الأسير محمد الطوس الشهيد الحيّ منذ 28 عاما

سلطت وزارة الأسرى الضوء على الأسير محمد أحمد عبد الحميد الطوس 58 عاما، من سكان قرية الجبعة أقصى غرب بيت لحم،المعتقل بتاريخ 1985/10/6 ومحكوم بالسجن مدى الحياة.
وأطلق عليه الأسرى الفلسطينيون لقب الشهيد الحيّ، حيث ترتقي حكايته إلى الأسطورة عندما خرج من تلك المجزرة التي ارتكبها الجيش الصهيوني عام 1985 حيا بعد أن اعتقدت حكومة الاحتلال آنذاك أنها قضت على كافة مجموعته الفدائية التي نصبت لها كمينا عسكريا محكما في منطقة جبل الخليل.
أسطورة الطوس البطولية لم يصدقها أحد حتى "فرقة الموت" التي صبت كل رصاصها وقنابلها على السيارة التي كان يستقلها مع أفراد مجموعته والذين جميعهم ارتقوا شهداء وهم: محمد حسن سعيد ومحمود عدوان ومحمود النجار وعلي خلايلة. وكانت مذبحة بدم بارد استهدفت مجموعة فدائية طوردت سنوات طويلة، وكبدت الاحتلال خسائر كبيرة، لم ينج منها سوى محمد الطوس (أبو شادي)، الذي قيدوه مصابا وجريحا، ينزف الدماء من كل أنحاء جسمه، وانهالوا عليه ضربا مبرحا، فهم لا يريدونه حيا بل قتيلا مثل كافة رفاقه وكان هذا هو هدفهم وقرارهم.
الأخبار التي شاعت وهزت المنطقة في تلك الفترة انتشرت بسرعة بأن مجموعة جبل الخليل قد استشهدت، وتلقت زوجته "أم شادي" وابنه الطفل وقتذاك، شادي، الخبر بصدمة وذهول، وبدأوا يطالبون كافة الجهات الدولية والإنسانية من أجل استلام جثمان محمد الطوس، ومعرفة مصيره ومصير أبناء مجموعته. حكومة الاحتلال وجهازها الأمني افتخروا بهذا الانجاز الكبير، وخرجت وسائل الإعلام بالأنباء عن القضاء على أخطر مجموعة فدائية في منطقة جبل الخليل، كانت تعمل بأوامر و تعليمات من الشهيد خليل الوزير "أبو جهاد"، ولم يدرك العالم أن حكومة الاحتلال تتستر على عملية إعدام بدم بارد بحق مناضلين قامت بتصفيتهم بطريقة بشعة وخارج نطاق القضاء.
تعرض الأسير الجريح محمد الطوس، إلى عملية تحقيق قاسية استمرت أكثر من ثلاثة شهور، ومورست بحقه كل أساليب التعذيب، حيث استغل المحققون وضعه الصحي وجسمه المصاب وصدمته النفسية باستشهاد رفاقه للضغط عليه من أجل انتزاع اعترافات منه بعد أن فشلوا في انتزاع روحه من جسده. حكمت عليه المحكمة العسكرية بالسجن مدى الحياة بعد أن رفض الوقوف أمام هيئة المحكمة، واعتبر هذه الأخيرة غير قانونية ولا تستحق أن يقف المناضل أمام قضاتها الذين هم قضاة بلباس جلادين، فكان حكما رادعا بديلا عن الموت، وتم نسف منزله ومنزل شقيقه وتدميرهما كجزء من الحكم وعملية الانتقام.
"أم شادي" وبمساعدة المؤسسات المجتمعية والقوى الوطنية، استطاعت أن تتحدى الاحتلال وتبني المنزل على أنقاض الدمار، ليسارع الجيش الصهيوني بإعادة هدمه مرة أخرى، كأنه لا يريد أن يصدق أن لأبي شادي أثرا، ولا يريد أن يصدق أن هذا الرجل لا زال ينتظر العودة إلى البيت والعائلة.
مرت " 27 "عاما على الشهيد الحيّ، تنقل في كافة السجون، وخاض كافة معارك الجوع والمواجهات في سبيل الحقوق الإنسانية للأسرى وكرامتهم، فهو يعتبر نفسه مشروع حرية، وأن لا مساومة على الحرية إلا بالحرية، فجسده المطرز بالرصاص ومشاهد العذاب ورحلة الموت التي مر بها جسدت فيه أسطورة الأسير الذي يصارع الظلام بنور عينيه وبما فيه من قوة العزيمة والأمل.
التحدي للموت والسجن لا زال يتحرك في قلب "أم شادي" وابنها، وقد توقعت أن تشمله صفقة التبادل الأخيرة ليعود إلى منزله الذي أصرت أن تبنيه رغم كل مضايقات المحتلين، وليعود زوجها حتى يضع إكليلا من الورد على قبور زملائه الشهداء ويتنفس عميقا وطويلا من هواء قريته الجميلة التي تنتظره على أحر من الجمر، ينتظره ابنه شادي الذي كبر وتخرج من الجامعة وحفظ درس الحياة.

(المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 14/9/2012)