رحلة عذاب ومعاناة خلال مطاردة واعتقال زوجها الأسير عاهد أبو غلمي

 

حكاية وفاء حقيقية تجسدها في مسيرة صمودها وتحديها وصبرها خلال مرحلة ملاحقة زوجها وعقب اعتقاله وعزله وحرمانها من رؤيته وزيارته وحتى السفر للخارج، فالمناضلة وفاء أبو غلمي التي كانت على عهد الوفاء لتحتضن طفليها عاهد وريتا وتكرس حياتها لهم و لمؤازرة وإثارة قضية الأسرى وفي مقدمتهم زوجها عضو اللجنة المركزية العامة في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الأسير عاهد يوسف أبو غلمي الذي يقضي حكما بالسجن المؤبد إضافة ل5 سنوات بتهمة العضوية في قيادة مجموعة كتائب الشهيد أبو علي مصطفى التي اتهمت بتنفيذ عميلة الثار للامين العام الشهيد أبو علي مصطفى واغتيال وزير السياحة رحعبام زئيفي.

حياة السجن
وعلى مدار السنوات الماضية، عاشت الناشطة في لجنة الأسير وفاء أوضاعا قاسية جراء العقوبات التي فرضت على زوجها وخاصة عزله حتى أصبحت وطفليها يعيشون نفس واقع الاعتقال المرير، وتقول: "لا فرق بيننا وعاهد فنحن نعيش حياة السجن معزولين عنه محرومين من زيارته ورؤيته فمنذ اعتقاله وبعد لتحقيق معه جرى احتجازه في أقسام العزل الجماعية وفي 14-1-2010 صدر قرار العزل الانفرادي".
استمرت محكمة الاحتلال بتجديد عزل عاهد بذريعة أن نقله للأقسام العامة بين المعتقلين يشكل خطرا على الأمن الصهيوني، وتقول وفاء: "أصبح جهاز الأمن الصهيوني يتحكم بحياتنا فلم يكتفوا بحكمه وفرض الإجراءات التعسفية الصارخة بحق عاهد بل طالت تلك العقوبات كل أفراد أسرتي وخاصة على صعيد الزيارات" وتضيف "فالحظر الأمني سيف سلط على رقابنا لحرماننا من زيارته وخلال العام الأول من اعتقال عاهد منعتني سلطات الاحتلال من الزيارة بسبب فرض الإقامة الجبرية علي لمدة عامين وبعد رفع دعوى حصلت على تصريح زيارة".
وتكمل "في شهر نيسان عام 2009 تم سحب التصريح مني عندما كانت متوجهة مع أطفالي إلى الزيارة في سجن هداريم, وبعد خمسة أشهر حصلت على تصريح امني للزيارة لمرة واحدة فقط وهذا التصريح يمنح حسب مزاج المخابرات الصهيونية كل 6 أو 9 أشهر وبعدها تجدد قرار منعي، وكذلك منذ اعتقال عاهد سمح مرة واحدة لوالديه بزيارته وسمح مرة واحدة لابنته ريتا الدخول عنده لمدة 10 دقائق فقط".

انتصار المعركة
مع استمرار المأساة، شارك عاهد الأسرى في معركة الأمعاء الخاوية التي كان على رأس مطالبها إلغاء العزل ومثل الجبهة الشعبية في اللجنة القيادية العليا للإضراب، وبينما صمد كباقي الأسرى رغم العقوبات والقمع وتدهور حالته الصحية مع باقي المضربين، كانت الزوجة وفاء وطفليها مع والدهم في إضرابه، وبين إضرابها التضامني عن الطعام، لم تفارق خيمة الاعتصام في رام الله والتزمت بها مع عاهد وريتا حتى احتفلوا بانتصار الأسرى، وتقول "أصبحت حياة الأسرى وخاصة المعزولين جحيم وبعد تنصل إدارة السجون من الالتزام بما تعهدت به في صفقة شاليط من حل قضية المعزولين لم يبقى أمامهم سوى سلاح الاضراب "، وتضيف " لحظات وساعات قاسية وعصيبة عشناها في ظل الهجمة الشرسة التي تعرض لها المضربين الذين رفضوا التراجع وفك الاضراب حتى تحقق النصر التاريخي بعد 28 يوما من المعركة البطولية التي توجت بالاتفاق الذي لبى مطالب الأسرى".

فرحة وانتظار
عمت الفرحة في أوساط عائلة أبو غلمي بعدما اخرج من عزل سجن إلى الأقسام العامة في سجن وتقول وفاء " التزام سلطات الاحتلال بإخراج عاهد وباقي المعزولين من مقابر الموت البطيء وتوزيعهم على السجون أكد لنا الانتصار وشعرنا بفرحة بانتظار الخطوة التالية وهي الزيارات والتي كانت إحدى نقاط الاتفاق، بإلغاء المنع الأمني والسماح للأسرى الذين كانوا ممنوعين بزيارة ذويهم".
حصل ريتا وقيس على أول تصريح وتمكنوا من زيارة والدهم الذي فرح كثيرا، وتقول وفاء " كانت أجمل لحظة في حياتنا عندما شاهد أطفالي والدهم بعد سنوات من الحرمان ورغم انه لا يوجد إنسان يفرح للسجن وكل منا يتمنى حرية أسيره، فقد فرح أطفالي واعتبرنا أن الزيارة بشرى للحرية القادمة لعاهد ورفاقه، وبدأت انتظر الرد على طلب تصريحي وباقي العائلة ".

الصدمة الجديدة
اطمأنت وفاء كثيرا بعدما حمل إليها طفليها أخبار والدهم الصامد وما يتمتع به معنويات وتحدي وبطولة، وبدأت تتابع مع الصليب الأحمر الرد على تصاريح باقي العائلة، وتقول "أصبح لدي أمل اكبر بتحقق حلمنا بزيارة عاهد ولكن الاحتلال كان بالمرصاد لنا ليسلبنا الفرحة فعندما راجعت الصليب الأحمر ابلغوني أنني لن أتمكن من زيارة زوجي لان هناك رفض امني لي ولوالدته الطاعنة في السن بينما لم يصدر قرار بشان أشقاءه"، و رغم ما تمتع به من معنويات عالية ورباطة جأش لم تخفي وفاء ناثرتها وحزنها للقرار، وأضافت " انه قرار تعسفي وظالم وانتهاك للاتفاق الموقع بين الأسرى ومصلحة السجون، والواضح أن العقوبة لم تنتهي والاحتلال يريد أن ينغص علينا فرحة خروج زوجي من العزل بمنعي ووالدته من زيارته ".

الانتظار والأمل
ترفض الزوجة وفاء الاستسلام للأمر الواقع، وباشرت التحرك لإلغاء القرار عبر تقديم شكوى لكافة المؤسسات القانونية والحقوقية، مطالبة الراعي المصري لاتفاق الأسرى بإثارة ومتابعة القضية، وتقول " منع الزيارة غير قانوني ومن حقنا بعد الانتظار والمعاناة أن تنتهي تلك الكلمة المؤلمة لكل عائلة أسير المنع الأمني أنها لعنة تطاردنا وتحول حياتنا لجحيم "، وتضيف " ورغم ذلك لدينا أمل كبير، فالإيمان والأمل السلاح الذي واجهنا فيه كل المحن والماسي التي مرت علينا خلال فترات حياة عاهد الذي عاش أسيرا أو معتقلا ومستهدفا من الاحتلال".

عاهد المستهدف
في لحظات الانتظار، تتقاسم وفاء وطفليها الأحاديث عن الزوج الوالد، فهم لا يتوقفون عن الحديث عن لحظات الزيارة ووصف ووالدهم ومشاعره وترديد كلماته التي يحفظونها عن ظهر قلب، أما هي فتستحضر محطات حياته لتمنحهم مشاعر الفخر والاعتزاز ولتبقى قضية فلسطين التي امن بها والدهم كما تقول " مزروعة في أعماقهم فقد وهب حياته لقضية شعبه وعاش لفلسطين وحريتها ولم ينال منه اعتقال أو تحقيق لذلك ذكراه يجب أن تبقى حية ليتعلم أطفاله حب الوطن".
ففي عائلة مناضلة في قرية بيت فوريك ولد عاهد في 13-3-1968، وعلى مقاعد الدراسة بدا نشاطه الوطني مع الأطر الطلابية ثم الجماهيرية للجبهة الشعبية، وتقول وفاء " تفتحت مسامع عاهد على حكايات النضال والثورة لخاله الشهيد وشقيقه الأسير واستهداف الاحتلال لعائلته فبرزت لديه روح النضال والتضحية على مقاعد الدراسة ليعتقل عام 1984 و1985 بتهمة الانتماء للجبهة الشعبية رغم صغر سنه "، وتضيف " رغم تجربة الاعتقال استمر في مسيرته النضالية والتعليمية وحصل على الثانوية العامة بنجاح والتحق بجامعة بيرزيت، وتأخر تخرجه واستمرت دراسته من عام 1986حتى 1998 بسبب الاعتقالات المتكررة والملاحقة من الاحتلال الذي استمر في تحديه حتى حصل على شهادة البكالوريوس في علم الاجتماع".

نضال ومطاردة
خلال سجنه، أصبح أكثر التصاقا وحبا للوطن،وتقول وفاء " كل تجربة اعتقال شكلت بمثابة عامل لمواصلة دوره النضالي أكثر خاصة وانه في جميع اعتقالاته صاغ فلسفة المواجهة خلف القضبان وصمد في التحقيق رغم انه عاش تجربة مريرة مع اعتقال أشقاءه في محطات مختلفة ومرت فترات كانوا جميعا في السجن".
في عام 1996، ومع تصاعد وتيرة العمل المقاوم للجبهة الشعبية بدأت قوات الاحتلال بملاحقة عاهد الذي أصبح مطلوبا وملاحقا ورغم ذلك قرر الزواج، وتقول وفاء " يتميز عاهد بالتحدي والصلابة والشخصية القوية فكان لا يعرف مبدأ المساومة أو الاستسلام وعندما تقدم لخطبتي رغم تحذيرات الجميع من الخوف على حياته وافقت فورا لإعجابي بشخصيته وتقديري لبطولاته "، وتضيف " لكن الاحتلال استمر في التنغيص علينا وبسبب الرقابة الشديدة عليه غاب عن أهم مناسبة في حياته، ففي 14-8-1997، حضرت الجاهة لخطبتي ولم لم يحضر لمنزلنا وحرمنا تلك الفرحة بسبب الكمائن "، وتكمل " تكرر الموقف يوم حفل زفافنا، ففي ذلك اليوم كان العريس عاهد ينتظر عروسه على حاجز ال 17 في بيتونتا لإتمام حفلة الزفاف لان الاحتلال له بالمرصاد ولكنه لم يتمكن من التنغيص علينا وعشنا لحظات الفرح والسعادة".

الاعتقال الأخير
استمرت مطاردة عاهد الذي نجح في تضليل الاحتلال الذي استمر بمطاردته بينما أنجبت زوجته باكورة الأبناء قيس في 13-6-1998 وهو مطارد، وتقول "اعتقل عاهد عدة مرات لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية وكانت آخر محطة عقب اغتيال وزير السياحة الصهيوني في 21-2-2002، فاحتجز مع الأمين العام للجبهة الشعبية احمد سعدات ورفاقهم مجدي الريماوي وباسل الأسمر وحمدي قرعان".
وتكمل "خلال حملة السور الواقي، ومحاصرة المقاطعة والرئيس ياسر عرفات جرى عقد اتفاق برعاية أمريكية بريطانية لنقل عاهد ورفاقه إلى سجن أريحا دون علمهم، وخلال تلك الفترة أنجبت ابنتي ريتا في 6-9-2002م".
فوجئت وفاء وباقي أهالي المعتقلين باقتحام الاحتلال لسجن أريحا واختطافهم، وتقول "في 14-3-2006ØŒ انسحبت وحدة الحراسة الأمريكية البريطانية من السجن بشكل مفاجئ لتحاصره قوات الاحتلال وبعد هدمه والتهديد بتصفيتهم اعتقلتهم مع اللواء فواد الشوبكي". 

عقاب الوالدة
انتهى التحقيق وحوكم عاهد الذي لم يعترف بالتهمة وبدأ مسلسل العقوبات الذي طال حتى والدته الستينية الحاجة سبتية التي رفضت سلطات الاحتلال منحها تصريحا لزيارته، وتقول الوالدة الصابرة "أريد أن اعرف فقط ما الخطر الذي تشكله امرأة مسنة عجوز مثلي على الأمن الصهيوني انه ظلم واستمرار لرحلة المعاناة التي لم تتوقف يوميا عن حياتي "، وتضيف " فمنذ عام 1967 والاحتلال يستهدفنا، فاستشهد أخي محمود في معركة الصوانه وكان أول شهيد للجبهة الشعبية ".
وتضيف " في عام 1967، اعتقل ابني أبو يوسف لتبدأ رحلتي على بوابات السجون مع تتالي اعتقال أبنائي أبو يوسف ومحمود ومفيد ورائد وخالد وعاهد عام 1985، فكانت تأتي الأعياد وتنتهي وأنا محرومة منهم ".
وتقول الحجة سبتية" قدري أن يرافقني السجن والسجان بحياتي حتى عقب اندلعت انتفاضة الأقصى فقد اعتقل ابني أبو يوسف ثلاث مرات إداريا واعتقل أبناءه يوسف و نضال و أيمن والأشد صعوبة اعتقال عاهد "،وتضيف " كل ذلك لم يكن كافيا فقد استمرت حملات الاعتقال التي طالت ابني رائد وحفيدي وديع، ثم استشهد زوج ابنتي امجد مليطات وهو ابن عمتها في 7-6-2004، وبعد أربعين يوما اعتقلوا ابنتي زوجته لنان التي اعتقلت مرتين خلال انتفاضة الأقصى وفي الثانية اعتقلوا معها ابنتي تغريد". ورغم ذلك، تقول الوالدة الصابرة " السجن لن يغلق بابه على احد، وما دام لدي ابن بطل كعاهد فكلي ثقة أن الحلم باللقاء قريب، يمنعون زيارته ولكن روحه تعانق روحي في كل ركعة صلاة أؤديها اشعر بخطواته تقترب أكثر ليعود ألينا ونمسح من ذاكرتنا كل محطات المعاناة ".

(المصدر: شبكة فلسطين الإخبارية، 18/07/2012)