‎ ‎‎يأبى‎ ‎أن‎ ‎تفرح‎ ‎هذه‎ ‎العائلة ليقوم‎ ‎باعتقال‎ ‎اخوي‎ ‎الأصغرين‎ ‎واللذان‎ ‎كانا يستعدان‎ ‎ليفرحان‎ ‎ويقدمان‎ ‎مساعدتهما‎ ‎لي ‏في‎ ‎التحضير‎ ‎لهذا‎ ‎الزفاف‎ ‎الذي‎ ‎تحول‎ ‎حقيقة الى‎ ‎لحظة‎ ‎من‎ ‎الأحزان‎ ‎التي‎ ‎لا‎ ‎تنتهي‎ ‎مع‎ ‎وجود استمرار‎ ‎هذا‎ ‎‎الاحتلال‎ ‎على‎ ‎أرضنا‎ ‎ووطننا".‎
من‎ ‎جانبه‎ ‎عبر‎ ‎محمد‎ ‎عبد‎ ‎ربه‎ ‎رئيس جمعية‎ ‎الأسرى‎ ‎المحررين‎ ‎في‎ ‎محافظة‎ ‎بيت ‏لحم‎ ‎وهو‎ ‎صديق‎ ‎للعريس‎ ‎الأسير‎ ‎المحرر علاء‎ ‎عن‎ ‎حزنه‎ ‎وغضبه‎ ‎من‎ ‎ج‎ ‎راء‎ ‎إصرار قوات‎ ‎الاحتلال‎ ‎من‎ ‎‎التنغيص‎ ‎على‎ ‎عائلة صدوق‎ ‎باعتقال‎ ‎نجليها،‎ ‎وقال‎ ‎إننا‎ ‎كنا‎ ‎ننتظر لذلك‎ ‎اليوم‎ ‎الذي‎ ‎يزف‎ ‎فيه‎ ‎علاء‎ ‎لتفرح‎ ‎أمه ‏وإخوته‎ ‎وأصدقائه‎ ‎وعموم‎ ‎العائلة‎ ‎والربع والجيران ولكن‎ ‎مع‎ ‎ذلك‎ ‎فان‎ ‎الاحتلال‎ ‎لن يمنع‎ ‎الحياة‎ ‎من‎ ‎أن‎ ‎تستمر‎ ‎‎فبمجرد‎ ‎إجراء العرس‎ ‎واستكماله‎ ‎حتى‎ ‎لو كان‎ ‎صامتا‎ ‎هو بحد‎ ‎ذاته‎ ‎رسالة‎ ‎كبيرة‎ ‎للاحتلال‎ ‎إن‎ ‎حياتنا سوف‎ ‎تستمر‎ ‎‎وان‎ ‎شعبنا‎ ‎سوف‎ ‎يواصل‎ ‎صموده على‎ ‎هذه‎ ‎الأرض‎ ‎ويقاوم‎ ‎الاحتلال‎ ‎وجبروته بالصبر‎ ‎والصمود‎ ‎والثقة‎ ‎على‎ ‎‎‎أن‎ ‎في نهاية‎ ‎المطاف‎ ‎لا‎ ‎يصح‎ ‎إلا‎ ‎الصحيح.‎
وزير‎ ‎الأسرى‎ ‎والمحررين‎ ‎عيسى‎ ‎قراقع الذي‎ ‎اعتاد‎ ‎أن‎ ‎‎يزور‎ ‎منزل‎ ‎العائلة‎ ‎على‎ ‎مدى السنوات‎ ‎الماضية‎ ‎وخاصة‎ ‎حينما‎ ‎كان‎ ‎الوالد أبو‎ ‎نضال‎ ‎يعاني‎ ‎من‎ ‎مرض‎ ‎السرطان‎ ‎‎وتوفي على‎ ‎إثرها‎ ‎وهو‎ ‎لم‎ ‎يتجاوز‎ ‎ال‎ ‎‏55‏‎ ‎عاما‎ ‎قال: ‏"‎إن‎ ‎عائلة‎ ‎أبو‎ ‎نضال‎ ‎تمثل‎ ‎التراجيديا الفلسطينية‎ ‎بكل‎ ‎‎معانيها‎ ‎فهي‎ ‎عائلة‎ ‎لاجئة نزحت‎ ‎من‎ ‎قرية‎ ‎ديربان‎ ‎عام‎ ‎‏1948‏‎ ‎بعد النكبة‎ ‎وتشردت‎ ‎في‎ ‎المخيمات‎ ‎إلا‎ ‎أن‎ ‎‎استقر وضعها‎ ‎في‎ ‎مدينة‎ ‎بيت‎ ‎لحم‎ ‎لتسكن‎ ‎في منزل‎ ‎بالأجرة،‎ ‎وعمل‎ ‎الوالد‎ ‎بائعا‎ ‎متجولا ليرعى‎ ‎أولاده‎ ‎الذين‎ ‎‎فقدهم‎ ‎ما‎ ‎بين‎ ‎الاستشهاد والسجن،‎ ‎إذ‎ ‎تعرضت‎ ‎العائلة‎ ‎لمداهمات‎ ‎قوات الاحتلال‎ ‎عدة‎ ‎مرات‎ ‎واعتقل‎ ‎أبو‎ ‎نضال‎ ‎بعد ‏استشهاد‎ ‎ولده‎ ‎نضال‎ ‎في‎ ‎سجن‎ ‎عصيون‎ ‎عدة مرات‎ ‎وظل‎ ‎بيته‎ ‎عرضة‎ ‎بين‎ ‎الفترة‎ ‎والأخرى لاقتحام‎ ‎قوات‎ ‎‎الاحتلال،‎ ‎ومنع‎ ‎من‎ ‎زيارة‎ ‎أولاده في‎ ‎السجن‎ ‎رغم‎ ‎تدخلات‎ ‎الصليب‎ ‎الأحمر الدولي‎ ‎الذي‎ ‎لم‎ ‎يستطع‎ ‎حتى‎ ‎أن‎ ‎‎يحصل له‎ ‎على‎ ‎زيارة‎ ‎خاصة‎ ‎بعد‎ ‎إصابته‎ ‎بمرض السرطان،‎ ‎وظل‎ ‎يخشى‎ ‎أن‎ ‎يودع الدنيا‎ ‎دون‎ ‎أن‎ ‎يرى‎ ‎ولديه‎ ‎‎الأسيرين‎ ‎ورحل بمعنويات‎ ‎عالية‎ ‎دون‎ ‎ذلك،‎ ‎كما‎ ‎ظل‎ ‎يقول‎ ‎إن أولادي‎ ‎هم‎ ‎أولاد‎ ‎الوطن،‎ ‎وهم‎ ‎أمانة‎ ‎في‎ ‎عنق كل‎ ‎‎الشرفاء‎ ‎والأحرار‎ ‎والمسؤولين واختتم‎ ‎قراقع‎ ‎حديثه‎ ‎بالقول‎ ‎إن‎ ‎هذه العائلة‎ ‎من‎ ‎بين‎ ‎آلاف‎ ‎العائلات‎ ‎الفلسطينية التي‎ ‎‎عانت‎ ‎وضحت‎ ‎ودفعت‎ ‎الثمن‎ ‎غاليا‎ ‎من أجل‎ ‎عدالة‎ ‎وحرية‎ ‎القضية‎ ‎الفلسطينية،‎ ‎ولا بد‎ ‎من‎ ‎الاهتمام‎ ‎أكثر‎ ‎بعائلات‎ ‎‎الأسرى‎ ‎والشهداء على‎ ‎الصعيدين‎ ‎المعنوي‎ ‎والاجتماعي، فهم‎ ‎مفخرة‎ ‎نعتز‎ ‎بهم‎ ‎وعلينا‎ ‎أن‎ ‎لا‎ ‎نتركهم ‏لوحدهم،‎ ‎أوجاعهم‎ ‎هي‎ ‎أوجاعنا،‎ ‎وهمومهم هي‎ ‎همومنا،‎ ‎وعلينا‎ ‎أن‎ ‎نبذل‎ ‎كل‎ ‎الجهد لتوفير‎ ‎العيش‎ ‎الكريم‎ ‎لهم .‎

(المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 30/10/2011)