المعزولون سيشاركون رفاق الأسر في نسج السعادة والحياة خلف الأسوار

صحيح أنها جدران تكتم أوجاعا وتخبئ حكايات من المعاناة والظروف الأليمة، لكن من يمكث خلفها خلية نحل يسودها النظام وتزينها الإخوة وذلك الحب الكبير، تجد في كل غرفة مجموعة أجساد تجمعها روح واحدة فهم من نسجوا من الآلام حياة جميلة. أما هؤلاء أبطال العزل، تلك الأجساد التي أرهقها سواد العزل ورمته ظلمته ومرارته، وذاقت أشد ويلات العذاب وانعدمت بحقه الرحمة، فكان حالهم لا حول له ولا قوة، لكن اليوم وبعد انتصار معركتهم الشريفة تخلصوا من هذا، فانقلبت حياتهم بعد معاناة كفيف السنين لينعموا ولأول مرة بطعم الجماعة، وليشاركوا زملاءهم في نسج الحياة الجميلة التي عرفناها عنهم. وعقب معركة العهد والوفاء التي توجت بتوقيع الاتفاق الذي قضى بفك عزلة وحصار المعزولين يسلط مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان الضوء على أبطال العزل وحكاياتهم الأشبه بالفيلم السينمائي.

البرغوثي... لأول مرة خارج العزل
الأسير عبد الله البرغوثي صاحب أكبر الأحكام في تاريخ الكيان الصهيوني "67 مؤبد إضافة لمئات السنين"، وصاحب شخصية قيادية مميزة وبعد معركة أمعاء خاوية وإضراب مستمر تجاوز 32 يوما، سيتحقق حلمه الذي خاض لأجله معركة الأمعاء الخاوية وسيخرج من العزل الانفرادي الى فضاء السجن حيث تنتظره زوجته وطفلاه اللذان حرموا مع عائلته من زيارته منذ اعتقاله، وسيجلس بين جدران غرفته ينتظر موعد الفرج وساعة الإفراج التي لا يعلمها إلا الله. وقالت زوجته أم أسامة لمركز أحرار: "فرحتي بخروج زوجي من العزل كبيرة لا يعلم بها إلا الله، فكم كنت قلقة على زوجي خاصة أثناء إضرابه، وأولادي فرحتهم كبيرة أيضاً أنهم سيرون والدهم وسيسمح لهم بزيارته بعد طول انتظار ومعاناة انها فرحة كبيرة بالانتصار".

حامد سيصافح أسيرا لأول مرة
لم يختلف حال الأسير إبراهيم حامد الذي تنقل بين كل زنازين العزل وحرم من لقاء زملاء الأسر بعدما حاصره العزل والجنود والعساكر، ويعيش في زنزانة انفرادية من اليوم الأول لاعتقاله لكنه اليوم وبعد انتصار الإرادة سيلتقي بزملاء الأسر بل وسيعيش معهم، فهو سعيد جداً بالأيام الآتية التي تغمرها الإخوة والاستئناس والتصافح. وقالت زوجته: "إبراهيم الذي خضع لتحقيق قاس ولأشهر طويلة، هو صاحب الملف الأكبر ولم يحكم حتى الآن ويتوقع أن يكون صاحب أكبر حكم في تاريخ الاحتلال، الآن يجهز نفسه للخروج من قبره الذي أراد المحتل له أن يبقى فيه ما بقي على قيد الحياة، فاليوم يخرج بعد إضرابه عن الطعام هو ورفاقه في العزل والاسر". الزوجة التي كانت تقود الاعتصامات والمسيرات وتتحدث إلى الإعلام وتنقل للعالم معاناة زوجها ورفاق القيد وهي التي جربت الأسر والعزل اليوم قالت: "فرحتي كبيرة أنا وأولادي وكل الشعب، الجميع يتصل بنا ويهنأ بهذا النصر والانتصار والخروج من العزل الانفرادي ونحن ننتظر اللحظة التي تبشرنا بالحرية".

السيد يهزم السجان
عباس السيد والذي لم يعش حياة الاستقرار لا خارج السجن ولا داخله، فكل شهر هناك يواجه تنكيلا واعتداء عليه، وفي ذكرى عمليته من هذا العام 2012 تعرض لضرب مبرح وهو في زنزانة انفرادية وقبل ذلك بعام خاض إضرابا عن الطعام لمدة 23 يوما احتجاجا على ظروف اعتقاله سيخرج من عزله الانفرادي، وبعد معركة انتصر فيها الكف على المخرز. الاحتفال بخروج عباس كان ليس كالعادة فجموع كبيرة وغفيرة من الناس أمت منزل عباس في طولكرم واحتفلت أمام منزله يوم الإعلان عن خضوع مصلحة السجون لمطالب الأسرى ووزعت الحلويات أمام منزله وهتف الجميع باسمه. أم عبد الله التي لم تفارق خيام الاعتصام والتي لم تكل من رفع صورة زوجها عباس، ولم يبح صوتها من الهتاف لحريته وخروجه من عزله، قالت: "لن يضيع حق وخلفه مطالب وننتظر خروجه من السجن بعد خروجه من العزل إنه وعد الله للمؤمنين الذين صمدوا وخاضوا المعركة وسيكرمهم الله بالحرية".

أبو الهيجاء... عزل مستمر
منذ عشر سنوات متواصلة، يعيش الشيخ جمال أبو الهيجاء في زنزانة انفرادية ممنوعا ومحروما من رؤية أولاده باستثناء طفلته ساجدة التي منعت هذا العام من رؤية والدها لبلوغها سن الـ 16 الأمر الذي يمنع زيارتها. أبو عبد السلام كان وولداه الاثنان مضربين عن الطعام وكان على يقين أنه سينتصر فهو الذي لم يهزم يوما أمام سجانيه والفرحة الكبيرة تغمر قلوب أبنائه وزوجته وبناته حيث قلقهم على الوالد الخمسيني كبير وفرحتهم الآن بخروجه من العزل كبيرة.
الأسيرة المحررة أم عبد السلام تقول: "إن انتصار زوجي ورفاقه أعاد لي الروح، رغم كل القمع والعقوبات صبروا وانتصروا ونحن ننتظر الآن خروجهم من السجن سيعودون ونحقق الانتصار الكبير".

المغربي... قصة صمود
ويحمل الأسير أحمد المغربي حكاية ثماني أعوام من العزل الانفرادي حرم بها من كل شيء، فلم يكن يرى ولده الوحيد محمود، ولا زوجته التي أبت إلا أن تشارك في المسيرات فلم تتخلف عن اعتصام أو فعالية تخص الأسرى، مؤمنة بأن موعد الحرية آت لا محالة وهي الأم التي تروي لولدها حكايات والده مع الجهاد والأسر وعلمته حب الصبر واللسان الكثير الدعاء والذكر. وقالت زوجته: "منذ ستة أعوام لم يتمكن أحمد من أن يلتقي بشقيقه الأسير والمحكوم بالمؤبد لكنه اليوم وبعد معركة الأمعاء الخاوية التي ستضيء صفحات التاريخ مستقبلاً, سيخرج من العزل وسيعانق شقيقه بعد كل هذا الحرمان وسيرى ولده الصغير الذي بات يكبر بسرعة كبيرة، فهو طفله محمود المكنى على لقب شقيقه الشهيد".

سعدات... مواقف مشهود لها
أمين عام تنظيم كبير ونائب في المجلس التشريعي صاحب مواقف مشهود لها، فهو من أبى إلا أن يشارك زملاء الأسر بالإضراب رغم كبر سنه ومرضه، القائد احمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية كان منبعا للصبر والصمود بتصريحاته التي كان يصدرها للأسرى ويحثهم على الصبر والصمود ولوسائل الإعلام بضرورة الوقوف مع الأسرى وللسلطة والفصائل بوجوب دعم حقوق الأسر. ومن أجمل مواقفه البطولية التي تدل على الروح الواحدة في سجون الاحتلال، حينما قدمت له إدارة السجون خلاله إضرابه عرضاً بخروجه لوحده من العزل الانفرادي مقابل أن يفك رفاقه القيد، فأخبرهم: "إن فلسطين أكبر من جميع التنظيمات والفصائل وأن معركتهم ليست شخصية أو حزبية، بل هي معركة حقوق أسرى ينتمون لوطنهم". بشر سعدات في النصر بسلاح الأمعاء الخاوية وقاد المعركة التي شاركته فيها زوجته وأبناؤه فلم يغيبوا هم أيضاً عن ساحة الإرادة فما من مسيرات أو اعتصامات أو حملات مساندة أو مؤتمرات داعمة إلا وقد شاركوا بها, فكانوا صوتاً لكل معزول يطالب بفك القيد. وقالت زوجته أم غسان: "هو عرس النصر لفلسطين يمنحنا الأمل والعزيمة بان نصر تحرير الأسرى قريب وعدنا سعدات بالنصر ونحتفل اليوم بقطف ثماره لنعيش أمل الحرية القادم رغما عن الاحتلال".

أبو غلمي... المفاوض العنيد
عاهد أبو غلمي، أحد قيادات هذا الإضراب وعضو اللجنة المركزية لقيادة الإضراب المفاوض، الذي لم يساوم لحظة واحدة على حقوق الأسرى, والذي أقسم أن لا يفك إضرابا قبل أن تستجيب دولة الاحتلال لجميع مطالبه، ورغم تدهور وضعه الصحي واصل المعركة على عهد الوفاء الذي التزمت به زوجته وفاء التي كانت تعمل ليل نهار من أجل قضية الأسرى والمعتقلين، وكانت خيم الاعتصام شاهداً لها حينما كانت ترفع صورة زوجها الأسير، وكانت متيقنة أن الأسرى سينتصرون في هذه المعركة. تتحدث عن زوجها: "منذ بداية عزله إلى الآن لم نتمكن من زيارته، والزيارة الأخيرة كانت لي في شهر أيلول 2009 ، بينما كانت آخر زيارة لوالدته وأطفالي قيس (12 عاما) وريتا (سنوات) منذ شهر تشرين الثاني من العام الماضي، ومنذ ذلك التاريخ ونحن محرومين من التواصل معه إلا عبر المحامي الذي يزوره من فترة لأخرى".

عيسى... العميد العنيد
الأسير المقدسي محمود عيسى، عميد الأسرى المعزولين صاحب العقلية الفذة، ذلك الرجل التي تخشاه كل أجهزة المخابرات وتعتبر جلوسه مع الأسرى يسبب خطرا على أمن الاحتلال, محمود عيسى صاحب رواية صابر التي سترى النور قريباً، خرج من العزل فرحاً بحياته الجديدة التي ستكون برفقة زملاء الأسر رغم أن سقف السجن تغطي نور الحرية عنهم، لكنهم ينسجون النور بطريقتهم الخاصة. والدته التي كانت تتحدث عنه تشعر بالسعادة لخروجه من العزل, لكنها لا تزال تحلم بعناقه، تتمنى أن تعانقه ولو من وراء جدار, المهم أن تراه وتسمع صوته وتقول له "الله يرضى عليك يا أمي". ولم يكن الحال مختلفاً عن باقي أسرته فشقيقته لم تكن تصدق الخبر الذي وصلها بأن شقيقها سيخرج من العزل.

سلامه... الوجع والخجل
وجع وغصة وألم ينتاب كل من يرى صورة حسن سلامة يوم محاكمته وصورته, وأوجاع تتعب القلوب حينما تقرأ رسائله التي تهرب من عزله الذي يمكث به منذ عشرة أعوام, ليقرأها أبناء شعبه, اليوم كسا الشيب رأسه وبعد هذه الرحلة المؤلمة خرج حسن من السجن ليعانق زملاء الأسر وليرى الناس وليذوق طعم الجماعة بعد حرمان السنين. حسن الذي رفض المحتل إخراجه في صفقة وفاء الأحرار, وأصر على عزله, خرج اليوم من عزله مرفوع الرأس, وتجددت الفرحة في قلب والدته التي ملأت الدنيا زغاريد, وهي التي سبق أن قالت لن يترك رفاق حسن بالعزل ، وتضيف اليوم: "هذا الانتصار يؤكد أن لا غرفة التحقيق باقية ولا زرد السلاسل نعم تجرعنا كل صنوف الألم ولكن نوزع اليوم الحلوى ونشعر أن فجر الحرية قريب".

أبو سيسي... من أوكرانيا إلى العزل
المهندس الغزاوي ضرار ابو سيسي الذي اختطف من قلب أوكرانيا وتخطوا به البحار والبلاد, ليضعوه بالعزل فانقلبت حياته إلى ذلك الصندوق المظلم, لم ير به بشر بعد كانت الدنيا مفتوحة أمامه وله, وقد تعرض لتعذيب شديد على يد المحققين الصهاينة. ترك زوجته الأوكرانية وأبناءه الذين لم يروه من يوم اعتقاله ليس بإرادته, لتفرض عليه ظروف صحية صعبة تزداد سوءاً يوماً تلو الآخر, لكن صبره وإيمانه بعدالة قضيته هو الزاد الذي يتزود به ضرار، اليوم ضرار بجهوده وجهود إخوانه سيخرج من العزل الانفرادي وسيتمكن من رؤية أولاده ولو داخل سجنه فرؤية الأولاد تعيد الروح الى جسد الإنسان الأسير.

خالد... وداعا للعزل
الصحفي وليد خالد ذلك القلم المتميز صاحب الشخصية المحبوبة وسط الأسر, أسير الاعتقال الإداري الذي ما أن يخرج من السجن إلا ويعود إليه, وذلك القلم الذي ظل بصمة له في غيابه, وأرهقته جدران العزل المملة, خرج اليوم من العزل, ليعود إلى منبع الإخوة والمحبة بين زملاء الأسر. ومن سجنه أرسل يقول: "هذه المعركة ستغير كل القواعد وتكسر كل المعايير فلا تراجع مهما كان الثمن ولن نعيش معزولين للأبد". وأضاف: "كل يوم يمضي بجوعنا نشعر بقرب الانتصار وعندما وقع الاتفاق أدركنا أن الأبواب ستفتح قريبا وسنعود أحرارا لأننا ولدنا لنعيش أحرار".
هؤلاء هم كثر, وحكاياتهم أكثر من ذلك بكثير, أبطال عاشوا حياة وكأنها أفلام رعب, لكن الفرق بين الخيال والواقع أصعب بكثير, فانتصر الأسرى وانتصرت الإرادة وعمت الفرحة وعاد رفقاء الأسر تحت سقف السجن. فؤاد الخفش مدير مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان، قال: "ملحمة بطولية بكل ما تحمل الكلمة من معنى تلك التي خاضها الأسرى في سجون الاحتلال لإنهاء سياسة العزل الانفرادي وتكاتف وتضحية وفداء أبداه الأسرى المعزولون وغير المعزولين أدى إلى إنهاء مأساتهم". وأضاف: "أن دورا كبيرا كان لعائلات وزوجات هؤلاء المعزولين تمثل في خروجهن للشوارع ورفع صور أزواجهن والحديث لوسائل الإعلام عن معاناتهن والمطالبة الدائمة لإخراج أزواجهم وذويهم من العزل الانفرادي، فكان الله معهم وكرمهم بعد الصبر ليصبح يوم خروجهم بشرى بنصر وحرية قريبة".

 

(المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 18/5/2012)