عائلة نعيم.. في مكان ظنوه أكثر أمناً ارتقى الشهيد وأصيب ابنا العم!

دُعي الجميع لتناول وجبة الغداء، اجتمع أهل البيت وضيوفهم الفارون من صعوبة الأوضاع في مكان سكنهم، قطع اجتماعهم صوت انفجار قريب، لكن الانفجار التالي الذي كان أكثر عنفا قطع الأنفاس أيضا، وأخذ شيئا من الأرواح.
استشهد "عبود" ذو العامين في لحظات لم يخرج فيها عن طبيعة طفولته، فقد كان يداعب ابن أخته، وأصيب شقيقه محمد وابن عمهما سامي.. ترك الفتيان المصابان مقاعد الدراسة التي تنتظرهما، فليس بمقدورهما إلا أن يرقدا على سريرين متجاورين في قسم الجراحة بمجمع الشفاء الطبي، أما إصاباتهما فهي ليست بالهينة، إذ اخترقت الشظايا أجسادهما لتدخل من مكان وتخرج من الآخر.
هذا ما تعرضت له عائلة طبيب الأمراض الجلدية الدكتور مجدي نعيم عندما قصفت قوات الاحتلال "برج نعمة" في المرة الثالثة، فطالت المعاناة أفراد البيت وأبناء عمهم الذين تركوا منزلهم في منطقة "السودانية" نظرا لكثرة القصف الذي تتعرض له هذه المنطقة، وجاءوا لقضاء أيام العدوان بصحبتهم.
محمود - في الصف العاشر- كان يعتقد أنه في مكان آمن هو وعائلته، لكن استهداف "برج نعمة" المجاور لمنزلهم أكثر من مرة جعلهم في مرمى الخطر، وبالفعل فقد كان قصف البرج للمرة الثالثة سببا في فتح بيت عزاء عند آل "نعيم".
ويبين "محمود" أنه لم يكن مدركا لما يحدث من حوله، رغم أنه لم يفقد وعيه، وذلك بسبب إصابته في ساقه، ومع إصابته لم يتراجع عن تمسكه ببلاده قيد أُنملة، بل هو يؤكد أنه مع المقاومة واستمرارها ولن يتراجع عن فكرته هذه أبدا.
أما ابن عمه المُصاب "سامي"، فلم يكن في ذات الغرفة، إذ كان في المكان المخصص لتصوير الأشعة، وفي غيابه الوقتي، كان قلب الأم يرتجف خوفا، ونهر الدموع لم يتوقف من عينيها، لكنها تمالكت نفسها قليلا لتروي ما حدث بالتفصيل.
توضح "أم محمد" والدة سامي: "إن البداية كانت بصوت انفجار قريب، تبعه انفجار بدا أكثر قوة، فأتى على كل زجاج المنزل وأصاب من أصاب وقتل من قتل، وفي هذه اللحظات انتبهت لإصابة ابني الذي كان ينزف دما ويصرخ ويتقلب على الأرض بعد أن أُصيب بشظايا اخترقت بطنه وخرجت من ظهره، فيما كان الصغير "عبد الرحمن" مكفيًا على ابن أخته الذي كان يلعب معه قبل ثوانٍ معدودة، ولم ينقذه احتضان والدته له أو بكاؤها وجزعها عليه، فرحل بعد دقائق معدودات".
الأب الذي كان يقضي جل وقته في مستشفى الشفاء، بعيدا عن عائلته، ويكتفي بوقت يسير يرى فيه أبناءه لأجل خدمة الجرحى، حاول أن يحصل على قسط من الراحة في بيته، لكن القصف لم يسمح له بذلك، فالشظايا اخترقت أجساد ابنيه وابن أخيه، التقط ابنه الأصغر على الفور في محاولة لإنقاذه، لكنه لم يلبث أن لفظ أنفاسه الأخيرة على الفور.
وتقول "أم محمد": "إن قدر العائلة لم يفارقها، فقد كتب الله أن يُصاب "سامي"، ولو أنهم لم يتركوا بيتهم لما أصيب، لذا فإن انتقال العائلة إلى منطقة اعتقدوها أكثر أمنا كان سببا في قضاء ما قُدّر لهم".

وقبل خروجنا من غرفة المصابين، عاد "سامي" إلى الغرفة على كرسي متحرك، وهنا لم تتمالك الأم نفسها، توقفت عن الكلام، وعادت إلى لغة الدموع، تتحدث بهما إلى ابنها وتتحسس وجهه علّها تجده قد أصبح في حال أفضل، وهو الذي بدا ضعيفا من أثر إصابته، لكنه لم يبخل على والدته بابتسامة يطمئنها من خلالها على نفسه.

(المصدر: صحيفة فلسطين، 24/11/2012)