مراد أبو الرب يزرع بقلمه وريشته الأمنيات ويبشر بفجر الحرية

 

تترجم رسوماته التي تعكس موهبته أحلامه في الحرية وواقع معاناة وصمود الحركة الأسيرة التي تضم في صفوفها مئات الأسرى الموهوبين بإبداعات تتعزز وتتطور سريعا خلف القضبان، فمحطات المعاناة في كل لحظة نفي في العلب الليلية وسط سطوة السجان وظلمة السجان كما يردد الأسير مراد محمد رضا أحمد أبو الرب، 29 عاما، من بلدة جلبون تشكل أكبر مصدر إلهام لأصحاب الموهبة والإحساس رغم كل معاني الحزن فتمتزج الموهبة بالألم لتكون صورة حية تحرر الأسير من قيده وتمنحه شحنات من الأمل ليصمد ويواصل المعركة لان نتائجها كما تعلم تجارب التاريخ والشعوب محكومة بمعادلة الانتصار على السجن والسجان لا محالة.
يقبض مراد على قلمه المتواضع وريشته التي يتقن تصنيعها من أغراض السجن لتشكل كما يقول ملاذه في لحظات المخاض والمواجهة المستمرة في معركة الأسر ومن سجن لآخر تتفوق رسوماته لتبشر الأسرى بفجر الحرية وتؤمن أن حلم الشهيد ياسر عرفات سيتحقق ويرفع زهرة أو شبل علم فلسطين فوق مآذن القدس وكنائسها.
رحلته خلف القضبان حددها السجان بالربع مؤبدات ولكنها بالنسبة له كما يقول محطة نضال أخرى على الطريق ففلسطين تستحق كل التضحية ورغم اغتصاب حريتنا والقسوة التي ترافق خطواتنا لم ولن نندم على كل ما قدمنا بل نشمخ دوما برسالتنا ومبادئنا وأهدافنا التي يقبض عليها الرئيس محمود عباس في الزمن الصعب ليؤكد لنا أن البداية تبدأ بحريتنا وأن السلام لا يمكن أن يصبح واقعا ما دام صناعه ومن ضحوا لأجله رهائن خلف القضبان.
في مرحلة مبكرة من عمره بدأ مشوار النضال، فقد ولد مراد في أسرة تمتد جذورها عميقا في النضال والتضحية ويقول: "أصبحت فلسطين حياتي خلال دراستي في المدرسة وأدركت حقيقة المؤامرة وجذور القضية من قصص وحكايات والدي حول نضال شعبنا وأجدادي وأسرتي وكل مناضل حر من شعبي وفي قريتي فكان حلمي مزيجا من الحب للتعليم لأخدم وطني وأفشل سياسة الاحتلال في التجهيل وطمس ثقافة وجذور وتاريخ شعبنا والنضال الذي مارسته بحب في مسيرات التضامن مع الأسرى أو يوم الأرض وغيرها من المناسبات التي صقلت روح الوعي والانتماء والاستعداد للنضال دوما والتضحية".
نجح مراد في الثانوية العامة والتحق بجامعة النجاح الوطنية تخصص ديكور وفنون ولكنه التحق بصفوف السلطة الوطنية وهو يدرس في الجامعة عندما اندلعت انتفاضة الأقصى، وبدأت مرحلة مطاردته. رفض مراد الذي التحق بكتائب شهداء الأقصى تسليم نفسه، ويقول: "استمر الاحتلال في استهدافي ودهم منزلنا وتدمير محتوياته واحتجاز أسرتي وتهديدها بتصفيتي وفرض عقوبات قاسية حتى أصبحت غير قادر على زيارة منزلي وقريتي". وعلى مدار خمس سنوات، تمكن مراد من تضليل أجهزة الأمن الصهيونية وهو يتنقل بين جنين ونابلس مصمما على تأدية واجبه الوطني رافضا التراجع عن مسيرته.
فجر يوم 31 - 8- 2006، كان اليوم الأخير لمراد في الحرية ويقول والده: "بعد مطاردة استمرت خمس سنوات اكتشفوا مخبأه في بلدة العيزرية حاصروه وتمكنوا من اعتقاله وتم نقله لزنازين التحقيق العسكري في سجن بيتح تكفا وعلى مدار 4 شهور استمر عزله وتعذيبه وحرمانه النوم والزيارات ورغم ذلك رفض الاعتراف بالمحكمة وشرعيتها وأكد أنه فخور بنضاله في سبيل شعبه وحرية وطنه".
استقر مراد في سجن جلبوع وأدى واجبه مع إخوانه الأسرى وشارك في معاركهم وتحدي الاحتلال وخلال احتجازه قرر مواصلة دراسته فالتحق بالجامعة العبرية تخصص علوم سياسية وبدأ الدراسة حتى صدر القرار التعسفي بمنع الأسرى من التعليم. ويفخر الوالد أبو الرب، بصمود وثبات نجله ويتذكر محطات معاناة عائلته بين السجون فقد اعتقل نجله عبد السلام عدة مرات خلال الانتفاضة الأولى، وفترات مختلفة منذ عام 1989 وحتى 1992 أمضاها في السجون بتهمة مقاومة الاحتلال والانتماء لحركة فتح، والابنة عبير كانت ناشطة ومناضلة تعرضت للإصابة بعيار ناري في بطنها في الانتفاضة الأولى واعتقلوها وقضت في سجن هشارون 3 سنوات حتى أفرج عنها في صفقة التبادل عام 1993.
وتشارك الوالدة رسمية زوجها دعوات وأمنيات الحرية لابنها، ورغم ظروف المعاناة القاسية في رحلة التنقل على بوابات السجون يصران على عدم التأخر في زيارة واحدة، وتقول: "في كل زيارة نذهب لرفع معنويات مراد فازا به أقوى منا ونحن الأحرار لا يتوقف عن الابتسامة وتزويدنا بالمعنويات التي تصبرنا أمام ألم غيابه واعتقاله".
وتضيف الوالدة أم العبد: "الحمد لله نحن صابرون ومعنوياتنا عالية ولكن لن تكتمل فرحتنا إلا بتحرر كل الأسرى وابني"ØŒ ويتابع رفيق دربها أبو العبد: "لدينا أمل كبير بالحرية للأسرى ونأمل أن يستمر الرئيس محمود عباس بالتمسك بموقفه ورفض أي اتفاق أو لقاء مع الكيان حتى تحرير أسرانا، أنهم بناة الدولة ومكانهم مع شعبهم وخلف قيادتهم ورئيسهم حتى نحتفل بالدولة بحريتهم فقبل ذلك لن يكون فرح في حياتنا". 

(المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 29/6/2012)